مفكرون ومعتقلون سياسيون يبعثون ماركس من تحت رماد القيم الرقمية

فعاليات ندوة ماركس اليوم خلال مهرجان ثويزا بطنجة
أحمد مدياني

من وحي زمن حلقات النقاش الفكرية التي كانت تحتضنها الجامعات المغربية في زمن مضى، وأقرب إلى السجال الأيديولجي الذي كان يصبغ الاختلافات والخلافات بين مختلف روافد اليساريين المغاربة، التأم الرفاق القدمى والمفكرون المحسوبون على صف اليسار لنقاش "كارل ماركس.. يوم"، في سياق التحولات التي شهدها ويشهدها الفكر الاشتراكي حول العالم وفي المحيط العربي والمغاربي والمغربي.

أعلام الفكر الاشتراكي ابتداء من مؤسسه كارل ماركس ورفيق دره إنجليز، أعادتها إلى الأذهان أسماء قادها الفكر خلال سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات إلى الاعتقال لسنوات طويلة، وأخرى انتقلت من الفعل السياسي والتنظيمي إلى الفكر وإنتاج المعرفة، وذلك في اطار فعاليات الدورة الـ15 لمهرجان "ثويزا" الذي تنظمه مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة، على امتداد أيام 25 و26 و27 و28 يوليوز الجاري.

حضر المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، وأحد مؤسسي اليسار في لبنان ومفكريه فواز طرابلسي، والمثقف المغربي نور الدين العوفي، والمفكر والكاتب والمثقف العراقي عبد الحسين شعبان، بالإضافة إلى المعتقل السياسي السابق والمفكر علال الأزهر، والقيادي اليساري والمعتقل السياسي السابق محمد الحبيب بن طالب، والمعتقل السياسي السابق عبد الرحمان النوضة، وناشط السياسي والحقوقي عبد الباري الطيار، حلقة نقاش كلف بسييرها أحد القيادات السابقين للاتحاد الوطني لطلبة المغرب عبد العزيز الوديي.

أسماء استقطبت وجوها يسارية بارزة حضرت الندوة التي حاول من خلالها المتدخلون إعاد اخراج نقاش "استمرار الحاجة للفكر الماركسي" على ضوء التحولات التي شهدها العالم ما بين فترة النشأة في كنف ألمانيا، مروراً  بالثورات التي شهدتها أوروبا خاصة في فرنسا والثورة البلشفية التي قادها فلادمير لنين، وصولاً إلى بزوغ الفكر الاشتراكي في الدول العربية والمغاربية.

جل المتدخلين أجمعوا على أن "ماركس ظل حاضرا في أزمة الرأسمالية وغائيا في أزمة الاشتراكية"، في إشارة إلى عدم قدرة "المجديدين" للفكر الماركسي إن صح التعبير، على إيجاد أجوبة للأسباب الذاتية والموضوعية لانحصار الفكر ما بعد مرحلة المد والصعود.

وأجمعت التدخلات على غياب النقد الذاتي في كل التجارب الياسرية التي نشأت في محيط العربي والمغاربي، وما رافق ذلك من أخطاء كانت بمصدرها بالأساس التنظيمات السياسية التي قادت مشروع تنزيله على أرض الواقع، فضلا عن عدم قدرة هذه التنظيمات على ضمان استمرار المدارس الفكرية التي أسستها وكانت في وقت مضى ناجحة في استقطاب عدد من الأسماء التي طبعت التاريخ السياسي والفكري والثقافي المعاصر.

وأعاد المتدخلون طرح مجموعة من التجارب خاصة في المغرب، وما رافقها من صراعات وإنشقاقات قادت إلى تفكك الفعل السياسي في بعده اليساري، ورغم أنهم كانوا مساهمين بشكل مباشر في عدد من تجارب الأحزاب والحركات والتنظيمات اليسارية المغربية، إلا أنهم تحدثوا وكأنهم كانوا في موقع الملاحظين فقط، دون استحضار للبوح بمبدأ النقد الذاتي الذي دفعوا به في مداخلاتهم.

وإن كانت جل المداخلات تنهل من التاريخ والماضي، حاول المشاركون في اغناء اللقاء حول الفكر الماركسي اليوم، طرح ضرورة تجديد الخطاب والآلايات، خاصة منها التنظيمية، للإجابة على إنتظارات من يطمعون دائماً في إقناعهم بجدوى الحاجة إلى أفكار اليسار لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.

تدخلات المشاركين في الندوة حاولت كذلك الاقتراب قليلاً، وإن لم توفق، في الإجابة عن ما يحمله شباب اليوم من هموم وكيف أصبحوا يصرفون مواقفهم بالنظر إلى الوسائل والأدوات والوسائط الجديدة، وكيف تحولت هذه الأخيرة إلى منصاب بديلة عن التنظيمات الكلاسيكية ووسائل التعبئة والتأطير والاستقطاب.

ورغم تفنيد المتدخلين لمقولة "موت الأيديولوجية" والإجهاز على "الفكر"، ودفعهم بالحاجة الدائمة إليهما في المجتمعات، بالنظر إلى أنهما محددان أساسيان في تحديد بنيات هذه المجتمعات، ودائماً، دون تقديم إجابات كافية عن الصيغة التي يمكن من خلالها وضع قالب يستوعب التحولات المجتمعية الجديدة والطارئة في تحديد الوعي الذاتي والجماعي للفرد والأفراد. رغم تشديدهم على الدور المهم للإيديولجية في ضمان تملك ثلاثة أسلحة محددة في الصراع وهي: التوحيد والتحريض والاستقطاب. فضلا عن ما توفره من إمكاينة التمييز داخل المجتمعات بين المنتمين دون خلط.