ساعف يضع يده على "فاجعة المناجم" بالمغرب

صورة مركبة لعبد الله ساعف إلى جانب أحد عمال المناجم بجرادة (صورة المنجم: مهدي مريوش)
غسان الكشوري

قبل عدة أيام من وقوع فاجعة جرادة، التي أودت بحياة شخصين، وأخرجت سكان المدينة عن بكرة أبيهم، أصدرت مجلة أبحاث عددها الأخير (64) حول "المدن والمناطق المنجمية". ورصدت المجلة المدن التي تعتمد المناجم مصدر رزقها، مع التركيز على الحياة ما بعد المنجم. محاور المجلة تتبعث كذلك الثروات الطبيعية التي تزخر بها مدن المغرب، فضلا عن المشاكل القانونية والتنظيمية التي تؤطر استغلال المناجم، والتي تنعكس سلبا على سكانها.

وركزت بعض محاور المجلة على الوضعية القانونية للمناجم، بناء على ظهير 1960، بشأن النظام الأساسي لمستخدمي المقاولات المنجمية ومدى ملاءمته مع قوانين الشغل التي تحفظ سلامة وصحة الأجير. إضافة إلى تناولها لما تخلفه المناجم، المتنشرة في كل من تنغير وجرادة وإمضير، من مشاكل بيئية وصحية، واقتصادية كذلك، على ساكنة تلك المدن.

"تيلكيل عربي" التقت عبد الله ساعف المدير المسؤول عن المجلة، وأستاذ العلوم السياسية، ودار الحديث بشكل مقتضب، حول هذا العدد وحول مشاكل المناجم في المغرب، التي تحصد الأرواح بشكل متكرر.

لماذا تتكرر مشاكل المناجم في المغرب؟

المغرب يعيش إشكالية إعادة توجيه الحياة الاقتصادية والاجتماعية، واستغلال ماضي بعض المدن التي تزخر بالثروات الطبيعية. ولذا فالمسؤولون على هذه المآسي، لم يستبقوا الأمور. إذ ظلوا على هذا الحال حتى استنفدت المناجم ثرواتها الباطنية، في عدة مدة منها، ولم لم يتصورا أن هناك حياة لـ"ما بعد استغلال المنجم".

هناك بعض المدن وجدت وتوسعت بسبب وجود منجم بها، لكنها اختفت بعدما انتهت ثروات مناجمها. وبالتالي فسكان المدينة الذين كانوا يشتغلون بها ويعيشون منها، تشتتوا ورحلوا يبحثون عن مصدر رزق آخر، فاختفت المدينة أو عانى سكانها بعد اختفاء المنجم.

حالات "الحياة ما بعد المنجم" ليس قليلة، والواقع المرير هو عندما تنتهي الخيرات الباطنية ويغلق المنجم، تبدأ المآسي والمعانات الاجتماعية. المشكل المطروح هو كيفية تدبير الموارد الطبيعية للبلاد، والتفكير في الأجيال المقبلة. الفوسفاط ولحسن الحظ يشكل استثناء بحسب الخبراء، إذ يقال أن مخزون المغرب منه سيمتد لعدة سنوات تصل للمئات. لكن بخصوص الفحم والحديد والذهب والفضة والرصاص لا نعرف كيف سندبر الأمر مستقبلا.

أين الخلل ومن المسؤول إذن ؟

الاقتصاد المرتكز على الموارد الطبيعية كان أساسيا في المجتمع المغربي منذ الاستعمار وإلى الآن. ومن إحدى الأسباب في توغل الاستعمار في المغرب هو استفادته من المناجم والمعادن الباطنية. الاستعمار رحل، لكن المغرب لا يزال يعول على استغلال المناجم وثرواته الباطنية وكأنه أبدي ودائم.

هناك إشكالية في تدبير السياسات العمومية، ونحن في قلب ما يسمى بالحكامة والتنمية، بحسب ما توضحه الدراسات التي قمنا بها في كتابنا "المدن والمناطق المنجمية: الحياة ما بعد المنجمية". وللمقارنة، استطاعت عدة مدن أوروبية أن تغير مسار حياة ساكنة المدن بعد نفاذ مخزون المناجم. بحيث استطاعت  "سان إيتيان" في فرنسا مثلا، أن تجدد مواردها وتحيي مناطق أخرى على أسس جديدة. القدرة على التجديد و"إعادة الإحياء"، هو ما تحتاجه كل منطقة تعيش على خيرات المناجم.

ماذا عن جرادة ؟

مشكلة جرادة هي مأساة كبيرة، ولا تعدو كونها "مخلفات الحروب"، أي صراعات حول بقايا منجم أو الاشتغال بشكل فردي. تم التفكير في طريقة لتعويض الضحايا بدون التفكير في المستقبل. التعويض المادي ينحصر على الأفراد والعائلات ويمكن أن يفنى، لكن ما كان يجب القيام به هو إعادة الاستثمار في مشاريع جماعية. المشكل يكمن في أن هناك ضيق تفكير في ما يخص "الحياة ما بعد المنجم".

يذكر أن عدد "أبحاث"، تضمن أشغال الدورة الصيفية لجامعة التنمية الاجتماعية في سنة 2015، التي تقدم بها الباحثون والمتخصصون باللغة العربية والفرنسية.