أزمة طلبة الطب.. يوميات الوصول إلى الباب المسدود

تيل كيل

تعيش كليات الطب بالمغرب منذ أسابيع طويلة على إيقاع إضراب وصل إلى حد مقاطعة الامتحانات، بل إن الأمر تطور وأخذ أبعادا سياسية بعد أن اتهمت الحكومة العدل والإحسان بالوقوف وراء تحرك طلبة الطب في الكليات العمومية الذين يرفضون أن يزاحمهم الطلبة الخواص في مناصب الإقامة بالمراكز الاستشفائية الجامعية.

منذ 10 يونيو الجاري، تصفر ريح صحراوية جافة في قاعات الامتحانات في كليات الطب بالمغرب. فحسب التنسيقية الوطنية لطلبة الطب نجحت مقاطعة الامتحانات التي انطلقت منذ أسابيع بنسبة 100%، بينما تحدث وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي عن كون نسبة حضور الطلبة لاجتياز هذه الامتحانات تراوحت على الصعيد الوطني "بين 17 و33%"، وشملت هذه النسبة الطلبة الأجانب والأطباء العسكريين. وأكد أنه " يوما بعد يوم، هناك مزيدا من الطلبة المهددين بالطرد (بسبب كثرة التكرار) يلتحقون بقاعات الامتحانات"(...).

وأمام تصلب الحكومة، رفض الطلبة التراجع ولا يترددون في وضع مستقبلهم برمته في الميزان. "بالنسبة إليهم الطريقة الوحيدة للتأكيد على جدية مشروعهم هي التوقف عن متابعة الدراسة" يقول السوسيولوجي أحمد المستقيم(...)

الأعراض الأولى للمرض

أخذت أعراض التوتر بين طلبة كليات الطبة العمومية والسلطات تظهر منذ بداية هذه السنة بعد أن وصل الفوج الأول من طلبة الجامعتين الطبيتين الخاصتين (جامعة محد السادس بالدار البيضاء والجامعة الدولية الزهراوي بالرباط، اللتان رأتا النور في 2014) إلى مرحلة اجتياز "مباراة الداخلية" (التدريب المستشفيات الجامعية) عقب خمس سنوات من الدارسة. إذ أدت هذه المنافسة المنتظرة من طرف طلبة الكيلتين الخاصتين إلى اندلاع عدة مظاهرات متفرقة منذ بداية السنة من طرف طلبة كليات الطب العمومية.

واعتبر هؤلاء أنهم سيتعرضون لمنافسة غير شريفة من طرف زملائهم المستعدين أكثر لمباراة الداخلية بفضل تكوين تلقوه في مؤسسات خاصة تتوفر على إمكانات أفضل بكثير.

من جهتهم، يخشى طلبة الكليات الخاصة أن يتم اختزال الـ65 مليون سنتيم التي صرفوا في على سنوات الدراسة الخمس في مباراة موازية للمباراة الوطنية، ستحرمهم من بعض التخصصات.

قد اضطر كل من وزير التربية الوطنية ونظيره المكلف بحقيبة الصحة منذ 15 مارس الماضي للتدخل في هذه النقاش الساخن حول أحقية طلبة كليات الطب العمومية ونظرائهم في الكليات الخاصة "لتبديد أي التباس أو غموض بالنسبة للطلبة".

وأكدا في بلاغ أن النظام الأساسي الحالي "لا يسمح للطلبة المسجلين في كليات الطب الخاصة باجتياز مباريات الداخلية المنظمة من طرف كليات الطب والصيدلة العمومية"،  ولكن طلبة القطب العمومي رفضوا كذلك التراجع فيما يخص المباراة الأخرى.. مباراة الإقامة التي تجري في السنة الثامنة وتحدد تخصص أطباء المستقبل(...).

وفي 15 ماي الماضي، وبينما كان الطلبة يواصلون مقاطعة الدروس، اجتمع وزيرا التربية الوطنية والصحة بممثلين عن "التنسيقية الوطنية لطلبة الطب" للتفاوض حول مشروع اتفاق، يتضمن العديد من النقط الواردة في الملف المطلبي للطلبة، ومنها أن طلبة كليات الطب الخاصة لا يسمح لهم بالمشاركة في مباراة الداخلية المنظمة من طرف الكليات العمومية، وبالتالي ستضطر الكليات الخاصة إلى خلق الفضاءات الخاصة بها لتكوين طلبتها، بعيدا عن المراكز الاستشفائية. كما التزم الوزيران بمراجعة المرسوم الخاص بتنظيم مباراة الإقامة، ومواصلة الرفع من المقاعد المخصصة لها.

التوتر يشتد

ولكن بعد ثلاثة أيام، أي في 18 ماي، تم رفض هذا المشروع من طرف طلبة كليات الطب الـ11 بالمملكة خلال تصويت نظم بكل هذه المؤسسات في نفس الوقت. "التصويت على الصعيد الوطني رفض مشروع الاتفاق بنسبة 91% لأنه لا يستجيب لانتظارات الطلبة العادلة والمشروعة، ولا يأخذ بعين الاعتبار مقترحات التنسيقية بخصوص مجمل النقاط المتضمنة في الاتفاق"، يقول بلاغ لهذه التنسيقية في اليوم الموالي. ويقولون إن مطالبهم تتمحور حول ثلاث نقاط: مكافحة خوصصة التعليم العمومي، تحسين شروط التداريب، ومنع طلبة الكليات الخاصة من المشاركة في مباريات الداخلية والإقامة.

ويرى الطلبة أن وزارتي التربية الوطنية والصحة عمدتا إلى إغراق هذه النقط الثلاثة في قائمة من 16 نقطة تتضمن قضايا تمت مناقشتها في 2015 ولم يجر تنفيذها.

وبينما تواصلت عملية شد الحبل بين الطرفين حل موعد الامتحانات، ونفذ الطلبة تهديدهم وقاطعوها بكثافة انطلاقا من 10 يونيو.

في البداية كان وزير التربية الوطنية يعتزم "مواصلة إجراء الامتحانات في التواريخ المحددة" (ما بين 10 و25 يونيو) ثم الإعلان بعد ذلك عن امتحانات استدراكية، وتطبيق القانون الخاص بالتكرار. ولكن في 11 يونيو أوقفت الوزارة ثلاثة أساتذة بكل من جامعة القاضي عياض بمراكش، وابن زهر بأكادير، والحسن الثاني بالدار البيضاء، وكلهم أعضاء في النقابة الوطنية لأساتذة التعليم العالي وجماعة العدل والإحسان. فكان التصعيد، وقرر أساتذة كلية الطب بمراكش التضامن مع زميلهم والامتناع عن أي نشاط، وعدم المشاركة في الامتحانات، وتبعهم أساتذة كلية الدار البيضاء.

الداخلية تدخل على الخط

بالموازاة مع هذه التطورات لوحت السلطات بسلاح آخر للردع. إذ توصلت "تيل كيل" بشهادات لطلبة في الطب يؤكدون فيها أن المقدمين زاروا آباءهم، بل إن بعضهم تم استدعاؤهم من طرف القياد وحتى والوالي.

وحسب هذه الشهادات، فقد تم استجواب هؤلاء الآباء حول مشاركة أبنائهم في المقاطعة، وطلب منهم إقناعهم بالعودة إلى قاعات الامتحانات. ويقول طالب طب من الرباط "طرق أحدهم الباب بعد زوال أحد الأيام، فتحت الوالدة لتجد أمامها المقدم، الذي أخذ يطرح عليها أسئلة عني.. هل أنا مسيس؟.. هل أنتمي إلى جمعية ما؟. خافت بزاف.. وشجعها على الحديث معي، وحاول أن يقنعها بأن مطالبنا غير مشروعة".

وهذه الشهادة شبيهة بأخرى لأب في فاس: "اتصلنا بنا المقدم الذي سألنا عن وضعنا الاجتماعي، عن مناصبنا، عن مداخلنا. رفضنا الإجابة، فقام القائد باستدعائنا إلى الولاية. التقى بنا الوالي الذي حاول تهدئة الأمور، وقال لنا فكروا في أولادكم.. فكروا في البلاد. أبناؤنا راشدون، ويدركون جيدا ما يفعلون". بعد الاتصال به، أكد والي جهة فاس- مكناس، سعيد زنيبر، استقباله لعدد من أباء طلبة لطب.
وتناسلت الشهادات على الشبكات الاجتماعية. فهذا أيوب أبو بيجي، ممثل التنسيقية الوطنية لطلبة الطب يؤكد أنه بمراكش كذلك "زارت السلطات العديد من الآباء لتسألهم إن كان أبناؤهم يقاطعون الامتحانات، وتحثهم على إقناعهم بالتراجع عن قرارهم".

الحكومة تتهم العدل والإحسان

في خضم هذا التوتر، لم تتردد الحكومة في اتهام جماعة العدل والإحسان بالوقوف وراء احتجاجات طلبة الطب. فما هي الأدلة التي اعتمدت عليها للوصول إلى هذه الخلاصة؟

يقول سعيد أمزازي "الجميع يعلم أن الأساتذة المعنيين بالتوقيف ينتمون إلى هذه الجماعة. فالأستاذ الذي يشتغل بالدار البيضاء، وهو الكاتب العام المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي، نظم الثلاثاء جمعا عاما ليطلب من الأساتذة مقاطعة الامتحانات(...) ولما تقرأ كل التعاليق لأستاذ أكادير على الفيسبوك، تستبد بك رغبة في الانتحار. إنه تشويه غير معقول. إنه يرسم صورة سوداء عن المنظومة برمتها".

ويضيف بخصوص الصلة بتنسيقية الطلبة " إن المنهجية المعتمدة من طرف تنسيقية الطلبة، ليست بالمرة منهجية طلابية، أنا آسف.. كنت طالبا وأعرف الطلبة. ويمكن أن أؤكد لك أن ما يجري لا علاقة له بتصرفات الطلبة. إنها منهجية شديدة التنظيم، ومتقنة التطبيق، وجيدة التوظيف، وهائلة التنسيق تطبيقا وتحريرا.. وكل شيء. إن هذا كله لا يمكن أن يكون إلا نابع عن منظمة شديدة التنظيم. وسريعا ما يمكن الربط بالجماعة، لما ندرك أن الأساتذة أعضاء في العدل والإحسان". ثم تابع "إن الطلبة وجدوا أنفسهم تحت سيطرة جماعة تهددهم... ونرى أن ما يجري الآن ليس له علاقة بما هو بيداغوجي بل بما هو سياسي".
لم يتأخر رد تنسيقية الطلبة على هذه الاتهامات. فقد عقدت ندوة صحافية في 17 يونيو ونددوا بتسييس الملف من طرف الحكومة. وإذا كان أحد أساتذة كلية الطب بالدار البيضاء يعتبر أن العدل والإحسان لم يعد لها حضور قوي بهذه المؤسسة ولا بالمركز الاستشفائي بالعاصمة الاقتصادية، فإن محمد ضريف، المتخصص في الحركات الإسلامية، له رأي آخر. فهو يرى أن "الجماعة مازالت نشيطة جدا في كليات الطب، خصوصا بالدار البيضاء، إذ في هذه الكلية عرفت الجماعة قوتها في التسعينيات" ولكنه يستدرك بالقول "لا يمكن أن نحمل مسؤولية كل شيء لهذه الجماعة.. فتيارات أخرى غير العدل والإحسان، من اليسار واليمين، تعارض مسار خوصصة المدرسة والجامعة العمومية، ولها مصلحة في دعم الطلبة".

هل من مخرج للأزمة؟

في الوقت الذي يتشبث كل طرف بمواقفه، أخذ خطر السنة الجامعية البيضاء يقترب أكثر فأكثر. وماذا عن المئات من الطلبة في القطاع الخاص الذين أصبح مستقبلهم في كف عفريت كذلك؟

يقول أستاذ في المركز الاستشفائي البيضاوي "إن وصول أطباء مقيمين من القطاع الخاص لن يكون مشكلا ما دام عدد المناصب المقترح من طرف وزارة الصحة لا يكون على حساب أطباء القطاع العام. إن طلبة القطاع العمومي يخشون أن يظل عدد المناصب جامدا وبالتالي يأخذ زملاؤهم في القطاع الخاص أماكنهم.. وهذه مخاوف مشروعة. إن المغرب في حاجة ماسة إلى المزيد من الأطباء المتخصصين، لذا يجب الاحتفاظ بالمناصب الأصلية المخصصة للمقيمين من طلبة الكليات العمومية، وإضافة مناصب خاصة بالمقيمين القادمين من القطاع الخاص".

عن "تيل كيل" بتصرف