وقع الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء الإسرائيلي، اليوم الخميس، اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين بلديهما، بعد أشهر من مفاوضات مضنية، بوساطة أمريكية، على أن يتم تبادل الوثائق الرسمية المتعلقة بالاتفاق في الناقورة في جنوب لبنان، في حضور أمريكي ومن الأمم المتحدة.
وأتاح الاتفاق لإسرائيل البدء بإنتاج الغاز من منطقة كان البلدان يتنازعان عليها. فيما يأمل لبنان الغارق في انهيار اقتصادي، بدء التنقيب، قريبا.
وسيأخذ الاتفاق شكل تبادل رسائل الموافقة على نص الاتفاق، بين لبنان والولايات المتحدة من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية.
وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ، عندما ترسل الولايات المتحدة إشعارا يتضمن تأكيدا على موافقة الطرفين اللذين هما في حالة حرب.
وتسارعت منذ أشهر، التطورات المرتبطة بالملف. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية، قدم الوسيط الأمريكي، آموس هوكستين، الذي تقود بلاده وساطة منذ عامين، بداية الشهر الحالي، عرضه الأخير، وأعلن الطرفان موافقتهما عليه.
واعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي، يائير لبيد، أن لبنان "اعترف" بدولة إسرائيل، من خلال موافقته على الاتفاق، لكن الرئيس اللبناني، ميشال عون، سارع للقول إن "لا أبعاد سياسية" للاتفاق.
والتقى هوكستين، اليوم الخميس، ميشال عون، الذي وقع الاتفاق، وهو على شكل "رسالة تقول إن لبنان استلم الرسالة الأمريكية، ووافق على مضمونها"، وفق ما أعلن نائب رئيس مجلس النواب، إلياس أبو صعب، المكلف بملف الترسيم.
وفي القدس، صادقت الحكومة الإسرائيلية، اليوم الخميس، على الاتفاق، ووقع لبيد عليه.
ويلتقي وفدان من البلدين، بعد ظهر اليوم الخميس، في مقر قوات الأمم المتحدة "يونيفيل"، في بلدة الناقورة في جنوب لبنان، في غرفتين منفصلتين، لتبادل رسائل الاتفاق، لينتقل هوكستين بعد المراسم إلى إسرائيل.
وستحضر المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، يوانا فرون تسك، مراسم الناقورة، وسيتم تسليمها الإحداثيات الجغرافية المتفق عليها، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان إلى الأمم المتحدة، في عام 2011.
وإثر لقائه عون، أعرب هوكستين عن سعادته بالوصول إلى "هذا اليوم التاريخي في المنطقة.. وإلى اتفاق يخلق الأمل والفرص الاقتصادية والاستقرار لجانبي الحدود".
وأضاف: "المهم الآن بعد وصولنا إلى هذا الإنجاز، ما سيحصل بعده، وأتمنى أن يكون ذلك بمثابة نقطة تحول اقتصادية للبنان، لمرحلة جديدة من الاستثمار والدعم للنهوض بالاقتصاد".
وفي إسرائيل، يأتي توقيع الاتفاق قبل أيام من انتخابات تشريعية هي الخامسة في ثلاث سنوات.
وفي الوقت الذي انتقد رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتانياهو، الذي يقود المعارضة حاليا، هذا الاتفاق، اعتبر لبيد الذي يواجه أزمة سياسية جديدة، الاتفاقية "إنجازا سياسيا، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل، في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره".
واعتبر لبيد سابقا، أن التفاهم يبعد إمكانية اندلاع حرب مع حزب الله، العدو اللدود لإسرائيل الذي هدد بتصعيد عسكري، في حال أقدمت إسرائيل على أي نشاط في حقل "كاريش"، قبل الاتفاق على ترسيم الحدود. ومن الواضح أن الاتفاق لم يكن ليتم، لولا موافقة حزب الله، القوة السياسية والعسكرية النافذة في لبنان.
وشدد عون في المقابل، على أن "إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول".
ويأتي الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بـ"التاريخي"، في وقت تبحث الدول الغربية، والأوروبية تحديدا، عن مصدر جديد للغاز، لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي، إثر الحرب في أوكرانيا.
وعشية التوقيع، أعلنت شركة "إنرجيان" بدء إنتاج الغاز من حقل "كاريش" البحري.
وبموجب الاتفاق، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان حقل "قانا"، الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل الرقعة رقم 9؛ حيث يقع حقل "قانا"، منطقة رئيسية للتنقيب ستقوم به شركتا "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، اللتان حصلتا، عام 2018، مع شركة روسية، على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة، خلال العام الحالي.
ويرى خبراء أن لبنان لا يزال بعيدا عن استخراج الموارد، وقد يحتاج الأمر إلى ست سنوات.
وتعول السلطات اللبنانية على وجود ثروات طبيعية من شأنها أن تساعد على تخطي التداعيات الكارثية للانهيار الاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات، وصنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم، منذ العام 1850.