عبد النباوي: مقاطعة المحامين أخرت أكثر من 41.000 قضية ومجهودات قضاة النقض "تنوء بحملها الجبال"

بشرى الردادي

قال محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أمس الاثنين، بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة، إن "قضاة محاكم الموضوع بتّت، سنة 2022، في 4.356.970 قضية؛ أي بزيادة تقدر بـ498.924 حكما زائدا عن الأحكام الصادرة، سنة 2021؛ وهو ما يمثل نسبة زيادة في الأحكام قدرها 13 في المائة"، مشيرا إلى أن "نسبة الأحكام الصادرة من مجموع القضايا المسجلة بلغت، خلال السنة، 99,54 في المائة".

وتابع عبد النباوي: "وإذا بتّت المحاكم في هذا العدد الهام من القضايا، خلال السنة، فإن ازدياد المسجل بها من 3.857.389 قضية، سنة 2021، إلى 4.377.033، بنسبة 13,47 في المائة، سنة 2022، أدى إلى زيادة المخلف بحوالي 20.063 قضية، عن سنة 2021؛ أي بزيادة بلغت نسبتها 2,8 في المائة"، مضيفا أن "مجموع القضايا التي راجت أمام محاكم الموضوع، خلال سنة 2022، ناهز 5.094.712 قضية؛ وهو ما يفيد أن نسبة الارتفاع عن السنة الأسبق بلغت 483.476 قضية؛ أي بنسبة 10,48 في المائة".

كما ذكّر الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن "المحاكم حقّقت هذا الإنجاز، رغم بعض الصعوبات التي تعترضها، ولاسيما في مجال تبليغ الاستدعاءات وتجهيز الملفات، والتي أضيف إليها، خلال هذه السنة، بعض الارتباك الذي شهدته جلسات المحاكم، بسبب المقاطعة التي أعلنت عنها بعض هيئات الدفاع، خلال شهر نونبر الماضي، والتي أدت إلى تأخير أكثر من 41.000 قضية، لكفالة توفّر حق الدفاع، فضلا عن تعثر الإجراءات القضائية الأخرى".

وتابع عبد النباوي: "وإذا بذل القضاة كل هذه الجهود للبت في القضايا، في آجال معقولة، فإن ذلك لم يحل دون اهتمامهم بجودة أحكامهم وقراراتهم، التي تتحسن باستمرار، بفضل وعي القضاة بواجباتهم وتحملهم لمسؤولية العناية بدراسة القضايا المعروضة عليهم، تنفيذا لاستراتيجية المجلس في هذا الباب. غير أن الواقع لا يرتفع، لأن ارتفاع وثيرة القضايا بهذا الحجم يتجاوز قدرات القضاة"، مشيرا إلى وجوب "إيجاد الحلول المناسبة".

وأوضح أنه "إذا كان مطلب الزيادة في عدد القضاة مطلبا آنيا وأكيدا تقتضيه الإحصائيات المشار إليها، ولاسيما حصة كل قاض من القضاة المكلفين بإصدار الأحكام، والتي ناهزت 1700 قضية لكل قاض؛ أي بمعدل حوالي 7 أحكام، في كل يوم عمل (250 يوم)؛ حيث يخص الحديث الأحكام النهائية دون التمهيدية ولا باقي المقررات والإجراءات الأخرى، التي يتخذها القضاة، فإن ظروفا أخرى تجعل هذا المطلب أكثر إلحاحا، وفي مقدمتها اعتزام افتتاح 14 محكمة جديدة، بعضها أصبح جاهزا، بالإضافة إلى الحاجة إلى تفعيل حوالي 23 مركزا للقاضي المقيم؛ من بينها 15 مركزا قضائيا تمّ إحداثها، مؤخرا".

كما دعا الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى "ضرورة تعويض القضاة، الذين يحذفون من الأسلاك، بسبب انتهاء مدة خدمتهم، أو لأسباب أخرى (أكثر من 100 قاض، كل سنة)، فضلا عن تدارك الخصاص الذي تعاني منه المحاكم حاليا، ومواكبة ارتفاع عدد القضايا الرائجة بالمحاكم، الذي يوازي زيادة حوالي 10 في المائة، كل سنة".

وأضاف: "وإذا كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بتنسيق جيد مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل والمعهد العالي للقضاء، يسعى حاليا إلى تدارك النقص في عدد القضاة؛ حيث ينتظر أن تتخرج من المعهد، خلال السنوات الثلاث المقبلة، ثلاثة أفواج من الملحقين القضائيين، فإنه يجدر بالتذكير أن الوضع الراهن الذي ينتظر أن يستمر، خلال سنتي 2023 و2024، والذي يتسم بارتفاع عدد النزاعات المعروضة على المحاكم والنقص العددي للقضاة، لا يخدم فعالية العدالة، التي تتطلب إصدار أحكام عادلة، وفي أجل معقول؛ وهما مهمتان تصبحان من الصعوبة بمكان، إذا لم يكن عدد الأطر القضائية متلائما مع عدد الملفات المعروضة على القضاء؛ كون تحقيق تلك الغايات يقتضي توفير الوقت اللازم لدراسة كل قضية، لتحظى بالعناية الكاملة وتنال نصيبها من الأهمية في البحث والدرس، في حين أن جودة الأحكام تتأثر بكثرة عدد القضايا وبالضغط الكميّ للملفات".

وأشار إلى أن "الملاحظ كذلك أن محاكم المملكة تعج بقضايا كان يمكن الفصل فيها خارج النظام القضائي، عن طريق الوسائل البديلة، ولاسيما القضايا غير النزاعية؛ مثل إثبات الحال أو توجيه الإنذار والمعاينات، وما في حكم ذلك. كما أن بعض النزاعات البسيطة، يمكن حلّها خارج المحاكم، سواء في المادة الزجرية أو المدنية، عن طريق وضع آليات تحكيمية وعدالة تصالحية محفزة للأطراف".

كما انتهز عبد النباوي هذه الفرصة للتعبير عن أمله "في الإسراع بإقرار المقتضيات القانونية المتعلقة بهذه المواضيع وبمواضيع أخرى؛ كبدائل الاعتقال الاحتياطي وبدائل العقوبات السالبة للحرية، التي تنظمها مشاريع بعض القوانين؛ كقانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والقانون الجنائي، وهي مشاريع مدرجة ضمن ميثاق إصلاح منظومة العدالة".

وأكد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن "اكتظاظ المحاكم بالقضايا لا يقتصر على محاكم الموضوع"، موضحا أن "محكمة النقض تعاني كذلك، منه بشدة؛ حيث أصبحت وضعيتها خانقة، ولا تساير المصالح التي يستهدفها قضاء النقض، المتمثلة في توحيد الاجتهاد وتأطير العمل القضائي بالمحاكم، بما يحقق الأمن القضائي".

وأضاف عبد النباوي أن "محكمة النقض سجّلت، خلال سنة 2022، 52.676 قضية جديدة، بزيادة ناهزت 7,68 في المائة، عن سنة 2021 (48.919 قضية)؛ أي بزيادة 3.757 قضية".

وتابع أنه "بإضافة القضايا المخلفة عن السنوات السابقة، والتي بلغ عددها 45.644 قضية، فإن عدد القضايا الرائجة بمحكمة النقض، خلال السنة المنصرمة، ناهز 98.320 قضية؛ أي بزيادة نسبتها 8,25 في المائة، عن سنة 2021 (7497 ملفا)؛ وهو ما يرفع نصيب كل قاض من قضاة المحكمة لأكثر من 550 ملف؛ أي أكثر من ضعف العدد الأقصى للأحكام، التي استطاع قضاة النقض الحكم فيها، والذي ناهز معدل 230 قرارا لكل مستشار"، معتبرا إياه "عددا ضخما جدا بالنسبة لقضاة النقض".

كما لفت إلى أنه "رغم الجهود العظيمة التي بذلها قضاة النقض، والتي أدت إلى إصدار ما مجموعه 48.423 قرارا، بزيادة 6,88 في المائة، عن سنة 2021؛ وهو ما يمثل حوالي 92 في المائة من المسجل، غير أنه لا يمثل سوى أقل من 50 في المائة من مجموع القضايا الرائجة بالمحكمة".

وكشف عبد النباوي أن "جهود قضاة محكمة النقض بلغت مداها، خلال هذه السنة؛ حيث كان معدل الإنتاج السنوي لكل مستشار في حدود 230 قرارا؛ أي بمعدل 5 قرارات، أسبوعيا، لكل مستشار. كما أن هذا الإنتاج الفردي تراوح في غرف محكمة النقض بين 100 و758 قرار، في السنة"، مضيفا أن "متوسط القرارات السنوية، التي حررها كل مستشار من المستشارين، ناهز 400 قرارا بالنسبة للغرفة الجنائية، و320 بالنسبة للغرفة الإدارية، و207 بالنسبة للغرفة الاجتماعية، و168 بالنسبة للغرفة المدنية، و160 بالنسبة للغرفة التجارية، و131 بالنسبة لغرفة الأحوال الشخصية"، واصفا إياها بـ"الأرقام التي تنوء بحملها الجبال".

وشدد على أن "هذه الأرقام تكاد تنطق بنفسها، لتذكر بأن تحقيق الأمن القضائي من جهة، والحفاظ لمحكمة النقض على موقعها كضابط لوحدة الاجتهاد القضائي من جهة أخرى، يُعتبر قضية مصيرية، تدعو المشرع للتفكير في وضع محددات أكثر دقة للطعن بالنقض، الذي يجعل من محكمة النقض محكمة قانون، وليست درجة ثالثة للتقاضي، وأنها لكي تضطلع بمهمتها تلك، يتعين أن يتم التحكم في أعداد الطعون التي تصلها، لكي يتمكن قضاتها من التوفر على الحيز الزمني الضروري لدراسة القضايا المعروضة عليهم".

واعتبر عبد النباوي أن "المرحلة تقتضي أن يتدخل القانون لتحقيق هذه الغاية بالوسائل التي يراها ملائمة"، مجدّدا بعض الاقتراحات التي تم تقديمها في مناسبات سابقة؛ وفي مقدمتها: تخليص المحكمة من الطعون بالنقض المتعلقة بقضايا بسيطة القيمة، وجعل الكفالة المنصوص عليها في المادة 530 من قانون المسطرة الجنائية إجبارية، مع الرفع من مبلغها، لمنع الطعون التعسفية، مع استثناء المعوزين من أدائها، بالإضافة إلى دعم تخصص قضاة النيابة العامة وأعضاء الدفاع في قضايا النقض، عن طريق تكوين مخصص لهذه الغاية، وجعل أجل الطعن بالنقض بالنسبة للنيابة العامة يبدأ من تاريخ وضع الحكم رهن إشارتها؛ لأن مذكرة وسائل الطعن تستهدف وثيقة القرار، وليس نتيجته؛ مما يستدعي اتخاذ قرار الطعن بعد الاطلاع على حيثيات الحكم".