عندما خاطب محمد السادس الفاتيكان بسبب البوليساريو والبابا بنديكت

المصطفى أزوكاح

 يزور بابا الفاتيكان المغرب ليومين بدعوة من الملك محمد السادس. العلاقات بين الطرفين لم تكن بمنأى عن التوتر، الذي عولجت أسبابه بالطرق الدبلوماسية في العقدين الأخيرين. توتر كان وراءه البوليساريو، والبابا بنديكت الذي أدلى بتصريحات اعتبرت منافية للرغبة في تجنيب الحوار المسيحي-الإسلامي المواضيع المثيرة للمشاعر. وفي مناسبتين تدخل الملك محمد السادس بهدف تنبيه الفاتيكان دون أن تتأثر العلاقات بين الدولتين.

بوليساريو وعطل السلام

في الصيف الماضي، حاولت البوليساريو توظيف استقبال البابا فرنسيس لأطفال من مخيمات تندوف، كانوا استفادوا من برنامج عطل السلام في إيطاليا، حيث اعتبرته الجبهة بمثابة "نصر" سياسي واختراق دبلوماسي.

غير أن السفارة البابوية بالرباط ردت على تأويلات البوليساريو، حيث أكدت التمثيلية الدبلوماسية للفاتيكان على أن موقف هذه الأخيرة من قضية الصحراء لم يتغير، موضحة أن الاستقبالات التي يخصصها البابا أسبوعيا لحجاج العالم لها "طابع كهنوتي حصرا ولا تنطوي على أية دلالة سياسية".

ليست تلك المرة التي تتسبب فيها البوليساريو في تعكير صفو العلاقات بين المغرب والفاتيكان، فقد سبق للبابا يوحنا بولس الثاني أن استقبل في غشت من عام 2000، أطفالا من مخيمات تندوف.

فقد ظهر البابا الراحل، الذي يعتبر أول بابا للفاتيكان زار المغرب في 1985، بمعية أطفال يحملون أعلام البوليساريو، الذين جاؤوا إلى إيطاليا من أجل قضاء عطلة الصيف في 2000.

ويحكي عبد الوهاب المعلمي، سفير المغرب الأسبق لدى الفاتيكان، بأنه استقبل من قبل الملك، الذي حمله رسالة خطية إلى البابا من أجل تنبيهه إلى مناورات جبهة البوليساريو.

غضب من البابا بنديكت

لم يكن ذلك الحدث الوحيد، الذي كاد أن يزج بالعلاقات بين المغرب والفاتيكان في أزمة دبلوماسية، فقد عمد البابا بنديكت السادس عشر، في شتنبر من عام 2006 إلى إلقاء محاضرة بجامعة ريجنسبورغ، التي كان يدرس فيها علم اللاهوب، حيث تحدث عن الإسلام بطريقة اعتبرت مثيرة لمشاعر مستنفرة سلفا، ما كان سيعصف بالجهود التي بذلت من أجل التقارب بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم الإسلامي.

وأورد البابا الذي تولي أمر الفاتيكان بين 2005 و2013، في سياق دعوته المسلمين إلى الدخول في حوار للحضارات، اقتباسا من حوار دار في القرن الرابع عشر بين الإمبراطور ومانوليل الثاني باليلولوجيس ومثقف فارسي حول المسيحية والإسلام وحقيقة كل من الديانتين.

وقال البابا في محاضرته: "كان الإمبراطور يعلم بالتأكيد أن هناك آية في القرآن تنص على أن لا إكراه في الدين، وهي إحدى الآيات المبكرة التي، كما يروي لنا أهل العلم، أتت في وقت كان فيه محمد نفسه ضعيفاً ومُهددا. ولكن الإمبراطور كان على دراية أيضا بالنصوص الأخرى المتعلقة بالجهاد والتي ظهرت في مرحلة لاحقة. وبدون الخوض في تفاصيل التعامل المختلف بين أهل الكتاب والكفار، يتطرق الإمبراطور بشكل فظ ـ الأمر الذي فاجأنا وأثار دهشتنا ـ إلى العلاقة بين الدين والعنف في حواره مع الفارسي، إذ يقول له: "أرني ما الجديد الذي أتى به محمد إنك لن تجد سوى الأشياء السيئة واللاإنسانية، مثل فرضه نشر الإيمان، الذي يبشر به، بقوة السيف".

وأضاف "بعد أن قال الإمبراطور مقولته، أخذ يقدم بالتدريج أسباب قوله هذا، متسائلا: لماذا يعد نشر الإيمان بالقوة مناف للعقل؟ فنشر الدين بالقوة يتعارض مع جوهر الرب وجوهر الروح".

ويمضي البابا في الاقتباس من حديث الإمبراطور الذي خاطب المثقف الفارسي قائلا: "إن الرب لا يُسترضى بسفك الدماء. وإن عدم الاحتكام إلى المنطق يتنافى مع الذات الإلهية. إن الإيمان ثمرة الروح وليس ثمرة الجسد. ومن يريد أن يهدي أحدهم إلى الإيمان، يحتاج القدرة على الكلام الطيب والتفكير السليم، ولكن ليس إلى القوة والتهديد (...) ولإقناع روح تحتكم إلى العقل، لا يحتاج المرء لذراعه ولا لعدة القتال أو لأية وسيلة أخرى يمكن أن يهدد بها إنسانا ما (...)".

ورغم تشديد البابا على أنه يقتبس، إلا أن ماجاء في كلمته أثار غضبا عارما في العالم الإسلامي، غضب لم يسلم منه المغرب، وهو ما ترجم على الصعيد  الدبلوماسي، باستدعاء سفير المملكة لدى الفاتيكان من أجل التشاور. ولم يكتف المغرب بذلك الإجراء الدبلوماسي، بل إن الملك محمد السادس بعث برسالة إلى البابا يذكره فيها بواجب الحرص على التعايش والاحترام المتبادل للأديان.

اقرأ أيضا