بوعياش: " حفظ الذاكرة" لبنة نوعية في مسار حقوق الإنسان بالمغرب

تيل كيل عربي

قدمت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، اليوم، في كلمة خلال حفل إطلاق وحدة حفظ الذاكرة والنهوض  بالتاريخ المغربي بمختلف روافده" ،  السياق الذي جاءت فيه هذه الوحدة، والمهام الملقاة على عاتقها. وفيما يلي نص كلمتها التي ألقاها بالنيابة عنها، الأمين العام للمجلس.

لسيدات والسادة ....
الصديقات والأصدقاء
الحضور الكرام
يسعدني اليوم أن أعلن أمام حضراتكم تتويج مجهود ومسار من التأمل والتفكير والعمل من أجل تفعيل أحد الأوراش المهمة الذي أولته هيئة الإنصاف والمصالحة عناية خاصة، وتعاملت معه بما اقتضته إكراهات الزمن الفعلي، وارتأت أن تتم معالجته من طرف ذوي الإختصاص بتوفير الوقت والكفاءة اللازمين للبحث العلمي؛ يتعلق الأمر بورش الذاكرة والتاريخ، من خلال إحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان لوحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده، باعتبارهما من لبنات استكمال أشغال لجنة متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة
لقد ارتئينا ان ننظم حفل اطلاق الوحدة بالفضاء الاكاديمي للمملكة لما له من رمزية معرفية وبحثية بقضايا المملكة ولا يد من الشكر الجزيل لامين سر الاكاديمية على فتحه لنا لهذا الفضاء المعرفي
لقد رَسَّخَ لدينا الاسترشاد بالمواثيق الدولية والمرجعيات الدستورية وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ذات الصلة بالموضوع، قناعة مبدئية قائمة على الحاجة إلى بنية للبحث تجمع بين الدقة العلمية والحس الاستباقي الحقوقي والأكاديمي، لتوفير مضامين وتيسير أشكال الترافع وتقديم التوصيات المبنية تاريخيا وحقوقيا وسياسيا. وهكذا ظهر جليا أن الانكباب على هذا الورش يقتضي الانفتاح على ذوي الاختصاص من باحثين ومؤرخين للإسهام في تقديم المعطيات وتدقيق الأحداث وكتابة التاريخ الراهن لحقوق الإنسان بالمغرب، وحفظ الذاكرة المشتركة وتحويلها إلى دعامة للبناء المنتج، بما يفتح أفاقا جديدة للحكامة وإغناء مسارات التنمية المجالية أو الجهوية بشكل عادل.
وعلى هذا الأساس، يعتبر قرار إحداث وحدة لحفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده ودعم إعماله في المناهج والمقررات التعليمية، إلى جانب رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تنفيذا، نوعيا، لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في الجانب المتعلق منها بالذاكرة والتاريخ، وتجاوبا مثمرا مع المواثيق الدولية والمقتضيات الدستورية في هذا المجال.
كما يندرج إحداث هذه الوحدة ضمن استراتيجية مندمجة، اعتمدها المجلس منذ سنة 2019، تعكس مسار التطور الذي يعيشه المشهد الحقوقي في المغرب من أجل المساهمة في بناء الديمقراطية وانغراس حقوق الإنسان في الدولة والمجتمع. وبذلك تكون الوحدة آلية لدراسة مجالات وأشكال حفظ الذاكرة والاهتمام بالتاريخ الراهن، واقتراح توصيات لتفعيلها من طرف المؤسسات المعنية.
السيدات والسادة،
إن وحدة حفظ الذاكرة والبحث في التاريخ الراهن، المرتبط بحقوق الإنسان، بقدر ما هي مآل طبيعي لإنجازات هيئة الإنصاف والمصالحة، واستمرار لأشغال لجنة متابعة توصيات الهيئة، بقدر ما هي لبنة نوعية في هذا المسار، لأنها تسعى في منطق اشتغالهما إلى التمييز بين الممكن بالقرار السياسي والمتاح بالبحث الأكاديمي المحمول بهواجس حقوقية. فوحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده فضاء للتفكير والبحث الموضوعي في القضايا التي تهم التاريخ الراهن وامتداداته، والتي بقدر ما يمكن أن تؤثر، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تكريس دولة الحق والقانون، بقدر ما يمكن أن تكون، أيضا، منطلقا لتأصيل الممارسة الديمقراطية وفعلية حقوق الإنسان في الدولة والمجتمع.
غير أن هذه الوحدة لا تطمح لأن تقوم مقام المؤسسات البحثية في هذا المجال، بل ستكون فضاء للتشاور وترصيد النتائج بين ذوي الاختصاص والمجتمع الحقوقي لإطلاق مشاريع للبحث التاريخي¬-الحقوقي لحفظ الذاكرة، بناء على الرصيد المعالج لما تراكم من مذكرات ووثائق وشهادات. وتضع ورشها هذا رهن إشارة الحقوقيين والمؤرخين والسياسيين والفاعلين المجتمعيين.
الحضور الكرام،
سبق لي أن أعلنت، منتصف شهر ماي سنة 2019، أن تغذية حركة وفعل حقوق الإنسان بالعمق الفكري والاجتهاد النظري يمر عبر توطيد التعاون مع الجامعة. واليوم أعيد التأكيد على نفس المعطى، من منطلق الوعي أن الكفاءات الجامعية والخبرات الأكاديمية تعتبر المرجعية الفكرية والسند العلمي لوحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده، ضمن هذا الورش الذي ينخرط فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره هيئة دستورية حاضنة لتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة.
داخل هذا المشروع العلمي، الذي نعتبره رافعة للعمل الحقوقي ببلادنا، يحضر التاريخ إلى جانب الذاكرة، مع كل ما يمكن أن يحققه، وبشكل مستجد، التداخل والتشابه بين الحقلين. لأن المتأمل في جوهرهما سيدرك أن ما يجمعهما هو، في نهاية المطاف، التكامل والتفاعل بين مجاليين معرفيين لكل منهما ضوابطه وقواعده وآليات اشتغاله. فالذاكرة سواء كانت فردية أوجماعية أو حتى تاريخية، تبقى في نهاية المطاف تجسيدا وتكثيفا لتجارب إنساسية معيشة، سواء في شكل شهادات لفاعلين أو أمكنة وفضاءات بكل مكوناتها ورموزها وأيقوناتها المختلفة المعاني والدلالات. بينما التاريخ يعتبر حقلا لإعادة بناء الظاهرة التاريخية بضوابط البحث والنقد والتدقيق والتمحيص، تؤطره مناهج ويعتمد على مصادر ومراجع ويستعين بالوثائق ويستحضر الذاكرة ليستخرج مادته العلمية منها. فيقوم تبادل الخدمات بين الحقلين ضمن عمليتي التفاعل والتكامل على قاعدة سعي التاريخ إلى تدقيق التحقق من تفاصيل الذاكرة فيما تشكل هذه التفاصيل أحد الموارد الأساسية لإعادة بناء الظاهرة التاريخية. وتسعى هذه الوحدة إلى ترصيد هذه المجهودات، برمتها، وتوجيهها نحو تكريس وترسيخ حقوق الإنسان في الدولة والمجتمع.
ونحن نطلق هده الوحدة التي كانت موضوع نقاش وتداول بين ابرز المهتمين والفاعلين في مجال اذاكرة والتاريخ ، لا يد من تقديم ياسمي وباسم المجلس تشكراننا الخالصة لاستعدادهم ودعمهم والانخراطهم معنا في الانكباب جماعة على مجال يتطلب الانصات والبحث والحوار والدقة لرفع الالتياس على حقائق تاريخية ومجتمعية
ضمن هذا المنظور التكاملي المنتج بين الذاكرة والتاريخ، وفي إطار روح التعاون المثمر بين أهل الاختصاص والفاعلين الحقوقيين، نطمح لأن تكون وحدة حفظ الذاكرة والنهوض بالتاريخ المغربي بمختلف روافده، لبنة جديدة في مسار العمل الحقوقي المنفتح على تراثنا الثري بكل مكوناته التي نص عليها دستور بلادنا، والمتفاعل مع ورش الجهوية الموسعة، بكل ما تطمح إليه من عدالة مجالية واجتماعية واقتصادية وثقافية، والهادف إلى قراءة صفحة الماضي بروح الصرامة العلمية والمواطنة، وحفظ الذاكرة بروح تثمين المواطنة والتطلع لغد أفضل.

آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.