كتاب.. "أخنيفيس" جنة جنوب المغرب بعيون عاشقها (فيديو وصور)

المصطفى أزوكاح

عندما تبتعد عن مدينة طرفاية، وتنخرط في الطريق الصحراوي الذي تزحف عليه الكتبان الرملية بعناد كبير، تلوح لك لوحة تشير إلى "محمية أخنيفيس"، وعندما تسأل الممسوسين بجمال المحمية عنها، يشرعون في الحديث عن مفاتنها.

المحمية ليست سوى وجها فاتنا من "أخنيفيس طرفاية"، التي يحتفي بها كريم أنكاي في كتابه الجديد "Khenifiss de Tarfaya, la légende du petit scarabée"، الذي يريد من ورائه لفت الانتباه إلى سحر المنطقة والتنبيه إلى ضرورة التعاطي معها ودخولها بـ"احترام" من أجل الحفاظ على توازنها الهش.

تبعد خنيفيس بخمسمائة كلم جنوب مدينة أكادير ومائتي كيلومتر شمال مدينة العيون، لا تحتاج إلى أن تبرح مكانك، يكفيك الاطلاع على ما تضمنه من وصف شاعري، ينم عن شغف بالمنطقة، والأكيد أن الكاتب سينقل إليك ذلك الشغف، الذي سيؤجج الفضول لزيارة "أخنيفيس"، فهو يأمل في أن يساعد كتابه الجمهور المغربي على حب المنطقة وحمايتها.

من سبقت لهم زيارة المنطقة، سيستحضرون  واحة  النعيلة الشهيرة. واحة تشكلت من مياه البحر على مسافة عشرين كيلومترا وسط الكتبان الرملية. مراكب ترسو في ميناء صغير يعرض أصحابها خدماتهم للمسكونين بالصيد.

وفي الكثير من الأحيان، يخرج الصيادون خاليي الوفاض، لكنهم يكونون سعداء باللحظات الناذرة التي قضوها وسط البحيرة. في غالب الأحيان، لا يكون أولئك الصيادون ممن يبحثون عن رزقهم في البحيرة، بل هم  سياح تستهويهم البحيرة بين نونبر وفبراير من كل سنة، ليحطوا الرحال بساحة تطل على الميناء، حيث ترسو في تلك الفترة مقطورات السياح الذين يحلون بالبحيرة.

تلك المنطقة الهادئة تنام على تاريخ تليد، فخلف التنوع الطبيعي الذي تمنحه، يبحث "أنكاي" عن البعد الإنساني الذي طبع تاريخ منطقة عبور، ورهانات حضارية متنوعة منذ القدم. منطقة لم تسلم من أطماع المستعمرين، الذين استهوتهم خيراتها السمكية، وموقعها الجغرافي الذي يأتي في ملتقى القوافل، والخيرات الطبيعة التي لا حصر لها. هذا جانب يؤكد عليه الكتاب كثيرا.

أغلب السياح يحلون بالمنطقة مأخوذين بساحلها الذي يظهر ويختفى حسب علو الكتبان الرملية، وأكثرهم يأتون من أجل ممارسة هواية صيد الأسماك التي تمنح نفسها لهم بالكثير من السخاء. ساحل يعانق بحيرة تستقطب العشرات من الآلاف من الطيور المهاجرة، كما تجذب الرحالة الباحثين عن مياه الآبار، قبل الغوص في الصحراء، التي تكشف عن الكثير من الأسرار التي تعود إلى البدايات الأولى للبشرية، فالأموات وبقاياهم تضي طابعا إنسانيا أكثر من الأحياء، على أماكن، كان ستبدو غير جديرة  بالاعتبار.

في كتابه "Khenifiss de Tarfaya, la légende du petit scarabée"، الصادر عن دار النشر المغربية "La Croisée des Chemins"،احتفاء بذلك المكان وذاكرته التاريخية وآثار الناس الذي عبروه على مر العصور، في ذات الوقت، الذي يلح فيه على ضرورة صيانة عذريته من عبث بني البشر.

يؤكد كريم أنكاي، في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، على أن المنطقة حافظت على جمالها عبر بعدها، لكنها أضحت تجذب الناس، ما من شأنه أن يهدد توازنها الهش، هو توازن عرف أهل المنطقة كيف يحافظون عليه، حيث لم يخرقوا نواميسها، كي تنعم عليهم بخيراتها والطمأنينة التي نستشفها من ثنايا الكتاب.

وراء ذلك الشغف الذي ترسخ لدى كريم أنكاي، بعد مساهمته بين 2004 و2006، في إحداث المنتزه الوطني لأخنفيس، معرفة علمية كبيرة، فقد تخصص في جامعتي ستراسبورغ وفرايبورغ في الإيكولوجيا وعلم الحيوان Zoologie، واكتسب خبرة دولية عميقة في حماية الأنواع التي يتهددها الانقراض، قبل أن يعود إلى المغرب، حيث تولى الإشراف على مشاريع بيئية ومستدامة من قبيل الزراعات البديلة بالريف وتثمين الصبار بمنطقة كلميم وتطوير المنتجات المحلية في مناطق الواحات والصحراء بجنوب المغرب.

أسلوبه الشاعري، الذي يبسط الحقائق العلمية والطبيعية الأكثر تعقيدا، ينم عن شغف بمنطقة عاش بها سنوات، والتي يخشى العبث بعذريتها من قبل بني البشر، فقد كانت محمية ببعدها عن الطريق التي مدت إليها في الأعوام الأخيرة، هذا ما يدفعه إلى التعامل معها من قبل زوارها باحترام، بعيدا عن الهواجس الاستهلاكية، ذلك الاحترام الذي يستدعيها الحب الذي يراه مقدمة لكل راغب في الحلول بالمنطقة.

لم تغب أهمية المنطقة عن انتباه ناشر الكتاب عبد القادر الرتناني، الذي أوصى، في لقاء حول الإصدار الجديد، في الأسبوع الماضي، بتعميمه على الطلبة على المستوى الوطني للاستفادة منه، معتبرا أن المنطقة التي تستقبل المتخصصين والخبراء والمهتمين محليا ودوليا بالشأن البيئي، والحيوانات والطيور، تستحق المحافظة عليها لما تزخر به من مؤهلات طبيعية.

ولن تعدم من يؤكد لك بأن «أخنيفيس» شكلت خلفية لكتاب المبدع الفرنسي، سانت إيكزوبري «الأمير الصغير»، الذي لم ينل الزمن من شهرته، فهو الأكثر مبيعا في العالم مع القرآن والإنجيل وكتاب رأسمال المال لصاحبه ماركس. المنطقة تحتفي بالكاتب، الذي خصصت له متحفا يحمل اسمه.