بونعيلات: هكذا فجرنا قطار الدارالبيضاء- الجزائر

المختار عماري

  حاوره: عزيز الساطوري

- أجمعت كل الكتابات المتعاقبة بحركة المقاومة المسلحة والمذكرات التي نشرها مقاومون عايشوا تلك الفترة عن قرب أن عملية تفجير قطار الدار البيضاء -الجزائر، شكلت نقطة تحول في مسار حركة الفداء، نظرا للدقة التي تمت بها، سواء من حيث التخطيط أو اختيار الهدف أو التنفيذ. بصفتك أحد الذين خططوا لهذه العملية ونفذوها، كيف تمكنتم من توجيه هذه الضربة الموجعة إلى الاستعمار؟

- كما سبق وأشرت، فإنه بعد إقدام الاستعمار على تنفيذ الجريمة الشنعاء المتمثلة في نفي محمد الخامس، قررت حركة المقاومة، التصعيد من عملياتها، والبحث عن الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها. العمليات الأولى والتي سبق وأشرت إلى بعضها، كان لها المفعول الذي توخيناه، حيث أنها أثارت انتباه الشعب الذي بدأ يتعاطف مع المقاومة، وأعادت الثقة إلى نفوس الجماهير، بعد نفي الملك الشرعي للبلاد وتنصيب دمية مكانه بتواطؤ مع بعض القياد والإقطاعيين الخونة . بهذا المعنى كان لهذه العمليات تأثير إيجابي، كما أنها أحدثت في أوساط السلطات الاستعمارية وأذنابها والمتعاونين معها. فبعد محاولة تصفية مفتش الشرطة " المسكيني " واغتيال الخائن "بنيس"، أصبح الخونة يعيشون حالة توجس ورعب، وتنفس المقاومون الصعداء إدراكا منهم أن قطار المقاومة قد انطلق، ولن يوقفه شئ سوى تحرير البلاد. لكن، ونحن نناقش ونحلل كل هذه المعطيات، في إطار القيادة المركزية للمنظمة السرية، كما كنا نطلق عليها آنذاك، كنا واعين بأنه من الضروري والمستعجل، التصعيد من وتيرة العمليات الفدائية من جهة، وتنفيذ عمليات نوعية، توجع السلطات الاستعمارية، ونؤكد لها أن الجرائم التي اقترفتها ومازالت تقترفها بحق المغاربة، وأنها ستدفع الثمن غاليا بسبب سياستها. في هذا الإطار قررنا أن نقوم بتفجير قطار الدار البيضاء - الجزائر .

- كيف كانت الترتيبات السابقة على تنفيذ هذه العملية ، من إعداد للقنابل وتخزينها إلى حلول الموعد المحدد، إلى غير ذلك من مراحل الإعداد ؟

- قد يبدو ذلك مفاجئا للجيل الحالي وللقراء، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد ضمن المجموعة التي خططت ونفذت هذه العملية من يعرف تفاصيلها وذلك بسبب الأسلوب التنظيمي الصارم الذي كنا نعتمده لحماية خلايا المقاومة، ومفاده أن كل عضو مهما بلغت درجة مسؤوليته لا يجب أن يعرف إلا ما يدخل في نطاق المهمة التي تم تكليفه بها، فلأسباب أمنية كنا ننأى عن معرفة كيف قام عضو آخر بتنفيذ ما هو مكلف به، وذلك لأن معرفة شخص بكل التفاصيل سيعصف بالتنظيم كله إذا ما جرى اعتقاله. عموما ما أعرفه حول مراحل الإعداد هو أن القنابل صنعت من طرفنا بوسائل محلية، واعتمدنا في ذلك على شراء ماسورات، وقد تم تقطيعها في المدينة القديمة عند "سودور " كان الشهيد الزرقطوني هو الذي اتصل به ، أما إعداد القنابل فقد تم على مراحل وكانت لدى المقاومة آلة خاصة بذلك، لكني لا أستطيع أن أؤكد من تابع العملية بعد ذلك. بعد أن أصبحت القنابل جاهزة ، قمنا في البداية بتخزينها في محل كان في ملك المرحوم عبد الله الصنهاجي، وأذكر أننا بعد ذلك نقلناها إلى " عرصة " في سيدي مسعود ، فقد كنا كلما أحسسنا بحركة غير عادية نعيد نقل المتفجرات وما نتوفر عليه من أسلحة إلى مكان آخر، حتى لا يتم اكتشافها، خصوصا أن ما كنا نتوفر عليه من سلاح كان قليلا جدا، وكان وقوعه في يد السلطات الاستعمارية سيضعنا في مأزق.

- بعد ذلك جاء وقت التنفيذ

- نعم وكان ذلك بقرار من القيادة المركزية التي عينت المسؤولين عن تنفيذ العملية، وهم:  عبد ربه ومحمد منصور ومحمد السكوري ·

- متى كان ذلك ؟

- تقرر تنفيذ العملية في 7 نونبر 1953. ذلك اليوم، بعد الزوال، ركبنا السيارة نحن الثلاثة، وتوجهنا إلى محطة القطار ( الدار البيضاء - المسافرين ) · كان كل من منصور والسكوري يحمل حقيبة وضعت بها قنبلة. بعد أن وصلنا إلى محطة القطار، توجهت إلى شباك التذاكر واشتريت لهما تذكرتين، حسب الخطة التي تم الاتفاق عليها - وبعد ذلك سلمتهما التذكرة. وفيما تركتهما ينتظران موعد انطلاق القطار غادرت المحطة، وركبت السيارة وتوجهت بسرعة باتجاه مدينة الرباط حتى أكون في انتظارهما في الموعد المحدد بعد مغادرتهما القطار·

- ما هو نوع السيارة التي استعملتم ومن كان صاحبها ؟

" يتعلق الأمر بسيارة " تراكسيون " وكانت في ملك مولاي عبد الله الشتوكي ، وهي أول سيارة استعملتها حركة المقاومة.

- في الطريق إلى الرباط ، وأنت تقود السيارة بسرعة للوصول في الموعد المحدد إلى الرباط، ما هي الأفكار التي كانت تجول في خاطرك ؟

-كان همي الأول هو أن أصل في الموعد المحدد، لأتمكن من إعادة الأخوين منصور والسكوري سالمين إلى الدار البيضاء، كنت أدعو الله أن نتوفق في توجيه هذه الضربة إلى المستعمر، فبعد كل الجهود التي قام بها كل واحد، حسب المهمة التي كلف بها، لم يتبق إلا التنفيذ. كنت أستعرض كل المهام التي أنجزناها قبل ذلك على درب الكفاح، والروح المعنوية العالية التي يتوفر عليها المقاومون، والجاهزية التي أبانت عنها الحركة منذ إنطلاقها، وكيف أننا انتقلنا إلى مرحلة أخرى من مراحل الكفاح المسلح دفاعا عن وطننا، وأن العملية التي نحن مقدمين عليها سيكون لها وقع كبير على جميع الأصعدة، خواطر كثيرة أخرى كانت تفرض نفسها في تلك اللحظات الحاسمة، وأنا أشق الطريق باتجاه الرباط ، وكنت متفائلا لأني كنت أعرف من أية طينة خلق رجال المقاومة ·
- ووصلت في الوقت المحدد

-نعم وصلت قبل وصول القطار إلى محطة الرباط المدينة · توقفت قرب المحطة ، وترجلت متوجها صوب بابها الذي كان يعج بالبوليس · وظللت أنتظر ، وبعد مدة رأيت الأخوين محمد منصور ومحمد السكوري قادمين · أخبراني أن كل شئ على ما يرام ، وتوجهنا صوب السيارة ، وبسرعة قفلنا راجعين إلى الدار البيضاء ·

- ماذا فعلا بالضبط داخل القطار ؟

- عندما إقترب القطار من مدينة الرباط ، دخل كل واحد منهما إلى المرحاض ووضعا القنبلة بعد إشعال الفتيل ، وذلك حسب التوقيت الذي تم تحديده حتى تنفجر القنبلتان في النفق الذي يلي محطة الرباط المدينة، وبعد توقف القطار غادراه والتحقا بي حيث كنت أنتظرهما ·

- بعض الكتابات ذكرت أنكم إستعملتم فتيلين في كل قنبلة ·

- هذا غير صحيح · كان هناك فتيل واحد ·

- ولماذا حددتم النفق كمكان للإنفجار ؟

- حتى يكون الإنفجار أقوى ويلحق أكبر عدد من الخسائر

- متى وصلتم إلى الدارالبيضاء ؟

- ليلا ، أوصلت الأخوين منصور والسكوري إلى سكناهما، وأعدت السيارة إلى مولاي العربي الشتوكي ثم توجهت إلى بيتي، عندها كانت الساعة تشير إلى العاشرة ، فنمت فورا ·

- متى علمت بنتائج العملية ؟

- في اليوم التالي ، عن طريق الجرائد. كان العديد من القتلى قد سقطوا في أوساط الفرنسيين ومنهم الجنود، وقد ذكرت الجرائد أن من نفذها أشخاص قدموا من القاهرة

- ولماذا لم يقع الانفجار داخل النفق ؟

- التوقيت الذي حددناه كان صحيحا وكانت القنبلتان ستنفجران فعلا في المكان المحدد، لكن الذي حدث هو أن القطار تأخر بعض الشئ، في محطة أكدال. على العموم كان الانفجار قويا وقد أصاب المستعمر بالذهول، وبدأ يتحدث عن عناصر قادمة من مصر، وهو ما أكد أن الخطة التي وضعناها والسرية التي رافقت العملية كانت جد محكمة ·