بونعيلات: أطلقنا المقاومة بمسدس واحد وبكثير من الايمان

تيل كيل عربي

أجرى الحوار: عزيز الساطوري

 قبل أن ننتقل إلى بداية عمليات المقاومة، أريد أن أعود بك إلى الوراء، أي منذ أن فاتحك عبد السلام بناني، أنت ومحمد منصور في شأن الالتحاق بالمقاومة المسلحة، لماذا اختاركما أنتما بالضبط، أو بمعنى آخر كيف كانت تتم عملية الاستقطاب دون إثارة الشكوك ؟

 كانت هناك مقاييس محددة ، يجب أن تتوفر في أي مرشح للانضمام إلى خلايا المقاومة · فالأمر هنا كان مختلفا عن طريقة الاستقطاب إلى الحزب، وهي عملية كانت في العموم أكثرسلاسة. بالنسبة للمقاومة المسلحة، كان يجب أن تتوفر في المرشح عدة مقاييس، فمن جهة كان يجب أن يكون متشبعا بروح الحركة الوطنية، ولذلك فأغلب الذين شكلوا خلايا المقاومة كانوا أعضاء في الحزب، كما كان من الأفضل أن يكونوا غير معروفين لدى السلطات الاستعمارية، ولا يحتلون مناصب قيادية داخل الحزب، لأن هؤلاء كانوا ملاحقين بشكل يومي، وبالتالي فالتحاقهم بالمقاومة كان سيشكل خطرا عليها، بالإضافة إلى كل هذا كان عامل الثقة والإخلاص والصداقات المتينة له دور مهم، لذلك عندما اتجه إلينا المرحوم عبد السلام بناني، اتجه إلينا أنا ومحمد منصور، لأننا بالإضافة إلى كل ما ذكرته كنا، ولا نزال ، صديقين حميمين، نتقاسم نفس المبادئ والأفكار، وأي خطوة نقدم عليها تأتي بعد التشاور، ثم نتخذ القرار سوية، بمعنى أننا كنا نضع مصيرنا في كفة واحدة ·

 تحدث عن بعض العمليات العفوية التي قام بها بعض الفدائيين، وكيف قررتم تنظيم خلايا المقاومة بحيث أصبحت محصنة وعصية على الاكتشاف. بعد ذلك بدأتم تنفيذ العمليات ضد المستعمر، كيف انطلقت تلك العمليات، وبأي سلاح وبأية موارد مادية ؟

المقاومة المسلحة انطلقت في البداية من لا شئ. لم تكن لدى خلايا المقاومة موارد مالية بهذا المعنى، أعضاؤها كانوا متطوعين، يقدمون ما لديهم من أموالهم الخاصة، يتنقلون في الغالب عبر دراجاتهم الهوائية أو النارية، ولم تتوفر للمقاومة سيارة إلا بعد مدة، أما عن الأسلحة، فكل ما كان لدينا في البداية، مسدس من نوع طومسون، ذو طلقة واحدة. بعدها تمكن منصور من الحصول على مسدس "رحى" ، وعندما اشتد عود المقاةمة بدأ البحث بحدية عن السلاح ، تم اللجوء إلى جميع الوسائل للحصول على السلاح ، وكان أهم مورد هو السلاح الذي تمكن الإخوان من تهريبه من الشمال، أما عن الأموال اللازمة، فكما قلت كان كل واحد منا يقدم ما استطاع، وعندما تقوت المقاومة، وأعادت ضرباتها المدوية الثقة لدى الشعب، بدأ العديد من الموسرين يقدمون تبرعات حتى نستطيع مواصلة المسير ·

 إذن انطلقتم بمسدس واحد وبدون إمكانيات مادية تقريبا ، كيف استطعتم في ظل هذه الأوضاع أن تبنوا تنظيمات المقاومة وتؤثروا بقوة على الأوضاع العامة بالبلاد ؟

بالفعل هذا السؤال طرح مرارا، خصوصا في الفترة التي أعقبت الحصول على الاستقلال، أي كيف تمكن هؤلاء الشباب من تفجير حركة المقاومة المسلحة من لاشئ، لتصبح حركة الفداء، رقما أساسيا في المعادلة السياسية. الجواب بسيط، كان معنا أهم من السلاح والخبرة والمال ، كان معنا الإيمان. وهذه مسألة أساسية، بل بدونها لم نكن لنتمكن من تحقيق الأهداف التي رسمناها في البداية. الإيمان بأننا ندافع عن قضية عادلة، فبلادنا كانت تحت الإحتلال، والمستعمر وأذنابه وعملاؤه يعيثون في البلاد فسادا ويرهبون المواطنين ، ويستولون على خيرات المغرب ويستغلون كل ما وقعت عليه أياديهم في حين يعاني الشعب من الفقر والقهر ، كنا مؤمنين بأن اللجوء إلى القوة لطرد المستعمر أصبح ضرورة ملحة لأن المستعمر رفض كل الحلول السلمية، وسجن قادة الحركة الوطنية، وفي الأخير ارتكب جريمة شنعاء بالتطاول على السلطة الشرعية في البلاد بنفي محمد الخامس، إزاء كل هذه الجرائم لم يعد لنا خيار آخر، وكما قلت كنا ندافع عن قضية عادلة ·وكنا مؤمنين بذلك، هذا كان هو سلاحنا الأول والأساسي، الذي مكننا من المضي قدما في سبيل الدفاع عن استقلال وكرامة بلادنا ·

 في معرض جوابك تحدث عن الخبرة ، وكنت أنوي أن أسألك عن هذه النقطة ، كيف تمكنتم من استعمال السلاح ؟

 كنا نجري التداريب في مناطق خارج الدار البيضاء، بعيدا عن أعين المستعمر والمتلصصين، من بينها واد النفيفيخ وفضالة· لا تنسى أننا كنا في مقتبل العمر وكان تنظيم رحلات إلى مناطق خارج المدينة أمرا عادىا ، فإذا رآنا أحد أأ علم بذلك ، سيقول بأن هؤلاء شباب ذاهبون للاستجمام واللهو، في حين كنا نستغل هذه الخرجات للإعداد لإطلاق المقاومة المسلحة. بالنسبة للسلاح نسيت أن أضيف أنه بالإضافة إلى المسدسات التي تمكنا في ما بعد من الحصول عليها وكذلك الرصاص، استطعنا بفضل خبرة ومعرفة بعض المقاومين، صنع قنابل محلية، واستطعنا أن نصنع في البداية حوالي 25 قنبلة. وسيكون للقنابل دور هام في تنفيذ أهم العمليات، التي ستهز أركان الاستعمار وستصيبه بالذهول، وعلى الخصوص قنبلة القطار وقنبلة السوق المركزي" المارشي سنطرال" . عموما كان التدريب على السلاح أمرا سهلا واستطعنا في وقت وجيز امتلاك المهارات اللازمة ، كما تدربنا على كيفية تنفيذ العمليات وحفظ الأسرار وعدم إثارة الانتباه . ورغم ذلك عندما بدأنا في العمل واجهتنا عدة صعاب، لأن هناك فرقا بين النظرية والتطبيق، كما أن الرأي العام لم يكن في البداية مستعدا لهذا التحول ·

 ماذا تقصد بذلك ؟

 أقصد أننا في بداية العمليات سنصطدم برأي عام لم يتعود على عمليات مسلحة تنفذ في الشوارع وفي واضحة النهار، وقد شكل ذلك في البداية صدمة للجميع، أي أن هذا التحول من المواجهة السلمية، من إضرابات ومظاهرات مطالبة بالاستقلال، إلى عمليات اغتيال وتفجير كان مفاجئا للجماهير، وبالتالي لم نجد في البداية ذلك السند الكفيل بحماية المقاومة، لكن لن يمر وقت طويل حتى أصبح الشعب هو الدرع الواقي للمقاومين ·