جودة التعليم عن بعد وأرباح المؤسسات الخاصة في قلب الجدل

عبد الرحيم سموكني

 

لم تضرب جائحة كوفيد 19 الأبدان مزهقة الأرواح وموقفة عجلة الاقتصاد فقط، وإنما فجرت صراعا كان مضمرا منذ سنوات، بين المدارس الخاصة والأسر، بعد أن جرى تبني التعليم عن بعد كضرورة قاهرة، وإغلاق المدارس تجنبا لتفشي الوباء، وما أعقب ذلك من جدل واسع وشد للحبل، حول جودة هذا التعليم، واستحقاق المدارس الخاصة لما تجنيه يجنيه من أرباح.
معركة لي الذراع بين الأسر والمدارس الخاصة، لم تستطع وزارة التربية الوطنية أن تفصل فيها، وترك الباب مفتوحا على مصراعية لكي تشهد هذه المعركة فضولا أكثر حدة في المستقبل، خاصة بعد أن انتهى العام الدراسي، دون أن يجد المشكل طريقه إلى الحل، وكذا بالنظر إلى التخوفات من موجة ثانية كوفيد19، قد تجبر الجميع على تبني تعليم عن بعد مع بداية الموسم الدراسي المقبل.

شكل الجانب المادي ركن الأزمة بين أرباب المدارس الخاصة وأولياء التلاميذ الذين يرفضون أداء واجبات الدراسة الشهرية للثلاثة أشهر الأخيرة من الموسم الدراسي المنتهي، أبريل وماي ويونيو. ففي الوقت الذي يرى فيه أولياء التلاميذ أنهم غير ملزمين بأداء واجباتهم المالية كاملة لخدمة تعليمية لم تكن مكتملة، يرى أرباب المدارس الخاصة أن التزاماتهم اتجاه الأساتذة والمدرسين والأطر التربوية التابعة لهم، يدفعهم إلى ضرورة المطالبة باحترام التعاقد بين أسرة التلميذ والمدرسة الخاصة.

مطالب غير منطقية بالمرة

يحاول عبد السلام عمور، رئيس رابطة التعليم الخاص بالمغرب، أن يخفف من حدة الأزمة الحالية، و يرى أن نهاية شهر يونيو الأخير، خلافا للشهور السابقة، سجلت تسوية الكثير من الملفات العالقة، بعدما قررت المدارس الخاصة النظر في ملفات أولياء التلاميذ الذين يثبتون تعرضهم لضرر جراء الجائحة، وأن المدارس أخذت بعين الاعتبار الوضعية المالية للأسر، وبالتالي فإنها اتخذت قراراتها بناء على ذلك. يقول "يمكن القول إن المشكل في طريق التسوية النهائية، بعد أن قررنا أن يتقدم أولياء التلاميذ بطلب لتخفيض واجبات الدراسة، وأن يثبتوا تعرضهم للضرر، فما يجهله الناس هو أن النزاع كان مجزئا منذ البداية، حسب كل مدرسة وحسب كل حالة أسرية على حدا، لكن هناك من أراد أن يعمم الصراع على الجميع".
ويذهب عمور إلى أن أغلب الملفات تم حلها، وأن هناك جهات لم يسمها تريد تأجيج الصراع، إما لأغراض سياسية أو انتخابية، ويقول "هناك من يريد أن يستمر هذا الصراع، لأن لديه مآرب أخرى، تبغي بالأساس ضرب قطاع لتعليم الخاص بالمغرب، أولئك الذين يرفضون أن تجرى تسويات بناء على دراسة حالة بحالة، ويريدون أن يمس التخفيض أو الإعفاء من الدفع الجميع، وهو أمر غير منطقي بالمرة".
ويعتبر عمور أن المؤسف في هذا النزاع هو التركيز على الجانب المادي عوض الحديث عن الجانب البيداغوجي، وأن من يصفهم بمؤججي النزاع ـ أوهموا الناس أن الإشكال عام ويمس جميع التلاميذ وكل المدارس الخاصة، ويقول "لقد تعاملت المدارس الخاصة وفق علاقاتها وإمكانياتها لتسوية الملفات العالقة، فمثلا هناك مدارس أعفت اسرا تضرر أربابها بشكل كبير، وهنا أتحدث عن آباء يمتهنون سياقة سيارات الأجرة أو يعملون في المطاعم أو الفنادق، كما أن هناك مدارس قررت خصم نسب مائوية تتراوح ما بين 30 و50 في المائة، بينما هناك حالات جرى التفاهم معها على تقسيط أو تأجيل الدفع، حتى وإن كان أولياء الأمور من الموظفين، الذين لم يتأثروا كما تأثر مستخدمو القطاع الخاص أو القطاع غير المهيكل".

سؤال التعليم عن بعد أبعد من المال

مقابل هذه النظرة المتفائلة، يرى نائب رئيس الكنفدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء التلاميذ محمد فتمناو، أن أزمة كورونا كشفت عورات عديدة لنظام التعليم الخاص في المغرب، والذي يشتغل وفق قانون منظم كان أربابه هو الواقفون خلف إخراجه إلى حيز الوجود. ويقول "لقد أدى الحياد السلبي لوزارة التربية إلى تغول أرباب المدارس الخاصة، كما أن تخلي الوزارة عن الأسر، جعلها تقف وحدها في مواجهة هذه المدارس ".

ويقر فتمناو، الذي يشتغل محاميا، أن منطق المقاولة الذي تعتنقه المدارس الخاصة يقضي بضرورة الربح، لكنه يعتقد أن هناك تعاقدا أخلت به المدارس الخاصة. ويوضح " لقد قالت الوزارة إن التعاقد بين الأسرة والمدرسة الخاصة لا يجبرها على التدخل، لكن بما أننا نتحدث عن تعاقد، فالعقد يتحدث عن تعليم حضوري وليس عن بعد، من هنا نطرح السؤال من أخل إذن بالعقد؟".

يعترف فتمناو بأن هناك بعض المدارس الخاصة التي كانت ذكية في تعاملها مع الأسر، وقررت منذ البداية تطبيق إجراءات خاصة من شأنها أن تقوي العلاقة بين بين الأسرة والمدرسة الخاصة، إذ كيف يعقل أن يؤدي رب أسرة واجب ثلاثة أشهر لابنه في الروض أو في التعليم الأولي، وهو مستوى لم يشمله التعليم عن بعد !
ويميز فتمناو بين المدارس سالفة الذكر، والمدارس التي قررت تخفيض 30 في المائة من القسط الشهري، ومدارس أخرى تبنت مواقف متعنتة بشكل كبير، ووصل الأمر بها إلى حد تهديد الأسر بطرد أبنائها إن رفضوا الدفع.

ويعترف فتمناو على أن النقاش الحقيقي الذي كان من المفروض أن يشارك فيه الجميع، لا يتعلق فقط بالمال أو واجبات الدراسة، بل كان الأجدر أن يبحث الجميع في مسألة نجاعة التعليم عن بعد، وهل نال التلاميذ كفايتهم التعليمية اللازمة مع هذه الظروف، ويقول "إن التعليم عن بعد لا يحقق حتى خمسين في المائة من نتائج التعليم الحضوري، كما أن الإشكال يطرح بحدة لدى التلاميذ الذين سينتقلون الموسم المقبل إلى الجذع المشتركة، وأولئك الذين ينتقلون إلى المستوى الثانوي التأهيلي".

مستقبل مفتوح على مزيد من الصراع

في ظل تباين وجهات النظر، يبدو الصراع مفتوحا على مزيد من التعقيد خاصة، مع وجود تخوفات من موجة كورونا ثانية الخريف المقبل، مما يدفع الجميع إلى وضع الأيادي على القلوب، فثلاثة أشهر من التعليم عن بعد فجرت صراعا غير مسبوق بين شريكين أساسين في العملية التعليمية، الأسرة والمدرسة الخاصة، فكيف يبدو المستقبل في أفق تتهدده عودة ثانية للوباء؟
يقول عمور إن الأولوية الحالية هي إتمام التسويات مع الأسر، والتحضير للموسم المقبل، وأن تأخذ المدارس الخاصة نبعين الاعتبار جميع السيناريوهات المحتملة خلال فصل الخريف المقبل، مشيرا إلى أنهم ينسقون مع الوزارة بشأن الدخول المدرسي المقبل، وأن فرضية اللجوء إلى التعليم عن بعد ليست مستبعدة في حال ما ضرب الفيروس من جديد "نحن على تواصل مستمر مع الوزارة ونشتغل على جميع السيناريوهات. ما أراه مميزا هو تصريح الوزير أمام لجنة التعليم في البرلمان والتي كان فيها صريحا بعدم قدرة المدرسة العمومية على استقبال كل المنتقلين من التعليم الخصوصي، مع العلم أن الانتقال من المدرسة الخاصة غلى العمومية ليس أمرا جديدا، خاصة بالنسبة لتلاميذ الأقسام الإشهادية، خاصة المنتقلين من الابتدائي إلى الإعدادي، فغالبا ما يضطر تلاميذ بعض المدن الصغيرة إلى التوجه إلى التعليم العمومي، لأنهم يفتقدون لإعداديات خصوصية، ثم إنه لا يمكن أن تمنع أبا من تنقيل ابنه إلى مدرسة عمومية لأنه حق دستوري، لكن كلام الوزير كان مقنعا وواقعيا، لأن من شأن ذلك أن يخلق اكتظاظا غير مسبوق في الأقسام، لذا فإننا ننتظر تصور الوزارة حول الدخول المدرسي المقبل".
أما بالنسبة لمحمد فتمناو، فإنه يتوقع في حالة استمرار إلى إغلاق المدارس إن ضرب كورونا من جديد، أن يكون الموسم المقبل كارثيا بجميع المقاييس. ويقول " الوباء هو إنذار، يجب أن نقف ونتأمل وضعنا التعليمي ككل، ثم نقوم بتقييم موضوعي لا يحابي أحدا، ويتابع "علينا أن نولي اهتماما أكبر للتعليم الأولي، إذ لا يعقل أن تشغل المدارس الخاصة مدرسين في الروض بمستوى باكالوريا، بينما نرى في دول مثل كندا وألمانيا أن من يتكلف بالتعليم الاولي هم أخصائيون نفسيون، بينما نحن مازلنا نحارب جشع المدارس الخاصة".
ويشدد فتمناو على أن الحديث عن تجربة ثانية للتعليم عن بعد تبقى مرعبة، "مادمنا لم نتأكد بعد من نجاعته، خاصة بالنسبة لتلاميذ الشعب العلمية، علينا أن نرى نتائج هذه التجربة القسرية، وبالتالي فإن التفكير في إغلاق ثان للمدارس الخريف المقبل يبقى مزعجا بنسبة كبيرة".

بعيدا عن شريكين متصارعين يمثلان التعليم الخاص وأسر التلاميذ، يعتبر محمد العربي، نائب رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، أن ظهور التعليم الخصوصي في المغرب جاء نتيجة اقتصادية وسياسية قاسية عاشها المغرب بعد تطبيق برنامج التقويم الهيكلي،عندما طلب الملك الحسن الثاني، في أحد خطاباته من أولياء وآباء التلاميذ مشاركة رمزية في تمويل العملية التعليمية والتربوية، لكنها دعوة لم تلق تجاوبا، لسوء الحظ، من لدن المجتمع السياسي .
ويستطرد العربي "إن التعليم الخصوصي أخذ مكان الدولة في العملية التعليمية مع تحمل المواطن التكاليف المترتبة عن هذه العملية، وهكذا تخلصت الدولة من أتعاب كانت تثقل كاهلها".
ويبرز العربي أنه ليس من السهل تقييم أداء التعليم الخصوصي ومردوديته، وذلك لغياب معطيات وإحصاءات، سواء تعلق الأمر بالتعليم الأولي، أوالثانوي أو العالي، لكي نخلص إلى مخرجات ما ولكن يمكن الإشارة إلى أن جل المتفوقين هم نتاج التعليم العمومي.
ويذهب العربي إلى أن "جائحة كوفيد 19 كشفت الغطاء عن الاختلالات الكبيرة في هذا القطاع، وأبانت عن ضعف في التواصل لديه، وعن بعض الممارسات المشينة كما ورد في شكايات وتظلمات المواطنين، فالعلاقة التعاقدية بين المدرسة الخصوصية وأولياء التلاميذ من الفروض أن تكون كتابية وموقعة ومسجلة حفاظا على مصالح المتعاقدين ومبينة لالتزامات الأطراف وذلك طبقا لمقتضيات قانون العقود والالتزامات وكذلك القانون 31-08 القاضي بتدابير حماية المستهلك".