هل يكون نزار بركة.. "طوق النجاة" للاستقلال؟

أحمد مدياني

"نزار رجل المرحلة..." "بركة غادي ردنا للحكومة..." "نزار هو من يمكنه مصالحتنا مع المخزن..." عبارات وأخرى يرددها عدد من المؤتمرين بين ردهات القاعة المغطاة لمركب مولاي عبد الله بالرباط، وهو يبحثون عن مبررات تسمح لهم بالذهاب إلى صندوق اختيار أمين عام حزب علال الفاسي الجديد بقلب مطمئن، وكل المؤشرات تقود نحو وصول ابن جمعية التربية والتنمية وصهر الوزير الأول الأسبق عباس الفاسي.

زكرياء الحنيني، أحد "ديناموات" الترويج لوصل نزار بركة إلى أمانة حزب الاستقلال، يرى في الرجل حسب حديثه لـ"تيل كيل عربي"، أنه "المناسب للم شمل الحزب ومصالحته مع عدد من الأطراف سواء كانت سياسية أو توجد في قلب الدولة". بدوره يدافع كريم غلاب، الوزير الأسبق والقيادي في حزب الاستقلال، عن ترشيح نزار بركة بالقول: "نزار قادر على توحيد الاستقلاليين وله الكفاءة والقدرة لإعادة حزب الاستقلال للعب دوره، والمتمثل في إضفاء نوع من التوازن على الساحة السياسية المغربية".

بركة الجد والصهر

بدأ نزار بركة مسيرته داخل حزب الاستقلال بالتحاق عام 1981 بجمعية التربية والتنمية "ATT"، ثم تدرج حسب مصدر مقرب منه، داخل التنظيمات الموازية للحزب وشغل مناصب داخل روابطه. متزوج وأب لطفل ذكر، حصل على إجازة في الاقتصاد بجامعة الرباط، ثم انتقل لإكمال دراسته في فرنسا تحديدا بمدينة مارسيليا، حيث حصل هناك على الدكتورة في الاقتصاد.

ظهر اسم نزار بركة بقوة خلال المؤتمر الـ15 لحزب الاستقلال، والذي عرف وصول صهره عباس الفاسي إلى كرسي زعامة الحزب، بعد ما أنتخب عضوا بالمجلس الوطني ثم وصل إلى اللجنة التنفيذية أعلى سلطة تقريرية في تنظيم حزب علال الفاسي، ليحصل بعد انتخابه على مسؤولية أمين مال الحزب. ويبرر كثيرون سطوع نجم نزار بقرابته من عباس الفاسي، إذ أنه وصل إلى المجلس الوطني للحزب عام 1989 ولجنته المركزية عام 1998، تاريخ وصول عباس الفاسي للأمانة العامة للاستقلال،  وإن كان حضوره القوي كاسم داخل حزب الاستقلال بدأ فقط عام 2003، عندما انتقل إلى اللجنة التنفيذية.

رجل هادئ، معروف بابتعاده عن الاصطدام والدخول في مواجهات داخل الحزب، ترأس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، وخبر داخلها توجهات الحزب حسب طموحات منخرطيه، ورسم لنفسه أولى خطوات الوصل إلى الامساك بحقيبة وزارة المالية والاقتصاد، منذ التحاقه بوزارة المالية عام 1996.

يرى المراهنون على نزار البركة اليوم، أن صفات كثيرة تجتمع في الرجل، لأنه أولاً من أحفاد زعيم الحزب التاريخي وأحد مؤسسيه علال الفاسي. كما أنه حافظ خلال فترة القطيع بين الدولة والحزب على مسافة قرب من الأخيرة، بصفته رئساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.

الطريق إلى الزعامة

انقطعت علاقة نزار بركة بحزب علال الفاسي لفترة، بعد ما قرر أمينه العام المنتهية ولايته حميد شباط الخروج من الحكومة، و"سرقته" مسؤوليته داخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لتفرض تطورات حزب الاستقلال وصراعاته الداخلية رجوعه إلى الواجهة.

يقول مصدر قيادي داخل الحزب لـ"تيل كيل عربي"، إن أول ظهور لنزار بركة بعد مرحلة القطيعة من حزب الاستقلال، كان عام 2016، وذلك خلال حضوره لذكرى وفاة علال الفاسي. "بعدها أصبح يحضر جميع دورات المجلس الوطني، ودشنت معه أسماء قيادية مشاورات الإعداد لخلافة شباط" يقول المصدر ذاته، وأضاف: "يبدو أن كل شيء كان مرتباً. خلال تأبين الراحل محمد بوستة، توجهت قنوات الإعلام الرسمي لأخذ التصريح باسم الحزب من نزار بركة، ثم جاء حواره مع جريدة (الصباح). بعد خروج هذا الحوار اتصل به مولاي حمدي ولد الرشيد، واقترح عليه التقدم لانتزاع الأمانة العامة من عمدة فاس السابق، ووعده بتوفير الدعم اللازم واقناع أسماء مثل كريم غلاب وتوفيق حجيرة وياسمينة بادو ونور الدين مضيان ولبار وغيرهم من القيادات المعروفة بإعلان دعمهم له".

بعد الاتصال بين بركة ومولاي حمدي ولد الرشيد، دشن ولد الرشيد حملة "إسقاط" شباط باسم بركة، وتمت دعوة الأخير إلى لقاء بأحد فنادق الرباط، حضره رجل الصحراء القوي، رفقة عدد من القياديين من بينهم قيوح ورحال المكوي، وتم الاتفاق خلال اللقاء حسب مصدر مسؤول داخل الحزب، على إضعاف حضور أنصار شباط داخل التنظيمات الموازية للاستقلال وروابطه، وكانت أولى المعارك التي اتفق المجتمعون على خوضها ضد حميد شباط، هي إنهاء سيطرته على نقابة الاتحاد العام للشغالين، ووضع ميارة على رأسها، حينها، طالب بركة برجوع القيادات التي أصبحت تقاطع اجتماعات اللجنة التنفيذية، وهو الأمر الذي استجاب له كل الغاضبين على حميد شباط.

يقول مصدر قيادي بالحزب، إن نزار بركة يستمد قوته من مولاي حمدي ولد الرشيد، هذا الأخير وحسب المصدر ذاته، استطاع فرض التمثيلية داخل مؤتمر الحزب بحسب نتائج الانتخابات التشريعية والجماعية، وذلك ما مكنه من "إغراق المجلس الوطني بعدد كبير من منخرطي الحزب القادمين من الأقاليم الجنوبية"، كما مهد لنزار بركة استقطاب مؤيدين له داخل الروابط، ودشن لقاء بمدينة طنجة نسقه ولد الرشيد من سحب البساط من تحت أقدام شباط داخل مجلسي النواب والمستشارين، وحضر اللقاء نور الدين مضيان، والذي أعلن حينها دعمه المطلق لخطة الإطاحة بشباط من الأمانة العامة.

خطة حمدي ولد الرشيد التي مهدت الطريق أمام نزار بركة ليكون المرشح الأول لزعامة حزب علال الفاسي، سوف تكتمل بعقد لقاءات تنسيق في الأقاليم الجنوبية، دشنها صهر عباس الفاسي أول مرة، عندما سافر رفقة وفد حكومي بصفته رئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واستغل تواجده هناك للترويج لصورته أمام أنصار ولد الرشيد.

تهمة "مرشح الدولة"

يقول حميد شباط في حديث لـ"تيل كيل عربي"، إن "نزار بركة "مرشح التحكم". تهمة دفع بها هو وأنصاره طيلة أشغال المؤتمر، بل رفعت شعارات في وجه حمدي ولد الشيد ونزار بركة كلما لمحهما أنصار عمدة فاس السابق بين أروقة وفضاءات مركب مولاي عبد الله.

الوزير الأسبق كريم غلاب، يرفض هذه التهمة، ويرى في حديثه للموقع، أن "من يدفع بهذه التهمة في وجه نزار بركة، إنما يحاول فقط تصويرهم جميعاً مثل الكاركيز، لا يملكون قرارهم السياسي ولا يتمتعون بأي استقلالية". وشدد غلاب في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، على أن "نزار بركة مرشح الاستقلاليين وهو القادر على مصالحتهم في ما بينهم للخروج أقوياء من لحظة المؤتمر والعودة إلى ممارسة دورهم السياسي الذي عرف به حزب الاستقلال قبل مرحلة وصول شباط إلى زعامة الحزب"، بل ذهب غلاب حد القول، إن "نزار هو القادر على تصحيح أخطاء شباط".

خصوم نزار داخل الحزب، يطرحون تساؤلاً مفاده: "كيف استطاع من انقطع عن الحزب وتنظيماته لفترة طويلة بعد الخروج من الحكومة ضمان تأييد 700 من أعضاء المجلس الوطني من أصل 1250"، ويرى هؤلاء أن "آلة خارجية ساهمت في حشد الدعم والضغط على عدد من قيادات الحزب للتسويق لفكرة أن بركة هو المنقذ".

جسر العودة إلى الحكومة

يرى عدد من الاستقلاليين، خاصة منهم الوزراء السابقون أن وصول نزار بركة إلى زعامة حزب الاستقلال، قد يفتح أمامهم الباب للرجوع إلى الحكومة.

في السياق ذاته، كشف مصدر مسؤول من داخل الموقع الإعلامي الرسمي لحزب الاستقلال، أن نزار بركة اجتمع بهم قبل المؤتمر، وطالب منهم بعداد ملحق داخل الموقع اسمه "الشأن الحكومي"، مع الاستعداد لضمان تغطية إعلامية وحضور قوي في مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشأن، توجيه فسره مصدر "تيل كيل عربي" الموثوق، بوجود بوادر على أن بركة عنده وعود بـ"إمكانية إدماج الاستقلال في الحكومة بعد رحيل شباط عن قيادة الحزب".

في المقابل، يرفض كريم غلاب حسم هذا التوقع، ويرى في حديثه للموقع، أن مسألة رجوع حزب الاستقلال إلى الحكومة أمر لا يمكن طرحه للنقاش اليوم، لكن لا يستبعد في الوقت ذاته، أن تتشاور أجهزة الحزب حول ذلك والخطوات التي يجب القيام بها، بعد تشكيل أجهزته وحسم انتخاب أمينه العام.

مثلما يهوى نجله المغامرة بالسباحة من ضفة إلى أخرى ، قبل الرجل المجازفة بحمل حزب الاستقلال فوق كتفيه للعبور به من ضفة حميد شباط بكل ألغامها، إلى ضفة يعتقد معها مناصروه من الاستقلاليين وغيرهم، أنها "طوق نجاة" الاستقلال لـ"المصالحة" مع الدولة والاقتراب من الحكومة.