كاتب مصري: لهذا فشل "الإخوان" ونجح "البيجيدي" في المغرب

غسان الكشوري

التقت "تيلكيل عربي" الكاتب المصري ماهر فرغلي، المتخصص في الإسلام السياسي والجماعات الجهادية، على هامش ندوة أقيمت حول "التطرف الديني" بالمغرب. وحاورته حول الحالة الدينية بمصر، بما فيها جماعة "الإخوان المسلمين" والسلطة الحاكمة، فضلا عن تصوره للملكية والإسلاميين بالمغرب.

مرحبا بك أستاذ في المغرب. ونبدأ بسؤال حول رأيك في ما قدمته جماعة "الإخوان المسلمين" لمصر ؟

أشكرك. أولا، لم تقدم جماعة الإخوان المسلمين لمصر سوى الدكتاتورية، فطوال تاريخها كانت تتصارع مع السلطة للوصول إلى التغيير الفوقي للنظام. أي محاولة التغيير من خلال السلطة الفوقية، عبر التغلغل داخل مؤسسات الدولة.

لكن كيف أثر هذا على مصر؟ التأثير حصل عندما حاولت الدولة مقاومة تغلغل الاخوان فتكلست وتوسعت وحاولت أن تصدر قوانين دكتاتورية لمقاومة الاخوان، فضاعت مصالح  المواطنين ومبادئ الحرية والاصلاح. هو إذن صراع بين نظام وإخوان، النظام يمثل الجيش ويمثل نخبة معينة، والاخوان كذلك لهم نخبة وجماعات موالية. وبالتالي هاتين القوتين أوصلا الأوضاع لحالة من الاحتقان والديكتاتورية.

جماعة الإخوان المسلمين لم تقدم نموذجا إصلاحيا ولم تقدم فكرة ولا مشروعا اقتصاديا. بل حتى لما وصلوا إلى الحكم اشتغلوا على مشروع الهوية والخلافة والشريعة، ولم يشتغلوا على مشروع اقتصادي وتنموي، يعود بالنفع على المواطن والبلاد. لذلك فشلوا وسقطوا، فعزلوا.

لكن هل هناك تغيير أو "تجديد"، بلغة أدق، حصل مؤخرا لجماعة الإخوان المسلمين، على مستوى الفكر وعلى مستوى الممارسة؟

الأخوان في مصر متأخرون عن باقي الإخوان في الوطن العربي. لم يقوموا بأي عملية مراجعة فكرية، لأنهم طوال الوقت بين تأثير تيارين يتحكمان داخليا في تنظيمه؛ تيار قطبي (نسبة إلى سيد قطب)، وهو تيار متشدد يجد نفسه دائما في صراع مع التيار الآخر "التلمساني" (نسبة إلى عمر التلمساني). إذن الجماعة في انشغالها طوال الوقت بين الجناحين داخلها ومحاولة تحكم أحدهما في الآخر.

منذ نهاية التسعينات حتى هذه اللحظة، استطاع التيار القطبي السيطرة وتغليب الكفة لصالحه داخل الجماعة، وتوقف الإصلاح داخلها فأصبحت متكلسة ومتزمتة أكثر من الماضي. بل عادوا إلى أفكار قديمة، لدرجة أنهم أصبحوا يتحدثون عن دفع الصائل (حكم الاعتداء في الشريعة الاسلامية)، وعن قتال الطائفة والجناح المسلح.. الخ.

التغيير الآخر الذي حصل داخل جماعة الإخوان المسلمين، هو نتيجة حالة "الترييف" (نسبة إلى الريف). أي هجرة سكان الريف والصعيد إلى المدن. جماعة الإخوان وصلت لهذه الحالة لأن أغلب قادتها من الريف. وسكان هذه المناطق كما يعرف الكل، لهم رؤية مختلفة تجاه المجتمع المدني، وهذا أثر على تحركات الإخوان وتفكيرها.

وكيف أثرت السلطة في الإخوان المسلمين، وهل حاولوا توحيد "المشروع الإسلامي" بما فيه المتشدد، بعد توليهم زمام الحكم؟

الإخوان المسلمين وصلوا إلى السلطة في لحظة فارقة لم يكونوا مستعدين لها. مما دفعها إلى التحالف مع اناس كانت تلتقي معهم من قبل. فرأينا لأول مرة في تاريخ الإخوان، أن السلفية الجهادية تقف على منصة واحدة في "رابعة" وغيرها، وتتحالف معهم. ونتج عن هذا الأمر مواجهة مع مؤسسات الدولة القائمة.

كان من المفترض أن تعمل جماعة الإخوان من داخل مؤسسات الدولة، لا أن تنقلب على مؤسسة القضاء والجيش والإعلام وما إلى ذلك. أرى أن الجماعة أضحت غير مرغوب فيها في مصر، لأن قطاعا كبيرا من الشعب كفر بها.

النفور من الجماعة، خول للأجهزة الأمنية أن تمتد وتتوغل وتتمادى أكثر داخل فئات الشعب. المواطن المصري لم ير أي مشروع تنموي للإخوان المسلمين، وبالتالي ليس هناك تعاطف معهم. وإن كان لا يزال هناك بعض التعاطف فهو موجود في أقصى الصعيد، لكن يظل بشكل محدود.

وبصورة عكسية، ما هي سياسة الدولة المصرية، تجاه الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية؟

الدولة المصرية تنتهج حاليا سياسة القضاء على الجماعة نهائيا وإقصائها تماما. حيث سجنت أعضاءها فانقسموا إلى قسم فرّ إلى خارج البلاد، وقسم آخر في السجون، وإلى قسم انعزل كليا عن التنظيم، ثم قسم آخر يعمل في مجموعات محدودة.

الحكومات العربية بما فيها مصر، دائما تبحث عن ديكور للسلطة يكون من الاسلاميين. فحتى عندما تم عزل الإخوان المسلمين، وجدت السلطة في مصر تيار السلفيين وحزب النور. وطوال الوقت كان التيار اليميني في الحكم، يبحث عن نخبة دينية، جزء منها من هذه الجماعات.

المجتمع لا حاجة له بوجود جماعات إسلامية، لكن السلطة ترى أن هناك ضرورة وجود هذا التيار، جزء منه مؤيد لها. الاخوان في فترة السبعينات وصولا إلى التسعينات كانوا الأنسب لتلك الفترة، والآن التيار السلفي هو الأنسب للسلطة الحالية.

صورة لآخر إصدارات الكاتب ماهر فرغلي

بعد سلسلة من الأزمات السياسية والدينية، هل تفضل نظام الملكية أو الجمهورية لحكم مصر ؟

(يضحك) هذا السؤال سيجلب علي الويلات.. أنا أفضل أن تصير الملكية الدستورية في مصر كما هنا بالمغرب، حيث يكون نظام حكم يعطي دورا للأحزاب السياسية، ويفتح المجال أكثر لممارسة الديمقراطية.

في المغرب مثلا، الحركات الإسلامية استطاعت أن تفقز على أخطاء الجماعات الأصولية في مصر. لأنها أولها اشتغلت على مشروع "رعاية الرعية"، ولم تشتغل على مشروع الهوية؛ كالخلافة والشريعة. ومن هنا عملت الحركات الإسلامية بالمغرب داخل الدستور وداخل نظام أمير المؤمنين القائم وقداسته، وعملت تحت لوائه في المشاريع الاقتصادية والتنموية. ولهذا في رأيي فهي ناجحة.

شهدنا حالات عنف متكررة في مصر، كما حصل مؤخرا بـ"مجزرة سيناء" حيث قتل المئات داخل مسجد. كيف تحارب مصر الإرهاب وتجفف منابعه؟

الإرهابيون من داعش تسببوا في مجزرة سيناء التي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى. لذلك تحاول مصر حاليا وقف منابع تمويل الإرهاب، عبر مصادرة المساجد من زمام الجماعات الإرهابية. وتقوم باحتواء بعض الجماعات الأخرى، كالتيار السلفي، إلى صف النظام الحاكم. بالإضافة إلى أنها تضرب كل القوى في المناطق والبؤر الإرهابية كسيناء ومحافظة القليوبية، وكذلك القوة المتواجدة خارج مصر كداعش بليبيا والمناطق الحدودية.

النظام الحاكم في مصر يحاول القضاء على الإرهابيين عبر محاكمتهم بشكل أسرع، وبسجنهم لمدد أطول بأحكام طويلة تصل لـ25 عاما سجنا. فضلا عن دعمه للمراجعات الفكرية بشكل فردي وليس جماعي. في الغالب مصر تعتمد مقاربة أمنية لمحاربة الإرهاب، لكن لا توجد لديها أية مقاربة فكرية لمواجهة التطرف. وهذا الأمر لا يكفي ويشكل خطرا يهدد مستقبل مصر، لكون الأفكار المؤسسة للإرهاب لا تزال قائمة وتتمدد.