هل تقف العدل والإحسان وراء الاحتجاجات بالمغرب؟

قيادات جماعة العدل والإحسان
أحمد مدياني

كلما انتقل تدبير الدولة لتعاطيها مع الحركات الاحتجاجية، من مرحلة المقاربة السياسية ونهج التفاوض إلى المقاربة الأمنية والتعامل بحزم، تلقي باللائمة على جماعة العدل والإحسان، وتتهمها بـ"استغلال هذه الاحتجاجات والركوب عليها، وتحويل بوصلتها من وجهة المطالب الاقتصادية والاجتماعية والنقابية التي انطلقت لأجلها، إلى وجهة المزايدات السياسية والبحث عن تأزيم الأوضاع".

فمنذ زمن انطلاق حركة 20 فبراير مروراً بانتفاضة الشمال ضد شركة "أمانديس" وحراك "جرادة"، مروراً بالتطورات التي عرفها "حراك الريف"، ووصولاً إلى إضراب "الأساتذة المتعاقدين" ومقاطعة طلبة الطب للدراسة والامتحانات، كانت ولاتزال جماعة عبد السلام ياسين في مرمى نيران السلطات التي تتهمها بالركوب على الاحتجاجات وتأجيجها، فهل تقف جماعة العدل والإحسان فعلا وراء الاحتجاجات التي عرفها المغرب؟ وإذا كانت الجماعة بكل هذه القوة، أليس من الأسلم البحث عن حل سياسي معها، عوض سياسة الآذان الصماء وكسر العظام؟

الأغلبية ليست على قلب رجل واحد

"المنهجية المعتمدة من طرف تنسيقية الطلبة، ليست بالمرة منهجية طلابية، أنا آسف. كنت طالبا وأعرف الطلبة. ويمكن أن أؤكد لك أن ما يجري لا علاقة له بتصرفات الطلبة. إنها منهجية شديدة التنظيم، ومتقنة التطبيق، وجيدة التوظيف، وهائلة التنسيق تطبيقا وتحريرا..." .

هكذا تحدث سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، في حواره مع "تيل كيل"، وهو يقصد أن "جماعة العدل والإحسان هي من تحرك طلبة كليات الطب والصيدلة وتتخذ قرارتهم وتصيغ بلاغاتهم نيابة عنهم ثم تدفعهم لتصريفها".

هذا الموقف عبر عنه أيضا الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الذي لم يقدم معطيات تفصيلية لما بنت عليه الحكومة موقفها، مكتفيا في اتصال مع "تيل كيل عربي" بالقول "ما جاء على لسان وزير التربية والوطنية هو موقف الحكومة، ولا يمكن أن أضيف أكثر حول الموضوع".

لكن يبدو أن الحكومة لم تكن على قلب رجل واحد في اتهام العدل والإحسان. فقد وصف مصدر قيادي من أحزاب الأغلبية الأجواء التي مر فيها اجتماع قيادتها، الذي تقرر فيه توجيه الاتهام لجماعة مؤسسها الراحل عبد السلام ياسين، بـ"المتوترة".

ويستطرد  مصدر "تيل كيل عربي": "اجتماع الأغلبية عرف بروز رأيين، الأول يدفع بضرورة اعتماد مقاربة سياسية لملف الطلبة والاستمرار في الحوار معهم مع تغليب دور الأحزاب، ورأي آخر شدد على ضرورة اعتماد المقاربة الأمنية واللجوء إلى وزارة الداخلية قصد توجيه استدعاءات لأولياء أمور الطلبة من أجل الضغط عليهم، مع تحميل جماعة العدل والإحسان المسؤولية وراء تأزيم الملف".

هذا الخلاف في الرأي سيظهر جليا في بلاغ المكتب السياسي لـحزب التقدم والاشتراكية، بتاريخ 18 يونيو الجاري، والذي جاء فيه "يعرب المكتب السياسي عن يقينه في إمكانية إيجاد حل مناسب لملف طلبة كليات الطب والصيدلة، ويدعو إلى تغليب لغة الحوار والعقل... يدعو كافة الأطراف المعنية إلى تغليب العقل والحكمة وتفادي التشنج وشد الحبل، والحرص على التحلي بالاتزان والتبصر والمسؤولية، والسعي المشترك نحو حسن تدبير الملف، وتجنب السقوط في ارتكاب أخطاء سواء من خلال اتخاذ إجراءات وقرارات لا تساهم في تهدئة الأوضاع، أو عبر إنتاج مواقف تُـفــاقِــمُ الوضع أكثر مما تساهم في انفراجه".

الجماعة.. فاعل أم متفرج؟

في مقابل اتهامها كل مرة بـ"الركوب على الاحتجاجات وتوجيهها لما يخدم أجنداتها المعلنة وغير المعلنة"، تدافع جماعة العدل والإحسان عن اختياراتها، فهي تقر بأنها تشارك في الاحتجاجات، لكنها تنفي عن نفسها تهمة الوقوف وراء هذه الاحتجاجات أو التحكم فيها أو وتأجيجها.

عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، حسن بن ناجح، يقول  في تصريح لـ"تيل كيل عربي": "التدقيق في انتماءات جميع المنخرطين في الحركات الاحتجاجية سوف يقود إلى وجود نشطاء من مختلف التعبيرات السياسية، لكن في كل مرة يتم التركيز فقط على أعضاء جماعة العدل والإحسان".

لماذا؟

يعتبر القيادي في الجماعة أن العدل والإحسان "تحولت إلى شماعة تستغلها الدولة من أجل اللجوء إلى المقاربة الأمنية للتغطية على فشل الحكومة في معالجة الملفات المطلبية المطروحة وفشلها أيضاً في التفاوض لحلها".

هذا الرأي لا يتقاسمه الجميع مع قيادة العدل والإحسان. أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية،  محمد زين الدين، يتبنى رأيا آخر، ويرى  أن "الجماعة تتحمل بالفعل مسؤولية تأزيم عدد من الملفات المطلبية وتحريف مسار الحركات الاحتجاجية التي تنطلق على أساس اجتماعي أو اقتصادي أو نقابي".

ويوضح زين الدين أن "العدل والإحسان لا تكون هي السباقة إلى إطلاق جل الحركات الاحتجاجية، بل تترك المبادرة لقوى سياسية أو نقابية أو جمعوية أخرى، ثم تلتحق في زمن محدد وتفرض تأسيس تنسيقيات تتخذ قرارات تهم مصير أي تحرك".

هذا التحليل لتعاطي الجماعة مع الحركات الاحتجاجية يرفضه حسن بناجح، ويدفع بأن "العدل والإحسان جزء من المجتمع ولا يمكن أن تبقى في وضع المتفرج على قضايا تحوز إجماع مختلف الفئات والتعبيرات السياسية، والتي تؤكد في بداية أي حراك أو احتجاج مشروعية المطالب، بما في ذلك الدولة التي تتجاوب في البداية معها وتدخل في حوار مع من يقودها".

ويقدم عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، دفاعاً عن "استقلالية" الحركات الاحتجاجية والاجتماعية والنقابية التي تدعمها، مثلاً بـ"تنسيقية الأساتذة المتعاقدين" و"تنسيقية طلبة كليات الطب": "الأساتذة والطلبة كانوا ينظمون جموعاً عامة يحضرها منتمون لمختلف الفئات، وتتخذ قراراتها بالإجماع، لا يمكن هنا أن تملك العدل والإحسان كل هذه القوة للتأثير على قرارات أساتذة وطلبة، منهم من هم منتمون سياسيا لأحزاب وهيئات تختلف معها الجماعة في كل شيء". ويواصل بناجح "طلبة الطب مثلاً مدعمون من طرف أولياء أمورهم، وهؤلاء ينحدرون من شرائح اجتماعية مختلفة، ليسوا كلهم أعضاء في جماعة العدل والإحسان".

مصطفى البراهمة،  الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي، أحد أحزاب أقصى اليسار الذي اختار التنسيق ميدانياً مع جماعة العدل والإحسان وحصل تقارب سياسي إلى حد كبير في ما بينهما، يرفض "اعتبار الجماعة القوة الوحيدة لأي تحرك مجتمعي"، ويقدم رأيه انطلاقا من  أن حزبه اختار التنسيق مع الجماعة في المظاهرات والاحتجاجات التي يعرفها المغرب، وهو مطلع عن كثب على ما يجري في الواقع.

 يقول الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي في تصريحه لـ"تيل كيل عربي": "اتهام العدل والإحسان مشجب تعلق عليه الحكومة فشلها عوض معالجة الملفات والمشاكل الحقيقية"، مستخلصا أن "الاحتجاجات في المغرب قائمة لأن هناك أسبابا موضوعية لاستمرارها، سواء كانت العدل والإحسان أم لم تكن، وهذا الأمر لا يغير في الأمر شيء".

ماذا يقول قادة الحراك ؟

مصطفى دعنين أحد قيادات "حراك جرادة"،  والذي غادر السجن مؤخراً، يقول في حديث مع "تيل كيل عربي" إن "أعضاء الجماعة لم تكن لهم يد طويلة في حراك جرادة، فالاحتجاجات انطلقت شعبية وعفوية، وكان يقودها الشباب وهم من أطروها". ويضيف شاركت وجوه من  العدل والإحسان داخل تنسيقيات الأحياء التي تأسست خلال "حراك جرادة"، لكن لم يكن لها "تأثير كبير في الحراك".

مقابل ذلك، يعتقد دعنين أن ما منح "حراك جرادة القوة، هو مشروعية المطالب، وما كان ينقصه هو الحوار الجاد، والثقة بين الشباب والمسؤولين في المنطقة، بالإضافة إلى عدم الالتزام بالوعود التي أطلقت، واختيار تنفيذ مشاريع ترقيعية لفائدة الشباب مرتبطة أساسا بساندريات الفحم التي يجب أن تغلق، لأنه في ظل استمرار وجودها، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني قد يحدث في أي لحظة حادث آخر يعيد الاحتجاجات إلى الواجهة".

ويطرح دعنين هنا تساؤلاً حول مآل لجنة تقصي الحقائق التي شُكلت داخل مجلس المستشارين ثم "أقبرت" على حد تعبيره، ويرى أن هذه اللجنة كان يمكن أن تقدم "إجابات كثيرة حول الحراك ومن يقف وراءه ولماذا وصلت الأمور وتطورت الأحداث إلى أن بلغت مداها ؟"

عندما نعود إلى الاحتجاجات التي عرفتها مدينة طنجة ضد ارتفاع فواتير الماء والكهرباء، يخبرنا حسن حداد، أحد أبرز الوجوه التي قادت تنسيقية الاحتجاج  أن "الاستمرار في اتهام العدل والإحسان يفرغ الأشكال الاحتجاجية من قيمتها ومشروعيتها، ويحجب مطالبها المشروعة". وخلص المتحدث ذاته إلى أن "ما يمنح قوة استمرار الاحتجاجات وزخمها، مثل ما حدث في طنجة ضد شركة (أمانديس)، هو قوة المطالب المرفوعة وتعبيرها عن هموم وانتظارات المتضررين".

في "حراك الريف" كان الأمر مختلفاً يقول الأستاذ الجامعي خالد البكري، وهو أحد المطلعين بشكل جيد وقريب جدا من الملف وتطوراته، ويرى أن الجماعة وظفت بشكل ذكي تفاعلها مع الملف واستفادة منه على نحو مختلف بالمقارنة مع باق الحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب.

ويشرح خالد البكاري في حديثه لـ"تيل كيل عربي" وجهة نظره بالقول: "قبل الحديث عن مستوى وحجم مساهمة جماعة العدل والإحسان في حراك الريف، يجدر أن نحدد الخريطة السياسية الواقعية بالمنطقة، ففي هذه المنطقة التي توصف عادة على أنها محافظة، نجد مفارقة، تتمثل في ضعف حركات الإسلام السياسي بها، فإلى حدود التسعينيات كان شباب المنطقة ينضوون تحت لواء التنظيمات اليسارية الجذرية، وهو ما كان واضحا مثلا في جامعات وجدة وفاس وتطوان، واستمر الوضع كما هو فضلا عن بروز قوة أخرى تتمثل في حركة الثقافة الأمازيغية".

ويخلص الأستاذ الجامعي على أنه "لا وجود ميداني قوي في الريف لجماعة العدل والإحسان رغم أن أمينها العام العبادي من أصول ريفية، كما لا وجود معتبر لباقي حركات الإسلام السياسي. الدولة كانت تعرف أن مساهمة العدل والإحسان في الحراك تنحصر في مشاركة أنصارها في الاحتجاجات كباقي المواطنين، دون أن تؤثر في الحراك، بل لم يكن أعضاؤها يشاركون في اللجان التي كانت تنسق فعاليات الحراك السلمي، وهذا ما يفسر أنه لا يوجد أي معتقل من الجماعة ضمن العدد الكبير من معتقلي حراك الريف".

من أين، إذن، جاءت شبهة وقوف الجماعة وراء الحراك؟

يقول البكاري "في البداية تم توظيف أوراق (عناصر انفصالية من الخارج) و(تجار المخدرات)، ولم يكن هناك حديث عن أدوار لجماعة العدل والإحسان، التي بدأ الحديث عنها بعد انطلاق موجة الاعتقالات وأثناء وبعد محاكمة المعتقلين المرحلين إلى عكاشة، لأن دورها خلال هذه المرحلة بدأ يظهر بجلاء في لجن الدعم والدفاع".

ماذا تستفيد الجماعة؟

عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة حسن بناجح، يصف دعمها للحركات الاحتجاجية بـ"الواجب أكثر من بحثها عن الاستفادة"، ويدفع المتحدث ذاته بأن الجماعة تقدم "ضريبة الدعم" أكثر مما "تحصد ثماره"، ويقدم ما اعتبره دليلاً على ذلك بـ"تشميع بيوت قيادييها وطرد عدد من أطرها والاعتقالات التي تطال أعضاءها".

رأي مخالف يعبر عنه أستاذ العلوم السياسية محمد الزين الدين، والذي شدد على أن الجماعة "تستفيد حسب منهجها من دعم الحركات الاحتجاجية والإنخراط فيها في الوقت المناسب لأجنداتها".

ويشرح الأستاذ زين الدين رأيه بتشريح ما يقع خلال مسار أي شكل احتجاجي أو حركة مطلبية، وقال في هذا الصدد: "كلما التحق أعضاء جماعة العدل والإحسان بحركة ما يتم فرض تأسيس تنسيقية تعبر عنها، وهنا يتم تهميش دور الوسائط التقليدية التي تكون هي المبادرة للتأسيس لأي فعل احتجاجي، سواء كانت هذه الوسائط أحزابا أو نقابات أو منظمات جمعوية، وعندما تؤسس التنسيقيات ينتقل حسم القرار من المبادرين إلى الملتحقين أي أعضاء الجماعة، وهنا يبدأ التوظيف السياسي بالنظر إلى الضعف التنظيمي الذي تعاني منه الوسائط التي تحدثنا عنها".

لكن هل هناك استفادة ملموسة يمكن قياس حجمها لصالح العدل والإحسان؟

سؤال يجيب عنه أستاذ العلوم السياسية بالقول: "نعم هناك استفادة على ثلاثة مستويات، وهي: أولاً تسجيل المواقف ضد الدولة وإظهار أنها فاشلة في تدبير مختلف الملفات رغم اختيارها للحوار مع أصحاب الحقوق والمطالب. وفي أحيان كثيرة، تصل معهم إلى توافقات يتم نسفها من طرف أعضاء الجماعة.

ثانيا، اختبار موازين القوى في كل مرة، وهو سلوك تنهجه الجماعة منذ تأسيسها، أي أنها تقيس نبض رد فعل الدولة، إن تعاطت الأخيرة بحزم وصرامة مع الملفات الاحتجاجية المطروحة تتراجع العدل والإحسان إلى الوراء وتكتفي بإصدار المواقف دون الاستمرار في الانخراط الفعلي، وإن لاحظت مهادنة تستغلها لرفع السقف.

ثالثاً، محاولة إبراز استمرارها في الساحة رغم وفاة زعيمها المؤسس عبد السلام ياسين واختفاء نجلته نادية ياسين التي كانت تمثل التعبير السياسي لمواقف الجماعة، وهنا يجب أن نستحضر ضعف كاريزما قياداتها الحالية".

الأستاذ الجامعي خالد البكاري يقدم  تحليلاً مختلفا لما وقع في "حراك الريف"، ويخلص فيه إلى أنه "بعد موجة الاعتقالات، وخلال المحاكمات،  لعبت الجماعة دورا ملحوظا سواء في المسيرات الوطنية أو الوقفات الداعمة للحراك والمعتقلين، وساهمت بقوة في لجن دعمهم في مدن عديدة وخصوصا الدار البيضاء، كما كان لها حضور قوي في هيئة الدفاع عن المعتقلين، بمعنى أن حضور العدل والإحسان كان في فعاليات التضامن مع الحراك، لا في الحراك الذي كان في الريف، وأعتقد أن هذا أمر عاد، باعتبار الجماعة تنظيما معارضا".

وفي هذه المرحلة، يضيف البكاري "وبعد تآكل سردية الانفصال، بدأت الدولة تشير بأصابع الاتهام للجماعة، خصوصا وأنها استشعرت أن الجماعة عبر سياسة دعم الحراك دون التدخل في قراراته، استطاعت أن تحظى بتعاطف في أوساط الريفيين وخصوصا في أوساط عائلات المعتقلين، ولذلك سنجدها هي التنظيم الوحيد الذي لم يوجه له النشطاء بالمنطقة اتهامات بالركوب على نضالاتهم. يمكن أن نقول إن الجماعة تعاملت مع الحراك بذكاء، و استطاعت أن تحول ضعف حضورها بالمنطقة لعامل قوة على مستوى التضامن وطنيا دون أن تتورط في الخلافات التي ظهرت لاحقا داخل جسم الحراك".

هل من تسوية ؟

يطرح الكثيرون سؤالا وجيها: لماذا لا تختصر الدولة المسافة، و تبحث عن حل سياسي مع الجماعة؟ أم أن الحل مع الجماعة مستحيل؟

يرى  حسن بناجح أن  الجماعة لديها رغبة في تأسيس حزب سياسي وجمعيات، وتبحث عن الاعتراف بنشاطها لكن دون فرض وجهة النظر الواحدة من طرف ما يصفه بـ"المخزن".

حديث عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، يعيد إلى الأذهان محاولات كثيرة غير معلنة للوصول إلى توافق حول السماح لها بدخول دائرة "اللعبة السياسية" من بوابة تأسيس حزب سياسي، محاولات قادها رجالات الدولة عبر مفاوضات مباشرة مع مؤسسها الراحل عبد السلام ياسين.

لكن لماذا فشلت كل مبادرات إدخال الجماعة إلى رقعة العمل السياسي المنظم والمعترف به من طرف الدولة؟

الجواب على لسان أستاذ العلوم السياسية محمد زين الدين، والذي يرى أن "تأسيس الجماعة لحزب يتوقف عند ما يدور داخلها، وهنا يتم مساءلتها دائما حول مواقفها المعلنة في السابق، وهل قامت بمراجعات تجاهها قبل أن يسمح لها بتأسيس إطار أو إطارات تابعة لها".

وتابع زين الدين حديثه عن مستقبل العلاقة بين الدولة والجماعة بالقول: "إذا لم تتخذ الجماعة مواقف معلنة تجاه أطروحات عبد السلام ياسين التي تأسست على نهجها، لا يمكن أبداً حصول توافق تجاه ملفها، الجماعة لم تعلن إلى اليوم مواقف صريحة ومباشرة تجاه طبيعة الدولة التي تريد وإمارة المؤمنين والبيعة والتداول على السلطة وما إلى ذلك من أدبيات تشكل عصب نشأتها واستمراراها".

رغم ذلك، يضيف زين الدين فإن الدولة تتعامل مع العدل والإحسان بمنطق "عتاب الأحبة"، ويشرح ذلك بالقول: "ليس هناك إجراءات زجرية بما تحمله الكلمة من معنى وتطبيق على أرض الواقع تجاه أعضاء الجماعة. الدولة لا تتعامل بصرامة تجاه تنظيم يعتبر أعضاؤه أنه ممنوع من ممارسة أنشطته، وإذا أخذنا كيف تتعامل دول أخرى مع تنظيمات تنازعها على أسس الشرعية والمشروعية سنجد أن الدولة المغربية تترك هامشاً واسعاً لتحرك العدل والإحسان".

ويفسر زين الدين تعامل الدولة بـالرغبة في "ترك الباب مفتوحاً أمام مراجعات تصدر عن الجماعة دون أن يطلب منها ذلك، واستثمار انخراط مجموعة من أعضائها في العمل النقابي والجمعوي المنظم، بل انصهار عدد منهم في تعبيرات سياسية تفرض الجلوس إلى طاولة واحدة مع تعبيرات سياسية لا تتفق إطلاقا مع منهج الجماعة".

الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي مصطفى البراهمة، لخص مستقبل العلاقة بين الجماعة والدولة بالقول، إن "العدل والإحسان لم تبادر إلى اليوم بوضع ملف طلب تأسيس حزب سياسي، عندما تقوم بهذه المبادرة يمكن آنذاك  تقييم ردود الأفعال".