هذه حجج النيابة العامة ضد الزفزافي في محاكمته اليوم

النيابة العامة تواجه الزفزافي بمقاطع من خطبه
امحمد خيي

تتوجه الأنظار صباح اليوم (الثلاثاء) إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، التي ستشهد أول مثول لناصر الزفزافي، قائد "حراك الريف"، رفقة 31 متهما آخر، أبرزهم الرجلين الثالث والرابع في نواة الحراك، محمد جلول، ومحمد المجاوي، أمام هيأة الحكم برئاسة علي الطرشي، في جلسة يرتقب أن تشهد جدلا كبيرا، حول سعي النيابة العامة إلى إقناع قضاء الموضوع بضم ملف مجموعة الفاعل الثاني في الحراك، نبيل أحمجيق، المكونة من 22 متهما، والصحافي حميد المهداوي، الذين سيمثلون بدورهم أمام القضاء مجددا خلال اليوم نفسه، إلى ملف الزفزافي، بوصفه هو "الأصل". الزفزافي، يواجه تهما خطيرة تصل عقوبتها إلى الإعدام، فبماذا تبررها النيابة العامة؟

تسمح بعض وثائق الملف التي اطلع عليها "تيلكيل – عربي" لدى بعض المحامين، وأبرزها "الملتمس الختامي للنيابة العامة إلى قاضي التحقيق في ملف ناصر الزفزافي ومن معه"، و"قرار الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق" في الملف ذاته، وقرار الغرفة الجنحية الذي استجاب لملتمس استئنافي تقدم به الوكيل العام ضد الخلاصات النهائية لقاضي التحقيق، في استنتاج فكرتين رئيسيتين: تستند النيابة العامة في اتهاماتها، وأخطرها "جناية المس بسلامة الدولة الداخلية"، "وتدبير مؤامرة ضدها"، و"تلقي أموال للمس بوحدة المملكة المغربية وولاء المواطنين لها"، على خمسة محطات من مسار الحراك، و15 "مؤشرا"، تقول إنها "معززة بوسائل الإثبات"، على أن يعود "تيلكيل- عربي" خلال مجريات المحاكمة لنقل ردود المتهمين عليها أمام القضاء.

5 أحداث

بالنسبة إلى النيابة العامة، "تورط المتهمون بشكل ممنهج ومدروس في المس بالسلامة الداخلية للدولة المغربية، ووحدتها الترابية، بتحريض وتنسيق مع انفصاليي الخارج وفق أجندة تستهدف فصل منطقة الريف عن باقي التراب الوطني، من خلال الاستغلال، بسوء نية، لمجموعة من المطالب الخاصة بالسكان، والقيام بمظاهرات وتجمعات تخللتها اعمال تخريب وتعييب وإضرام النار في ممتلكات الدولة والخواص، وعصيان ومقاومة القوات العمومية واستهدافها في سلامتها الجسدية، عن طريق بالحجارة والقارورات الحارقة، وبإضرام النار في مقرات سكناهم ومركباتهم".

وتعتقد النيابة العامة، حسب الوثائق المشار إليها، أن المتهمين، الذين تصفهم بـ"أنصار الزفزافي"، "ترجموا مخططهم على أرض الميدان"، بـ"تخطيط وتحريض منه"، في عدد من الأحداث، أولها، بتاريخ 5 فبراير 2017، في منطقة "بوكيدارن" في إمزورن، التي شهدت "قيام 500 شخص من أتباع الزفزافي، وهم يحملون راية جمهورية الريف المزعومة، بقطع حركة السير، ورشق القوات العمومية، وإحراق العجلات المطاطية، وإطلاقها من المنحدرات على القوات العمومية"، مضيفة أنهم "قطعوا الإنارة العمومية ليلا لمدة خمس دقائق من اجل القيام بأعمال التخريب وإلحاق أضرار جسمانية بقوات حفظ النظام العام".

وفيما تضيف أن تلك الأعمال أسفرت عن خسائر بشرية، تتمثل في إصابة 20 عنصرا من القوات العمومية التابعين للدرك الملكي، عددت أسماءهم، وخسائر مادية، أصابت السيارات والعتاد من خوذات وعصي "الماطراك"، حددت الحدث الثاني في أحداث إمزورن، بتاريخ 26 مارس 2017، وقالت إنها بدأت "بتجمع حوالي 30 تلميذا في بني بوعياش"، ودخلوا في كر وفر مع القوات العمومية، وفي وقت لاحق "وصل عددهم إلى 100 وحاولوا القيام بمسيرة إلى الحسيمة"، لكن بتفريقها، ذهبت مجموعة نحو "بوكيدارن" حيث نفوذ الدرك الملكي، قبل أن يعودوا في الرابعة عصرا إلى مدينة إمزورن، ويغيروا وجهتهم إلى بني بوعياش.

وتتهم النيابة العامة، أولئك التلاميذ، بالاعتداء على مسؤول في الاستعلامات العامة داخل سيارته، ورشق حافلة للنقل العمومي كانت تقل عناصر من مجموعة للتدخل السريع قادمة من خريبكة ومختصة في حماية المنشآت الفوسفاطية، ولما ارتفع العدد إلى 600، قاموا بإضرام النار في الحافلة ذاتها ،وشاحنة مرافقة تحمل أغراض تلك القوة العمومية، ثم إضرام النار في المقر الذي خصص سكنا لتلك التعزيزات الجديدة، ما أدى، حسب النيابة العامة، إلى خسائر بشرية ومادية، تمثلت في إصابات وضياع واحتراق عدد من الأسلحة والذخيرة ومعدات القوات العمومية، وهي الخسائر التي حددتها النيابة العامة بالتفصيل في الوثائق التي اطلع عليها "تيلكيل-عربي"، واستمعت إلى المصابين من الموظفين العموميين وبعض الخواص.

أما الحدث الثالث، فحددته في أحداث جماعة أولاد امغار في 21 أبريل 2017، فقالت إن "المتهم ناصر الزفزافي وصل إلى المنطقة على متن قافلة من 20 سيارة"، محدثا "عرقلة للسير وفوضى عارمة"، قبل "تنظيم وقفة غير مصرح بها أمام مقر الجماعة"، رافقها "ترهيب المواطنين وتهديدهم للالتحاق بها"، لتمر النيابة العامة، معتمدة على أقوال شهود حددت أسماءهم، إلى القول إن "الزفزافي وأنصاره الحاملين لأسلحة البيضاء، منعوا مواطنين يحملون الأعلام الوطنية من المشاركة في الاحتجاج والتعبير عن مطالبهم المشروعة"، كما "تعرضوا لآخرين وضربوهم".

حدث منع طائرة وزير الداخلية من الإقلاع من حجج النيابة العامة

وتفيد الوثائق ذاتها، أنه في نظر النيابة العامة، تجسدت "المؤامرة" وباقي التهم، في حدث رابع، شهدته "تلارواق بتارجيست"، في 23 ماي 2017، فقالت إنه "في إطار محاولة الدولة التفاعل مع مطالب السكان، جاء وفد وزاري على رأسه عبد الوافي الفتيت، وزير الداخلية، للنظر في مطالبهم، فتوجه إلى مقر الجماعة"، لكن "بعد المناداة على متزعمي الاحتجاج رفضوا الاجتماع، ولما تيقن الوفد من عدم رغبتهم في الحوار"، عاد إلى حيث كانت الطائرة الحوامة التي جاءت به، "لكن المعتصمين توجهوا إليها وحاولوا منعها من الإقلاع بعد تشغيل طاقمها للمحرك".

وفيما يتجلى الحدث الخامس، في "تعطيل صلاة الجمعة بمسجد محمد الخامس بالحسيمة"، في 26 ماي 2017، من قبل المتهم ناصر الزفزافي، وما تلاه من أحداث "التجمهر المسلح أمام بيته ورشق القوات العمومية للحيلولة دون اعتقاله"، اعتمدت النيابة العامة على أقوال عدد من الشهود، كما استمعت إلى بعض المتهمين بالمساهمة المباشرة في تلك الأحداث، وواجهتهم بمضامين مكالمات هاتفية بينهم أو مع أشخاص مقيمون بالخارج، تم التقاطها، وتدوينات على حساباتهم في شبكة التواصل الاجتماعي، و"فيديوهات"، واستقت منهم تصريحات، وتوج ذلك في مرحلة التحقيق التفصيلي من قبل قاضي التحقيق، بإجراء مواجهات بين المعتقلين، تتعلق بتلك الأحداث، وتمويلها، وغيرها من التفاصيل التي سيحسمها قضاء الحكم.

15 مؤشرا

ومضت النيابة العامة في وثيقة "الملتمس الختامي في ملف الزفزافي ومن معه"، المتكون من 695 صفحة، في سرد 15 مؤشرا، ترى أنها "تدل على ضلوع المتهم ناصر الزفزافي في ارتكاب جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة"، أولها أسمته "التنسيق مع أطراف انفصالية خارج المغرب لزعزعة استقرار الوطن وخدمة مشروع انفصال الريف عن المغرب، من خلال تلقي التوجيهات والتعليمات والتوصل بتمويلات مالية والاستفادة من دعم لوجستيكي".

وفيما تستدل النيابة العامة، في سردها لوسائل الإثبات، التي يظل قضاء الموضوع، وفق المعروف قانونيا، هو الذي سيحسم في صلابتها أو استبعادها، في "اعترافات المتهم بالتنسيق معهم"، وأبرزهم  "فريد أولاد لحسن، المقيم بهولندا وعضو حركة 18 شتنبر من أجل استقلال الريف التي أسسها في 2014 بارون المخدرات سعيد شعو"، وتذكر، علاوة على المكالمات الهاتفية، تصريحات باقي المتهمين، من قبيل "محمد المجاوي الذي أوضح أن الأجندة المشبوهة للزفزافي  تتم بالتنسيق مع فريد أولاد لحسن وعبد الصادق بوجيبار".

وبينما تعتبر النيابة العامة أن المؤشر الثاني هو "التنسيق لمخطط إجرامي سري تمت برمجته خلال فترة الصيف"، مستدلة أساسا بمكالمات هاتفية تم التنصت إليها وجمعت الزفزافي بعدد من الأشخاص، أغلبهم موصوفون بـ"أعضاء حركة 18 شتنبر"، وأحدهم يقيم في بلجيكا "وتوصل منه بسترة واقية من الرصاص"، تقول النيابة العامة إنها حجزت فعلا في بيته، اعتبرت أن المؤشر الثالث هو "الإصرار على مقاطعة الحوار مع السلطات المختصة، بغاية قطع الطريق أمام أية محاولة لاحتواء الوضع وإيجاد الحلول للمطالب، من أجل ضمان الوقت لتنفيذ المخططات السرية ضد الأمن الداخلي للمغرب".

المواجهات بين الأمن وتلاميذ إمزورن اعتبرت إثباتا ضد الزفزافي

وتورد النيابة العامة دلائلها بخصوص ذلك، في مضامين مكالمات هاتفية وتصريحات لناصر الزفزافي، في حين قالت عن المؤشر الرابع، إنه يتمثل في "استهداف اقتصاد الحسيمة لشل الحركة التجارية والضغط على الدولة خدمة للمشروع الانفصالي"، مستندة على ذلك في استماع الشرطة إلى تجار مشتكين، ومكالمات هاتفية، تشير إلى تخطيط لسحب الأرصدة من البنوك المغربية ومقاطعتها، ثم تحدد المؤشر الخامس في "محاولة زعزعة ولاء المواطنين للأجهوة الأمنية واستهداف سلامة موظفيها".

ورأى الملتمس ذاته، مستدلا بتصريحات بعض النشطاء المعتقلين أثناء التحقيقات معهم، حول اللجان التنظيمية التي كانت تتكون منها قيادة حراك الريف، وبمكالمات هاتفية، و"فيديوهات"، وتوفر الزفزافي على حراس خاصين، أن المؤشر السادس هو "التحرك ضمن جماعات بشكل ممنهج ومدروس من أجل إنجاح المشروع الانفصالي"، بينما اعتبرت المؤشر السابع، أنه "نهج أسلوب التمويه وتوخي الحيطة والحذر في الاتصالات الهاتفية باستعمال رموز وكلمات مشفرة، واستعمال رقم هاتفي بلجيكي من قبل الزفزافي للتواصل في الواتساب".

وعادت اتهامات النيابة العامة إلى موضوع اللجان الأوربية لدعم حراك الريف، وأشكالها الاحتجاجية، وإلى حوارات مع صحافيين أجانب، لتقول، بالاعتماد أيضا على مكالمات هاتفية بين قائد الحراك وعدد من "الانفصاليين في الخارج"، إنها المؤشر الثامن على وجود مؤامرة ضد الدولة ووحدتها الترابية، وأسمته "محاولة تدويل القضية لإثارة الرأي العام الدولي وتأليبه بسوء نية على المغرب"، وهو ما أضافت إليه مؤشرا تاسعا، أسمته "محاولة توسيع رقعة الاحتجاجات خارج مدينة الحسيمة".

وفيما غاب في الوثائق المؤشر العاشر، اعتبر المدعي العام كذلك، أن المؤشر الحادي عشر (11)، "محاولة توظيف الدين لإثارة وتهييج مشاعر المواطنين بهدف حشد أكبر عدد من المؤيدين"، إذ اعتبرت النيابة العامة أن الزفزافي "كان واعيا بمعطى تأثير الدين في عقول الناس"، فاستدلت بتسجيلات للخطب التي كان يوظف فيها الدين، وحرصه على تأدية الناس لـ"قسم الحراك"، قالت إن المؤشر 12 يتمثل في "تضليل الرأي العام وتأجيجه بنشر مغالطات وتزييف الحقائق"، معتمدة في ذلك، رواية الزفزافي التي اتهمت الدولة في إبانه، بـ"تدبير أحداث إمزورن ضد موظفيها".

وفي ملتمس النيابة العامة أيضا، أن المؤشر 13 على "المؤامرة"، القيام بـ"محاولة توظيف تاريخ الريف بسوء نية في تأجيج مشاعر المتظاهرين خدمة للمشروع الانفصالي لفصل منطقة الريف عن المغرب"، مستدلة على ذلك بما أسمته "محاربة المتهم ناصر الزفزافي لرفع العلم الوطني المجسد للسيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة، مقابل تحريضه على رفع علم ما يسمى الجمهورية الريفية"، في حين حدد المؤشر 14 في "العمل على خلق اضطرابات وأحداث شغب لتحقيق الأهداف الانفصالية".

وفي وقت أضافت النيابة العامة، أن المؤشر 14 يعتبر "من أهم المؤشرات المعززة بوسائل الإثبات الدالة بوضوح على ضلوع المتهم في مؤامرة للمس بالسلامة الداخلية للدولة"، مستدلة عليها بالأحداث الخمسة المذكورة آنفا، اعتبرت "التخطيط للفرار خارج أرض الوطن بعد فشل المخطط الانفصالي"، المؤشر رقم 15 على ما تتهم الزفزافي به، مستدلة في إثباته على المكالمات الهاتفية التي تم التقاطها طيلة فترة اختفاء المتهم وهروبه من الاعتقال، بينها واحدة مع فريد أيت لحسن، يعتبر الادعاء العام، أنها دليل على "التنسيق مع الجهات التي تدعمه بالخارج، ونيته طلب اللجوء السياسي بإسبانيا.