المغرب يتصدر قائمة مستوردي الغاز الإسباني متجاوزا فرنسا والبرتغال

بشرى الردادي

كشفت بيانات مؤسسة الاحتياطيات الاستراتيجية للبترول في إسبانيا (Cores)، يوم أمس الثلاثاء، أن المغرب تصدّر قائمة الدول المستوردة للغاز الطبيعي من إسبانيا، خلال عام 2024، متجاوزا كلا من فرنسا والبرتغال، في تحول بارز يعكس التغيرات المتسارعة في مشهد الطاقة بالمنطقة.

ويعكس تصدّر المملكة لهذه القائمة تحولات جيوسياسية واقتصادية مهمة تُبرز دورها المتنامي كمستهلك رئيسي للغاز في المنطقة.

وبينما يعزز المغرب شراكته مع إسبانيا، تظل تداعيات هذا التحول مفتوحة على سيناريوهات مختلفة، خاصة في ما يتعلق بعلاقته المستقبلية مع الجزائر وإمدادات الطاقة في البحر الأبيض المتوسط.

الصدارة لأول مرة

ووفقا للأرقام الرسمية، استورد المغرب 9,703 جيجاوات/ساعة من الغاز الطبيعي من إسبانيا، خلال عام 2024؛ ما يمثل 26.8 في المائة من إجمالي صادرات الغاز الإسبانية، وهي نسبة قياسية تعكس الاعتماد المتزايد للمملكة على الغاز الإسباني كأحد المصادر الرئيسية لتأمين احتياجاتها الطاقية.

وفي مقارنة بين الدول المستوردة، جاءت فرنسا في المرتبة الثانية بواردات بلغت 9,362 جيجاوات/ساعة، فيما استوردت البرتغال 4,056 جيجاوات/ساعة، متراجعة بذلك إلى المرتبة الثالثة.

كما شملت قائمة أبرز المستوردين إيطاليا (1,831 جيجاوات/ساعة)، وتركيا (1,055 جيجاوات/ساعة)، والصين (902 جيجاوات/ساعة)، وبورتوريكو (883 جيجاوات/ساعة).

من الأزمة إلى التحالف

ويأتي هذا التحول بعد أزمة الغاز التي نشأت بين المغرب والجزائر، حين قررت الأخيرة وقف إمدادات الغاز إلى المملكة عبر خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي، في أكتوبر 2021، إثر توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إلا أن المغرب تمكن من إيجاد بدائل استراتيجية عبر اتفاقية مع إسبانيا تتيح له استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر الموانئ الإسبانية، ثم إعادة تحويله إلى غاز وضخه عبر أنبوب "GME" في الاتجاه العكسي، ليصل إلى الشبكة المغربية.

وتفاقمت الأزمة الطاقية في المنطقة بعد اعتراف إسبانيا بمبادرة الحكم الذاتي المغربية للصحراء، في مارس 2022؛ ما أدى إلى تصعيد دبلوماسي بين مدريد والجزائر؛ حيث هددت الجزائر بقطع إمدادات الغاز عن إسبانيا، إذا قامت بإعادة تصدير أي جزء منه إلى المغرب.

مركز رئيسي للتوزيع

وبفضل بنيتها التحتية القوية، التي تضم ست محطات لإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز، إضافة إلى أنبوبين رئيسيين لنقل الغاز، أصبحت إسبانيا مركزا محوريا لإعادة تصدير الغاز الطبيعي، مستفيدة من ارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي هذا السياق، بلغت إجمالي صادرات الغاز الإسباني 36,084 جيجاوات/ساعة، خلال عام 2024، استحوذ المغرب على أكثر من ربعها، في خطوة تعكس تحولا كبيرا في توجهات السوق الطاقية في المنطقة.

بين الاستيراد وإعادة التصدير

ورغم كونها مركزا رئيسيا لإعادة تصدير الغاز، لا تزال إسبانيا تعتمد على استيراد الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها الداخلية.

ووفقا لبيانات "Cores"، تصدرت الجزائر قائمة مزودي إسبانيا بالغاز بكمية بلغت 131,202 جيجاوات/ساعة، تلتها روسيا (72,360 جيجاوات/ساعة)، ثم الولايات المتحدة (57,354 جيجاوات/ساعة).

انعكاسات استراتيجية

ويمثل تصدّر المغرب لقائمة مستوردي الغاز الإسباني تحولا مهما في العلاقات الطاقية بين الرباط ومدريد؛ حيث يعكس تنويع المغرب لمصادره الطاقية واستفادته من موقعه الجغرافي واتفاقياته الإستراتيجية مع إسبانيا لضمان أمنه الطاقي، بعيدا عن الاعتماد الكلي على الجزائر.

ومن المرجح أن تستمر هذه الديناميكية الجديدة في السنوات المقبلة، خاصة في ظل التقارب الاقتصادي والطاقي بين المغرب وإسبانيا، مقابل استمرار التوترات بين مدريد والجزائر، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات أوسع في معادلة الطاقة الإقليمية مستقبلا.