تقنين زراعة الكيف.. أرض خصبة للربح؟

صوفي لومبرس

عاد موضوع تقنين زراعة الكيف مرة أخرى إلى الواجهة. ويرى البعض أن هذا الأمر قد يكون فرصة اقتصادية مهمة بالنسبة للمغرب، أول منتج لهذه العشبة في العالم. وحسب العديد من العارفين قد يكون القنب الهندي مصدرا للربح في السياحة والطب والتجميل...

"التعامل مع مشغل معترف به قانونيا والحصول على انخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.. هذا ما يصبو إليه كل شباب المنطقة العاملين في تجارة الكيف". قبل ستة سنوات كان مراد يشتغل في نقل السمك والخضر، ثم التقى بالصدفة في كتامة بالريف إسبانيًا أدخله إلى تجارة القنب الهندي. ومنذ ذلك الحين صار ابن دوار "أعشاش التحتاني" نقالا للحشيش: فاس، طنجة، الدار البيضاء.. وفي بعض الأحيان أوروبا على متن الزوارق السريعة.

تقنين الحشيش؟ سمع بالأمر في قريته من الأفواه الغارقة في الدخان لسياح هولانديين أو أمريكيين. "لما سيحدث ذلك يوما، سيتم تشغيلنا ربما من طرف مقاولة ضخمة مثل الـ'OCP'" يقول بدون اقتناع، ثم يضيف "ولكن أعتقد أننا مازلنا بعيدين جدا عن كل هذا. أليس كذلك؟".

قد لا يكون هذا الأمر بعيدا جدا وفقا لمؤسسة "Prohibition Partners". فمجموعة التفكير هذه – التي يستشهد القادة السياسيون وأبناك الاستثمار بانتظام بتقاريرها حول آثار إباحة استهلاك الحشيش في العالم – ترى أنه بوسع تسعة دول إفريقية، ضمنها المغرب، إباحة استهلاك الحشيش الطبي وتقنين استعماله لأهداف ترفيهية في أفق 2023. وهذه توقعات جريئة حقا(...).
وحسب "Prohibition Partners"، فإنه يمكن للمغرب – بناء على العدد المحتمل للمرضى، وتحولات سعر الغرام من الحشيش الطبي، وأثر التقنين على الثمن في السوق السوداء- ربح 944 مليون دولار منذ السنة الأولى للتقنين. ويقول "إيوان كينان"، رئيس "Prohibition Partners" ورئيس مصلحة التسويق بمؤسسة "Cannabis Europa" ومنظم "أسبوع الحشيش"، إن هذا الرقم يمثل "مجموع قيمة السوق المقننة" قبل أن يضيف من مكتبه بلندن "لقد حصلنا على هذا الرقم انطلاقا من تقييمنا لإمكانات السوق الطبية والسوق الترفيهية على حد سواء".

ملف سياسي

ولا يدافع الفاعلون الجمعويون ولا بعض الأحزاب السياسية عن الاستعمال الترفيهي للحشيش، لحد الآن على الأقل، ولكنهم بالمقابل يطالبون بتقنين استعمال العشبة الخضراء في المجالات الصناعية والصيدلانية بالمنطقة "التاريخية" لزراعتها (أي الريف الأوسط)، المحمية بظهير يعود إلى 1932.

ويقول عبد اللطيف أضبيب، وهو ممثل المنتجين المحليين للقنب الهندي أمام الأمم المتحدة، "التقنين في المنطقة التاريخية، تنمية السياحة الأيكولوجية والمنصفة، تكوين السكان، المراقبة بشراكة مع الدولة ومع مختبر بعين المكان.. هذا هو التقنين الفعلي".

والواقع ان قضايا الحشيش تشغل الميكروكوزم السياسي منذ سنوات. إذ في 2016، ومع اقتراب الانتخابات المحلية والتشريعية حاولت العديد من الأحزاب العوم على موجة الشرعنة هذه.

فقد رافع إلياس العماري، الذي كان في ذلك الوقت أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة (البام) والرئيس الحالي لجهة "طنجة – تطوان –الحسيمة"، لصالح تقنين زراعة الكيف، خلال منتدى دولي منظم بعاصمة البوغاز. كان حاضرا في القاعة: والي الجهة محمد اليعقوبي، برلمانيون، ديبلوماسيون، مزارعون... شخصيات من كل المشارب باستثناء البيجيدي.

"من الصعب التخلص من الأجندات السياسية، فالجميع يحاولون إثبات شيء ما في هذا الملف. وأعتقد أن البام والاستقلال يتحليان بميزة تتجلى في معرفة انشغالات السكان المحليين وتطلعاتهم"، يقول رجل دولة سابق رفض الإفصاح عن هويته، قبل أن يتابع أنه بعد ثلاث سنوات، لم يعد حزب التراكتور "يتحدث كثيرا عن الموضوع.. إذا كانت هناك اجندة للدولة فمن المفيد لهم أن يتراجعوا إلى الخلف حتى يمكن لهذه الأجندة التعبير عن نفسها".

ويقر المصدر ذاته، المعروف بكونه مقرب من الدولة، بمكتبه بالدار البيضاء "إذا كانت هناك سوق للقنب الهندي، وتقنيات الإنتاج نفسها، والمردود ذاته، والتوازنات عينها، إذاك نعم، يكون للتقنين معنى".

آثار طبية؟

ويعد "الكنابيديول" (cannabidiol) المكون الذي يحد من فعالية الـ"تيتراهيدروكنابينول" (THC)، المؤثر النفسي الأساسي للحشيش. وهو مثلا يقلل من الالتهابات ويجعل الجهاز العصبي يتجاهل الألم.. هذا الأخير لا يختفي تماما ولكن الجسم لا يهتم به. بعبارة أخرى، لهذا المكون كل مزايا القنب الهندي دون مساوئه (...)
ويجري اليوم تسويق "الكنابيديول" بمعظم البلدان الأوروبية والأمريكية من خلال مجموعة من المواد المستعملة في علاج الأرق وحب الشباب وحتى أمراض أخرى مثل السكري وغيرها(...)

إذا كانت الإمكانات الطبية لـ"الكنابيديول" قائمة ويصعب دحضها، فإن التداعيات الطبية لتقنين القنب الهندي على الشباب بالخصوص لا يمكن تجاهلها. وتنضاف إلى هذا الأخطار المرتبطة بالتبغ الذي تُهَيِّءُ به "جوانات" الحشيش.

وقد أظهرت الدراسات أن القنب الهندي يمكن أن تكون له تأثيرات مضرة جدا على التطور الذهني للمراهقين والشباب الأقل من 25 عاما ، الذين مازالت "القشرة الجبهية الأمامية"(cortex prefrontal) لديهم في مرحلة النمو, إذ يؤثر استهلاك الحشيش على ذاكرتهم وتركيزهم وحتى على معدل الذكاء لديهم(...).

وحسب كنزة أفصحي، وهي عالم اجتماع تعمل في عدة مراكز أبحاث دولية، "يجب تقليص المساحات المزروعة" لتجنب الانزلاق إلى كل الجوانب المضرة. ويخشى مزارعو المنطقة التاريخية أن يضر بهم التقنين ويكون في صالح الجهات الأخرى ذات التربة الخصبة والأراضي الأقل وعورة مثل منطقة شفشاون.

وحسب عدة مصادر محلية، تجري العديد من المقاولات الأوروبية والأمريكية تنقيبات واسعة بالمنطقة في الشهور الأخيرة، تروم دراسة إمكانية تطوير تجارة القنب الهندي الطبي(...).

والحال أن الزارعة غير القانونية لها عدة مزايا بالنسبة إلى المزارعين: نوع من الاستقرار، موارد مالية ثابتة إلى حد ما (ما بين 50 و60 ألف درهم في السنة)، فك العزلة ... إلخ، بيد أن سكان الريف يظلون هدفا للوصف، ويتم عرض أسماء المبحوث عنهم في الأسواق، ولا يمكنهم بالتالي القيام بأي شيء حتى شراء سيارة بشكل قانوني. إذ يتم عزلهم اجتماعيا دون اعتقالهم، لأنه "يجب مضاعفة عدد السجون لاستيعابهم جميعا، والواقع أن منطقتهم هذه تعتبر سجنا بحد ذاتها"، تقول عالم الاجتماع،  مضيفة أن "التغيير في التشريع سيمكن مئات الآلاف من المزارعين من الخروج من وضعهم اللاقانوني، ووضع حد لعقود من الوصم والضغوط الدولية التي تسببت في كوارث إنسانية وإيكولوجية من خلال دفع السلطات مثلا إلى الاستئصال القسري للعديد من المساحات المخصصة لزراعة القنب الهندي.

منافسة قادمة

ويرى المتخصصون أن التقنين المتزايد للحشيش في أوروبا، يهدد زراعة هذه العشبة الخضراء بمنافسة قوية في المستقبل المنظور، ففي إسبانيا مثلا تتوالد "النوادي الاجتماعي للقنب الهندي" (وهي نوع من الجمعيات المدافعة عن الزراعة التقليدية). "في الماضي، كان الأوروبيون يستهلكون الكيف المنتج بكتامة، أما اليوم فهم يتجهون إلى نوع من الاكتفاء الذاتي: يزرعون وينتجون ويسوقون حشيشهم.

صحيح أن المغرب مازال أول منتج بالعالم ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلا" يقول عبد اللطيف أضبيب.

والواقع أن المساحات المزروعة انتقل من 134 ألف هكتار في 2003 إلى 47 الف في 2013، بل وتتحدث السلطات اليوم عن 34 ألف هكتارفقط(...)، ولكن الكميات المنتجة مازالت مرتفعة.

وتشير التحقيقات الرسمية المغربية (التي تعود إلى 2003 -2005)، إلى أن 800 ألف شخص (أي حوالي 36 ألف أسرة) يعيشون من زراعة الحشيش، ولكن مصادرنا، سواء كانت حكومية أو دولة أو محلية، تتحدث عن مليون شخص(...).
عن "تيل كيل" بتصرف