عبد الله إبراهيم يغادر الحكومة واكديرة يريد الصندوق الأسود(24)

تيل كيل عربي

.. وحدث ما كان متوقعا، وسقطت حكومة عبد الله إبراهيم، تلك الحكومة التي سيذكرها بألم شديد بعد عقود.

 

كانت المطالبة بترحيل الكومندان بلير، الضابط الأمريكي الذي تم إلحاقه بديوان ولي العهد، إعلانا صريحا للحرب مع الأمير مولاي الحسن الذي كان يعتبر نفسه المعارض الأول لحكومة عبد الله إبراهيم.
"باختصار، كان الرجل يحاول استعادة التحكم في الشرطة وتقليص استقلالية الجيش عن حكومته. وكان التوتر والضغط يشتدان مع اقتراب موعد الانتخابات. تحرك الأمير وأبلغ الفرنسيين والأمريكان، عبر مبعوثيه، بأنه لا جدوى في التعامل مع حكومة عبد الله إبراهيم "لأنهم على وشك الرحيل"...
بعد أن اشتدت عليه الهجمات من كل جهة، طلب عبد الله إبراهيم تحكيم محمد الخامس. هنا تختلف الروايات:
- محمد الخامس استدعى عبد الله إبراهيم إلى القصر في الثامنة صباحا وطلب منه الرحيل، موضحا أنه يقوم بهذا على مضض لأنه لا يرى أن هناك شيئا يمكن أن يؤاخذه به.
- الأمير مولاي الحسن استدعى بدوره عبد الله إبراهيم وقال له، حسب بعض الروايات، إنه لن ينتظر حتى يركب طاقم أسنان لكي يخلف والده !
- رفض عبد الله إبراهيم تقديم استقالته مبرزا النجاحات التي حققتها حكومته. فكان على محمد الخامس إعفاءه، وحسب بعض المصادر فقد أبلغه أنه من الأفضل أن يرحل لأن مولاي الحسن يهددهما.
كان محمد الخامس مرعوبا وشرع في إخراج رؤوس أمواله من البلاد وكثف من مشترياته في الخارج. وحاول بيع كل قصوره إلى الدولة وحتى جميع عقاراته الشخصية.
ترك عبد الله إبراهيم الفيلا الوظيفية بالرباط دون أن يأخذ معه أي شيء، وعاد إلى بيته بالدار البيضاء. قال لزوجته فاطمة "لن نأخذ معنا أي شيء، لا شيء في ملكنا هنا.
وخلال تسليم السلط، لم يتجشم الأمير مولاي الحسن حتى عناء الحضور وانتدب أحمد رضا اكديرة. سلمه عبد الله إبراهيم حقيبة الصناديق السرية برئاسة الحكومة. "احتفظ بها" قال له اكديرة. رفض بشدة وأصر على تسلم إبراء للذمة، وسيحصل عليها. يقال إن اكديرة سأله عن "الصندوق الأسود". فرد عبد الله إبراهيم "ليس لدي أي صندوق أسود.. من يتكلف بالصناديق هو صديقكم السيد باحنيني"(...)
كان الرجل حزينا، مجروحا، وتغمره المرارة(...) ولما عاد إلى الحديث عن تلك هذه التجربة في 2004، قال (في حوار مع الصحافي الفرنسي إنياس دال) "هذه الحكومة لم تكن طبيعية.. لم يحترم فيها الفصل بين السلط(...) بلا شك بسبب الضغوط فرنسا(...) كنت دوما ديمقراطيا مؤمنا بحق كل التيارات في التعبير عن نفسها.. ولكن لا يمكن تغيير بلد كامل بشهادة دكتوراه ! لما غادرت الحكومة كنت منهارا تماما". وسيقول كذلك في مناسبة أخرى، وهو يرفض استعمال ضمير الأنا، أن هذه الحكومة ولدت في ظروف صعبة جدا، وكانت مستقلة وسياسية ومسؤولة، في إطار تعاقد واضح ودقيق مع الملك، واتسمت بالثقة المتبادلة والصراحة واحترام المصالح الوطنية العليا، في توافق تام مع أخلاق ذلك العهد، وفي مراعاة كاملة لمصالح الجماهير.. وجرى خلالها معالجة كل القضايا بناء على مبدأ المساواة.. ولم يكن لدينا وزير للإعلام ولا صحف مدعمة..
باختصار تحدث عن حصيلة إيجابية لحكومته. ولكن في حوار مع مجلة "لبنان" قال إن "السياسيين كانوا يفكرون فقط في مستقبلهم.. لم تكن تجمعهم مبادئ.. حدث ما يشبه الفرار الجماعي.. وكل ما كسبناه فقدنا في بضعة أشهر.. كلما أنجزت أمرا وجدت الأعداء في طريقي".