آسفي.. قصة انفجار كورونا في "فابريكات" السردين

عبد الرحيم سموكني

لم يتوقع أكثر المتشائمين أن ينقلب وضع مدينة آسفي من قلعة منيعة ضد الفيروس في عز انتشار الوباء إلى مدينة مغلقة على سكانها, بعد أن انفجرت بؤرة صناعية في وجه الجميع, لترسم معالم قصة حزينة, بدأت بالتفرد بالخلو من الفيروس لتتحول إلى نقطة سوداء, ضرب فيها "كورونا المستجد" مستشفى المدينة ثم انتقل إلى معامل تصبير الأسماك, أحد الأنشطة الرئيسية الأكثر تشغيلا للنساء في المدينة الساحلية, فما الذي جرى حتى عاشت آسفي تراجيديا صحية بكل المقاييس? ومن المسؤول عن هذا الوضع؟

أول بؤرة في مستشفى

طوال الثلاثة أشهر التي دخل فيها المغرب حالة الحجر الصحي, شكلت مدينة آسفي استثناء مغربيا محضا, عندما بقيت عصية على الفيروس العنيد, وشكلت نموذجا يحتذى به لباقي المدن التي كانت تحصي كل يوم أعداد المصابين الجدد بكورونا, بينما كانت المدينة المطلة على المحيط الأطلسي تتفاخر بتدابير الاحتراز والوقاية ، مما جعلها منطقة آمنة ضد الوباء. وفي الوقت الذي بدأ المغاربة يتطلعون إلى رفع الحجر الصحي وتخفيف القيود ، وجد سكان آسفي أنفسهم محجورين بين عشيها.

يقول مصدر طبي بمستشفى محمد الخامس بالمدينة, رفض الكشف عن هويته, إن سوء حظ المدينة تجسد بالدرجة الأولى في تسجيل أول بؤرة للمرض داخل مستشفى المدينة, وتحديدا في قسم تصفية الكلى, ما أدى إلى إصابة مرضى وممرضين, وهو ما كان ناقوس إنذار بأن الوضع قد يخرج عن السيطرة.

يوضح هذا الطبيب ل "تيلكيل عربي" بأن مرافقة لإحدى المريضات بالفشل الكلوي كانت تتنقل بكل حرية بين أقسام المستشفى, ولم يكن يعلم أحد بإصابتها بالفيروس مما أدى إلى انتشار العدوى بين صفوف بعض الممرضين, يقول « لقد شكل ظهور بؤرة للفيروس في مستشفى إقليمي صدمة للسكان , فمن الناحية الاعتبارية, كان من الصعب تصور أن يصاب الجسم الطبي للمدينة في قلب قلعته الصحية, فالمفروض في المستشفى أن يكون المكان الأكثر مناعة, والأكثر حرصا من تفشي الوباء, لكن في أسفي كان العكس, وانتشر الفيروس في صفوف أصحاب البذل البيضاء ».

يرفضهذا الطبيب تحميل أي طرف مسؤولية تجوال مرافقة, لم تكن حتى مريضة, في أروقة المستشفى, ولكنه يعترف في الوقت ذاته بوجود تقصير نجم عنه انتشار الفيروس في صفوف الممرضين .
كانت المصابة مرافقة لسيدة مسنة تعاني من القصور الكلوي ، وكان عليها التنقل من منطقة ثلاثاء بوكدرة إلى أسفي مصجر ففي منتصف شهر يونيو ، لم يكن عدد المصابين في المدينة يتعدى 6 أشخاص ، فما الذي أددى إلى انفجار الوضع ، لينتالا

الفابريكات ظلم الزمن والفيروس

الإهمال أو التراخي الذي أدى إلى إصابة أطقم طبية في المدينة, سيؤدي إلى انفجار بؤرة في "الفابريكات" وهو المصطلح الذي يطلقه أبناء المدينة على مصانع تصبير السردين والأسقمري, التي تشغل آلاف النساء.

يوضح عبد الجليل زرياض عضو الاتحاد المحلي للنقابات بآسفي ورئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان, أن المسؤول الحقيقي على تفجر بؤرة كورونا في صفوف عاملات تصبير السمك في المدينة, يتحملها طرفان, المصالح الصحية, التي سمحت لسيدة مشتبه في إصابتها بالفيروس بالعودة إلى العمل دون الحجر عليها أو عزلها ، ثم مسؤولية وزارة التشغيل ووزارة الفلاحة والصيد البحري ، التي رفضت أن تغلق مصانع التصبير خلال فترة الحجر.

ويوضح المسؤول النقابي "من الصعب جدا الاعتماد على قياس درجة الحرارة لمعرفة المصابين, فأغلب الحالات في المغرب لا تظهر عليها أعراض, وبالتالي فإن عمليات المراقبة التي كانت تجرى بشكل يومي داخل المصانع لم تكن كفيلة بالكشف المبكر عن الحالات, ويضيف" لقد ساهمت زيارة مجموعة من العاملات إلى عزاء في تفشي الوضع ".

يقر المسؤول النقابي بأن عمليات الكشف عن الفيروس التي أطلقتها سلطات المدينة في بداية شهر ماي, لم تشمل العاملات, واقتصرت على سائقي سيارات الأجرة وبعض القطاعات الأخرى, إذ دفع احتجاجهن في نهاية يونيو للمطالبة بإجراء تحاليل مخبرية عليهن, إلى اكتشاف مئات المصابات, وهو ما أدى 350لى وضع المدينة تحت الحجر الصحي ، وإغلاق 18 مصنعا لتصبير السمك ، يشغل كل واحد منها على الأقل 350 سيدة.

تنتمي أغلب العاملات في مصانع التصبير إلى المنطقة الجنوبية في آسفي, وتعاني أغلبهن من الهشاشة الاجتماعية, إذ لا يتعدى أجرهن في أحسن الأحوال 3 آلاف درهم في الشهر, فنظام عملهن المبني على ما تجنيه شباك صيد البواخر وما يطرحه ميناء المدينة, يجعلهن عاملات موسميات بامتياز, كما أن نظام الأداء رهين بما ينتجنه يوميا وهو ما يسمى "البراكة".

تقول زهيرة وهي من مواليد 1980, التي اتصل بها "تيلكيل عربي" عبر الهاتف, والراقدة في مستشفى محمد الخامس بآسفي, بعد أن اكتشفت إصابتها بالفيروس, إنه بغض النظر عن ظروف عملهن, التي لم تكن أبدا تراعي التباعد البدني, كما لم يكن موفرا لهن وسائل التعقيم والكمامات في المصنع, فإن هاجسهن اليوم هو الوضع المزري لأطفالهن, الذين يقبعون تحت الحجر, دون أن يعتني بهم أحد, وتقول « لا تفزعني كورونا, بقدر ما يزعجني وضع أولادي, فزوجي مقعد ولا يستطيع العمل, وأنا أجد نفسي محتجزة في المستشفى دون عمل ، وأتألم كثيرا عندما أسمع شكوى الأبناء ".

تحمل زهيرة مسؤولية إصابة المئات من العاملات إلى الإهمال الذي لاقينه في المعامل منذ اندلاع أزمة كورونا في المغرب , وتقول « لقد كنا نطالب يوميا بتوفير وسائل التعقيم والكمامات, خاصة وأن الطلب على علب السردين كان كبيرا خلال هذه الفترة , وهو ما لم يسمح بإجراء تباعد بدني بين العاملات ".
أما نادية وهي من مواليد 1961, فتقول إن لديها تجربة عمل لأكثر من 26 عاما في "فاكتورات السردين", وتطالب بضرورة تعويضهن عن الضرر الذي لحق بهن, وتقول « بما أننا نتوفر على انخراط في صندوق الضمان الاجتماعي , فإنه من الأجدر اعتبار إصابتهم بكورونا كحادث شغل ، وبالتالي فعلى المشغل أن يعوضنا ".
وتضيف « لقد كانوا يخبؤون نصف العاملات في القبو, إن علموا بقدوم لجنة تفتيش, وما أن تمر اللجنة حتى نعود للعمل, لقد كانوا يهددوننا بالطرد إن قمنا بالاحتجاج, اليوم لقد رمونا في المستشفى, ولم يسأل عنا أحد, ولا نعرف أي مصير ينتظرنا, كان علينا أن نتوقف عن العمل منذ بداية الوباء ، وهو الأمر الذي لم يتحقق ، لقد فضلوا الربح المادي على صحتنا ،اراما لا
لم تكن اتهامات نادية الوحيدة, التي أصرت أن تمدنا بأرقام زميلات لها في المهنة , أصبن بدورهن بالفيروس من خلال عملهن في مصانع التصبير , الوحيدة التي تكيل اتهامات بالإهمال لأصحاب المصانع, غير أن جمعية تصبير السمك بآسفي لها رأي آخر .
إذ أكدت يوم أمس في أول بلاغ لها ، بعد أن تناسلت الاتهامات لأرباب المصانع بأن صناعة تعليب السمك تعد أحات

وذكر بلاغ للجمعية, أنه « خلال فترة الجائحة, طبقت وحدات تعليب السمك بشكل صارم, القواعد الوقائية (التحسيس, قياس درجة الحرارة, والتباعد الجسدي, ارتداء الكمامات وأقنعة الوجوه, تعقيم اليدين, تعقيم وسائل النقل والتباعد داخل وسائل النقل ...).

وأضافت أنه تمت زيارة جميع وحدات الإنتاج غير ما مرة ، منذ بدء سريان حالة الطوارئ الصحية ، وذلك من طرف لجنة ما

وأكدت الجمعية أن هذه الصناعة "تتعامل بشكل أساس مع أسماك طرية يجب تعليبها في الحيز الزمني المخصصص وفي بيئة قميي." وأن المستخدمين داخل هذه الوحدات يحظون بعناية خاصة على مستوى الصحة وشروط العمل ، موضحا أن هذه الوحدات يتم افتاا

وعبر أرباب مصانع التصبير عن تضامنهم مع مجموع المستخدمين المتضررين جراء جائحة (كوفيد -19) وكذا أسرهم, مشيرا إلى أن "أرباب مقاولات قطاع تعليب السمك بآسفي يؤكدون أن هذه الجائحة العالمية خلفت خسائر حول العالم وآسفي لا تخرج عن هذا الإطار". وذكروا بأن مدينة آسفي كانت نموذجا في مجال التحكم في فيروس كورونا المستجد طيلة فترة الحجر الصحي.