عبد النباوي: نحن ملزمون بتطبيق القانون بشأن "العلاقات الرضائية" (الجزء الأول)

رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي (تصوير رشيد تنيوني)
الشرقي الحرش

في هذا الجزء الأول من حوار محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، مع موقع "تيل كيل عربي"، يدافع عن وجهة نظره بشأن عدم حضوره للبرلمان من أجل مناقشة تقرير النيابة العامة، كما يعطي وجهة نظره في عدد من القضايا التي تضمنها التقرير كالاغتصاب وتجريم "العلاقات الرضائية"...

بداية، من سيقدم تقرير النيابة العامة أمام البرلمان؟

 أولا البرلمان سيد نفسه، وهو الذي يعرف كيف يسير أشغاله ويدبر أموره، وما ينص عليه القانون التنظيمي للسلطة القضائية هو أنه من حق البرلمان بواسطة لجنتي العدل والتشريع أن يناقش تقرير النيابة العامة، لكنه لم يحدد من يقدم التقرير، ويحضر مناقشته.

بطبيعة الحال، المؤسسة التشريعية لها السلطة المطلقة في أن تحدد الطريقة والكيفية التي ستناقش بها التقرير، وما إذا كانت ستناقشه أم لا؟ ما كنا ملزمين به نحن هو ما ورد في قرار المجلس الدستوري، والذي نص على أن الوكيل العام لا يقدم التقرير ولا يحضر مناقشته، حيث اعتبر أن المادة 110 منه غير مخالفة للدستور "ما دامت لا تشترط عرض الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لتقاريره المتعلقة بتنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة ولا حضوره لدى مناقشتها أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن حضوره سيجعل المادة 110 غير دستورية".

 كما أن القانون التنظيمي لم يحدد الجهة التي تحيل تقرير النيابة العامة على البرلمان، ولكننا قمنا بإحالته تطبيقا لنص قرار المجلس الدستوري الذي اعتبر أن "التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، المنصوص عليها في الفصل  113 من الدستور، بما في ذلك تقارير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، والتي تعد تقارير تهم الشأن العام القضائي يجوز للجميع، لا سيما البرلمان، تدارسها والأخذ بما قد يرد فيها من توصيات، مع مراعاة مبدإ فصل السلط والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة".

 إذن فالبرلمان يناقش تقارير النيابة العامة، لكن قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بالسياسة الجنائية وتطويرها إذا اقتضى الأمر ذلك، في احترام تام للسلطة القضائية المستقلة.

إن إحالتنا للتقرير على البرلمان يأتي في إطار التعاون بين السلطات، فنحن سلطة دستورية لأن الفقرة الأخيرة من الفصل 110 من الدستور تقول أنه "على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها"، أما الفصل 116 من الدستور فقد كان صريحا في فقرته الأخيرة حينما نصت على أنه "يراعي المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التي يتبعون لها"، ولم يحدد هذه السلطة، لكن الفقرة الأخيرة من المادة 66 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية نصت على أنه "تطبيقا لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 116 من الدستور، يراعي المجلس بالنسبة لقضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة"، وتعلمون أن القانون التنظيمي مكمل للدستور، فالدستور خلق هذه السلطة والقانون التنظيمي عينها.

لذلك، نعتبر أن السلوك الذي تم لحد الآن منسجم مع الدستور، فنحن عرضنا التقرير على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وحينما أصدر بلاغه عممناه على الجهات التي يهمها الأمر، وأولها البرلمان الذي تبقى له الصلاحية الكاملة في مناقشته أو عدم مناقشته، وتحديد كيفية المناقشة، وأؤكد أنني كنت سأكون سعيدا لو كان بإمكاني الحضور إلى البرلمان، وإعطاء التوضيحات والشروحات، لكنني التزم بقرار المجلس الدستوري تجنبا لخرق الدستور، إذن المشكل ليس مشكل خيارات أو رفض، بل هو مشكل نصوص.

نعتقد أن البرلمان ساهم في بناء السلطة القضائية، وأن الأراء التي يدلي بها بعض السادة النواب والتي تخالف ما نراه نحن هي أراء محترمة ويجب أخذها بعين الاعتبار ومناقشتها، وفي النهاية الذي سيطبق هو الدستور، وما يعنينا هو القرارات التي يتخذها البرلمان من خلال هياكله الرسمية، أما الآراء الفردية فيمكن لأصحابها أن يعبروا عنها في إطار حرية التعبير.

تقرير النيابة العامة كشف أن حالات الاغتصاب تضاعفت في المغرب، وانتقلت من 800 حالة إلى 1600 حالة، رغم الترسانة القانونية والمجهودات المبذولة لحماية النساء، هل المغرب يعيش تحولا قيميا أصبح معه القانون عاجز عن الحد من هذا النوع من الجرائم؟

مما يؤسف له أن جريمة الاغتصاب يمجها الذوق، ويمجها الضمير الإنساني، فالاعتداء على السيدات في هذا الوقت، وفي هذا الزمان لم يعد مقبولا، ولا يمكننا إلا أن نشجب هذا السلوك وندينه من كل المواقع، لكن الواقع لا يرتفع، كما أن هذا الرقم لا يشكل ظاهرة، خاصة إذا استحضرنا أن عدد المحاضر المسجلة يتجاوز مليوني محضر في قضايا أخرى، وكيفما كان الحال فالأمر يثير تساؤلاتنا، لكننا لا نتوفر على الوسائل التي تمكننا من تحديد الأسباب، خاصة أننا في مرحلة التأسيس، علما أن معرفة الأسباب تحتاج تأسيس مرصد وطني للاجرام، وهذا الأمر كان معروضا على الأمانة العامة خلال الولاية الحكومية السابقة، لكنني لست أدري أين وصل، والمؤكد أن وجود هذا المرصد سيمكن من تحليل الظواهر ومعرفة أسبابها، وتقديم الحلول الممكنة لمواجهتها، خاصة أن الجانب الزجري وحده غير كاف، بل لابد من سياسات عمومية أخرى قد تكون ثقافية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، وقد تتخذ أشكال متعددة ترتبط بأسباب الجريمة نفسها، ثم تأتي السياسة الجنائية مكملة.

 في الوقت الراهن أنا عاجز عن إعطاء الأسباب التي جعلت هذا حالات الاغتصاب تتضاعف، وربما في السنوات المقبلة قد نتمكن من ذلك، ونضمنها في تقاريرنا.

 بصفتك رئيسا للنيابة العامة ما هي الجرائم التي تقض مضجعك؟

هي جرائم كثيرة، خاصة المرتكبة ضد الأطفال والقاصرين والنساء، وأيضا الجرائم التي لها تأثير اجتماعي كبير كالإرهاب.

 هذه الجرائم تزعج ضميري كإنسان، وهي ليست كباقي الجرائم التقليدية التي لا يمكن أن تزول كالسرقة مثلا التي لا ترتبط دائما بالفقر، بل بحالات مرضية أحيانا، وبأسباب متعددة.

في الوقت الذي الذي نسمع تصريحات متتالية من وزير حقوق الإنسان، ووزير العدل عن عدم تجريم "العلاقات الرضائية"، كشف تقرير النيابة العامة عن متابعة أزيد من 17 ألف شخص بتهم تتعلق بجريمة الفساد التي يعرفها القانون الجنائي في الفصل 490 منه بأنها "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية"، هل النيابة العامة لا تساير هذا النقاش، ولازالت تتشبث بالتطبيق الحرفي للنصوص؟

ما يجب أن يكون وما هو كائن يختلف، نحن ملزمون بتطبيق القانون، وحينما يزيل المشرع جريمة ما لن نخصص لها نحن عقوبة.

 إن سلطة الملائمة تتعلق بكل حالة على حدة، لكنها لن تصل إلى تعطيل قانون، لأن تعطيل القانون جريمة، ونحن مؤتمنون على تطبيقه، فالقانون يمثل ضمير الأمة، ونواب الأمة هم الذين صوتوا عليه، نحن لسنا ملزمين بتعطيل القانون لأن ذلك جريمة يعاقب عليها.

 إذن نحن كنيابة عامة لا ينبغي أن يوجه إلينا هذا السؤال، بل يجب أن يوجه للسلطة التشريعية.