بالفيديو.. "تيل كيل عربي" تحاور زكية داوود حول "لاماليف" وضغوط البصري وسيرة عبدالله إبراهيم

المصطفى أزوكاح

حلت جاكلين دافيد، التي اشتهرب منذ 1963 عندما كانت مراسلة لـ"جون أفريك " بـ"زكية داوود"، بالمغرب في سنة 1958. وعلى مدى ستين عاما، لم تكف هذه الصحافية والكاتبة عن الاهتمام بالحياة السياسية والتقافية وسبر أغوار جوانب من شخصيات المملكة وتاريخها.

أسست، بمعية زوجها محمد لغلام، بين 1966 و1988 مجلة "لاماليفالتي تناولت بشكل عميق الكثير  من الأحداث الثقافية والسياسية بالمغرب، ودفعت بوجوه جديدة إلى الساحة الثقافية، وحظيت بثقة مثقفين مكرسين... قبل أن تضطر إلى توقيفها. مسار المجلة تناولته في كتاب، أعادت عبره فتح صفحات 200 عدد تمكنت من إصداره، رغم المضايقات والمنغصات. لم تتوقف عن الكتابة بعد ذلك، فقد أصدرت العديد من الكتب منفردة أو بتعاون مع آخرين.

ويدين لها القارىء بسير محمد بن عبد الكريم الخطابي والمهدي بنبركة وفرحات حشاد وعبد الله إبراهيم، الذي تناولت جوانب من شخصيته وتجربته السياسية والحكومية في كتابها الأخير.. "تيل كيل عربي" التقت زكية داوود، فكان هذا الحوار...

أخبرنا ناشرك كتابك "Abdallah IBRAHIM- L’Histoire des rendez-vous manqués"، بأن طبعة ثانية ستصدر في أبريل المقبل، بعد الأولى التي ظهرت قبل حوالي شهرين. ما هو في تقديرك سر هذا الاهتمام بكتاب حول شخصية سياسية مغربية، غابت منذ عقود عن الأضواء؟

لا أعرف سر هذا الإقبال على الكتاب. أنا أول شخص سعيد بذلك وأول شخص يفاجأ بذلك. أنا لم أكتب حول عبد الله إبراهيم، بهدف الوصول إلى هذه النتيجة. أنا فرحة بما يحصل ومندهشة. لم أكن أعلم أنه يتمتع بهذه الشعبية.

لا أعرف سر هذا الإقبال على الكتاب. أنا أول شخص سعيد بذلك وأول شخص يفاجأ بذلك

هل يمكن تفسير ذلك بكون الناس لا يتوفرون على نماذج مماثلة ضمن النخبة الحالية؟

لدي هذا الانطباع. الظاهر أن الأمر هو كذلك.

لاحظنا أن الكثير من الشباب في لقائك الذي نظم بمقر جمعية "جذور" بالدار البيضاء، اكتشفوا الرجل، وأضحوا يتساءلون حول هذه الشخصية الفريدة في التاريخ المعاصر للمغرب؟

بشكل عام، لا يطرح الشباب، تساؤلات فقط حول شخصية عبد الله إبراهيم، بل حول الفترة التي كان فيها فاعلا في الحياة السياسية، كرئيس حكومة. الظاهر أنهم لا يعرفون عنه الكثير. ولديهم فضول حول تلك الفترة، ويظهر لي أن هذا الكتاب يملأ الفراغ.

كيف تبلورت لديكم فكرة الكتاب عن عبد الله إبراهيم؟

تعرفت عليه، وترددت عليه كثيرا، لم أكن دائما متفقة معه، وكنت أعلم أن أغلب كتاباته بالعربية، لكنني التقيت بنجله طارق، وتحدثنا، وأوحى لي ذلك بفكرة الكتاب، وبعد ذلك التقيت بأحد طلبته القدامى، الذي ساعدني في ترجمة بعض كتبه، ما أعطاني الإحساس بالقدرة على إنجاز ذلك العمل.

كما يتجلى من الكتاب، كان عبد الله إبراهيم  يفكر في المدى البعيد في تعاطيه مع الشأن العام، لم يكن منشغلا بالتكتيك، كما يفترض في أي سياسي أن يكون. هل هذا البعد في شخصه، هو الذي أفضى إلى إبعاد حكومته وابتعاده؟

الأمر يعود للفترة التي عاش فيها. بالنسبة له، لعل أهم لحظة في حياته، كانت عندما تولى رئاسة الحكومة، حيث حاول تحقيق الأمور التي كان يريد إنجازها لفائدة المغرب. وبعد ذلك، ظل منتظرا الفرصة من أجل إنجاز نفس الشيء، غير أن تلك الفرصة لم تسنح له. هذا ما جعله يبقى متواريا.

عبد الله إبراهيم حاول تحقيق الأمور التي كان يريد إنجازها لفائدة المغرب. وبعد ذلك، ظل منتظرا الفرصة من أجل إنجاز نفس الشيء

هل يمكن أن نزعم أن الناس يشدهم الحنين إلى البرنامج الاقتصادي الذي جسدته حكومة عبد الله إبراهيم في ثمانية عشرة شهرا؟

بشكل عام، لا يمكنني أن أقول هذا. فهم لايعرفون، وعندما نشرح لهم، يندهشون. يقولون إن ذلك لا يصدق، والحقيقة أنه لا يصدق أن تطلق حكومة في ظرف عام ونصف كل تلك المشاريع.

كتبتكم عن عبد الكريم الخطابي، المهدي بنبركة، عبد الله إبراهيم، و"زينت ملكة مراكش".. لماذا هذا الاهتمام بشخصيات تاريخية بالمغرب؟

أنا أوجد بالمغرب منذ ستين عاما، وأنا صحفية اهتممت بالشأن المغربي. واهتمامي بالمغرب منطقي. وأنا عنيت بالتاريخ. لذلك فكتابة سير شخصيات، أمر يروق لي كثيرا.

كتبت حول سنوات "لاماليف"، المجلة التي قمت بإصدارها بين 1966 و1988، وكان ذلك نوعا من السيرة الذاتية، لماذا الكتابة عن تلك التجربة؟

من أجل إقفال الصفحة.

عندما شرعت في الكتابة حول "لاماليف"، كان لديك الانطباع بأنك تنكئين جرحا،  وبعد ذلك اكشتفت بأن تلك المرحلة غنية وبأنك كنت سعيدة؟

لم أقل أنني كنت سعيدة، قلت إنها كانت مرحلة خصبة، ومثيرة، لكنني لم أقل إنني كنت سعيدة، لأن العمل كان مضنيا.

لكن هذا لا يمنع الإحساس بنوع من الرضا..

عندما أنظر إلى الأعداد التي قمنا بإصدارها وكم القضايا التي أثرناها. أشعر بالرضا على ما قمنا به.

هل ما زلت تشعرين بتلك المرارة التي انتابتك على مدى سنوات بعد توقف إصدار "لاماليف"؟ هل يمكن أن تحدثينا حول الظروف التي توقفت فيها "لاماليف"؟

استدعاني وزير الداخلية والإعلام، إدريس البصري، وضغطوا علي، وهددوني أنا وأطفالي. لا يمكن ألا أشعر بالمرارة. إنها مسخرة.

استدعاني وزير الداخلية والإعلام، إدريس البصري، وضغطوا علي، وهددوني أنا وأطفالي

وبعد ذلك سرقت مذكراتك الشخصية Journal intime عندما كنت تغادرين مطار الدار البيضاء..

كان ذلك مصدر صدمة لي..

ومع ذلك ظللت بالمغرب..

غادرت المغرب بعد ما حدث، لكني زوجي مرض وتوفيت زوجة ابني، الذي كان لديه طفل صغير. ورأيت أنه من واجبي العودة، فبدأت أسافر بين المغرب وفرنسا. وهذا ما أفعله إلى غاية اليوم.

وقبل ذلك كانوا يطلبون منك إثبات مغربيتك..

لقد كانوا دائما يسعون إلى سؤالي حولي ظروف حصولي على الجنسية المغربية. وهذا فيه ظلم وهو أمر غير معقول.

كانوا دائما يسعون إلى سؤالي حولي ظروف حصولي على الجنسية المغربية

حصلت على الجنسية دون أن تسعي إليها، وأنت تتحدثين عن استدعائك بعد صدور العدد الأول من "لاماليف"، كي يقولوا لك "أثبتي أنك مغاربية"، ملوحين بمصادرة العدد الأول من المجلة..

والد زوجي كان جزائريا ووالدته مغربية. تزوجنا بفرنسا وعندما حللنا بالمغرب في 1958، برفقة ابننا، كنا نحمل ثلاثتنا الجنسية الفرنسية. لم تكن هناك مدونة الجنسية المغربية، وهي المدونة التي صدرت لأول مرة في عهد حكومة عبد الله إبراهيم. وعندما قرأناها اكتشفنا أن زوجي وابني، أضحيا، بشكل أتوماتيكي مغربيين. فزوجي ولد بالدار البيضاء، وحصوله على الجنسية، كانت مسآلة إجراء بسيط، بينما تنص المدونة على أنه يتوجب علي أنا انتظار عامين من أجل طلب الحصول على الجنسية، غير أنه عندما تلقى زوجي وابني الجواب، اكتشفت أنني حصلت على الجنسية معهما. القرار كان يصدره وزير العدل وليس الوزير الأول. وبعد ذلك، عندما أرادوا خلق مشاكل مع صدور "لاماليف"، زعموا أن الجنسية لم تكن صحيحة، لأنها صادرة عن وزارة العدل.

هل شعرت بأنهم كانوا منزعجين من الخط التحريري ل"لاماليف"؟

لم يسبق لي أن أخفيت أفكاري. وعندما كان وزير الداخلية والإعلام يضغط علي، كنت أشاهد صحافيين أجانب، يغادرون مقر الوزارة  متأبطين صحيفة "لاماليف". ما يعني أن وجودها كان يوظف، من أجل التأكيد على وجود حرية الصحافة بالمغرب. لا أعتقد أن خطنا التحريري، كان يزعجهم، لأننا كنا حذرين. أتصور أنهم كانوا يريدون وضع اليد على الصحيفة.

لا أعتقد أن خطنا التحريري، كان يزعجهم، لأننا كنا حذرين

عندما بدأت العمل في الصحافة في المغرب في الستينيات من القرن الماضي، كنت رائدة في إنجاز روبورتاجات حول وضعية المرأة في المملكة. بعد هذه السنوات، هل يبدو لك أن وضع المرأة تطور؟

هناك الكثير من الأشياء التي تغيرت. والمغرب يوجد في العالم ويعاني من نفس المشاكل التي تواجهها بقية بلدان العالم.

ماهو كتابك المقبل؟

طلب مني ناشر كتابي "هنبعل" و"جوبا الثاني"، إنجاز كتاب حول البعد الثقافي في مجلة "لاماليف".

تصوير: فهد مرون