هل يمكن للمغرب أن يلعب دورا أكبر في تدبير الإسلام بفرنسا؟

تيل كيل

قبل حوالي ثلاثة أسابيع، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع حد لنظام "الأئمة المنتدبي"، ومن شأن هذا القرار أن يحفز المغرب على إعادة النظر في استراتيجيته للديبلوماسية الدينية.

في خطاب ألقاه في مدينة "ميلوز" قبل حوالي ثلاثة أسابيع، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قراره وضع نهاية لنظام الأئمة المنتدبين بفرنسا وهم قادمون بالخصوص من الجزائر والمغرب وتركيا. ويروم ساكن الإيليزي بهذا الإجراء وضع حد لما سماه "الإسلام القنصلي". فهل يعني هذا الإجراء نهاية التعاون الديني بين الرباط وباريس؟

فرصة سانحة للمغرب

على العكس، يرى أحمد صفاقسي، وهو باحث في علوم التربية ومتخصص في تكوين الأئمة بفرنسا، أن للمغرب ورقة مهمة عليه لعبها، لأن محمد موساوي، وهو فرنسي- مغربي، لا يرأس فقط "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، بل يشرف كذلك على "اتحاد مساجد فرنسا"، وهو منظمة مقربة من المغرب وتضم حوالي 700 مسجد من أصل 2600 مكان للعبادة مسجل في فرنسا. ويقول الباحث بهذا الصدد إن "محمد موساوي سيقدم بكل تأكيد المملكة على أنها الحل فيما يخص تكوين الأئمة، خاصة وأن الحكومة الفرنسية تنتظر اقتراحا من طرف 'المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية' بهذا الخصوص". بعبارة أوضح، ستكون الحلول المغربية والجزائرية أهم الخيارات التي ستعتمدها الدولة الفرنسية، حسب الباحث المغربي، خاصة وأن الرئيس الفرنسي قد أعلن أنه منخرط في حوار مع البلدين بشأن هذه القضية.

ويوضح أنور كبيبش أن اتحادات المسلمين تشتغل منذ عدة أعوام على إنشاء مراكز تكوين الأئمة بفرنسا. ويعتزم "تجمع مسلمي فرنسا" – المنظمة التي يرأسها كبيبش- إطلاق مركز في شتنبر 2020: "إننا نشتغل مع عدد من العلماء الذين أنشأوا مراكز لتكوين الأئمة والمرشدات بالرباط، للاستفادة من هذه التجربة المغربية". وتجدر الإشارة هنا إلى أن "تجمع مسلمي فرنسا" منظمة تضم حوالي 300 مسجد يشرف على أغلبها أشخاص من أصول مغربية.

وحسب كبيبش، يمكن للمغرب مواصلة الانخراط في تكوين الأئمة بفرنسا من خلال تقديم الدعم المالي واللوجيستي، أو إرسال مدرسين ووعاظ مغاربة للمشاركة في تكوين الأئمة الفرنسيين على التراب الفرنسي. "من المفيد إعادة النظر في طبيعة العلاقات بين بلدان الأصل وخاصة المغرب، وجمعيات المسلمين بأوروبا، على المستوى الديني، لأن الواقع والسياق تغيرا خلال العشر سنوات الأخيرة" يوضح كبيبش الذي كان في السابق رئيسا لـ"المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية".

ضربة النهاية

ولكن، من هم "الأئمة المنتدبون"؟ يتعلق الأمر، حسب تقرير إخباري لمجلس الشيوخ الفرنسي، بـ151 تركيا، 120 جزائريا و30 مغربيا في 2016، أي حوالي 300 واعظ تصرف عليهم بلدانهم الأصلية على أساس أنهم موظفون وفي إطار اتفاقات ثنائية(...)

وبخصوص رمضان المقبل، يقول أنور كبيبش "على حسب ما فهمت، فإنه سيتم تقليص حجم وفد الوعاظ (الذين يرسلهم المغرب) مقارنة مع السنوات الماضية"، واعتبر أن هذا التقليص قد يتسبب في "ندرة" خلال الشهر الفضيل. و"على مسلمي فرنسا البحث عن سبل أخرى لتلبية حاجاتهم.. فالمشكل يهم مسلمي فرنسا أكثر مما يهم المغرب".

على الجانب المغربي، رفض وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التعليق على خطاب ماكرون، معتبرا أن ذلك "شأن داخلي يهم فرنسا"، كما لم يرد رد من معهد محمد السادس لتكوين الأئمة الوطنيين والدوليين، ولا من طرف أحمد عبادي، الأمين العام لـ"الرابطة المحمدية للعلماء".

حجر كبير في البركة

وإذا كان إصلاح نظام تكوين الإمام مطروحا على فرنسا منذ زمن طويل، فإن إعلان ماكرون كان "مفاجئا" حسب أحمد صفاقسي. وبالفعل فقد علم صلاح الدين مراكشي، وهو إمام منتدب من طرف الدولة المغربية منذ 2008، بهذا الإجراء الجديد من خطاب الرئيس الفرنسي. وينتظر هذا الواعظ، الذي يشتغل منذ 2014 بمدينة "مونتليمار"، أن تأتيه من السلطات المختصة مزيدا من التفاصيل عن مصيره بعد نهاية مهمته، معتبرا أنه "من حق أي دولة اتخاذ القرار الذي يناسب سياستها الداخلية والخارجية".

ويرى كبيبش، الذي ساهم في 2008 في إعداد بروتوكول الشراكة الذي جاء بموجبه 30 إماما مغربيا إلى فرنسا، أن هذا القرار كان متوقعا. ويوضح قائلا "خلال محادثاتنا مع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، كان واضحا أن اللجوء إلى الأئمة المنتدبين لم يكن سوى حلا قصير المدى، على اعتبار أنه ينبغي لفرنسا التوفر على أئمتها الخاصين بها"، خاصة وأن "الشراكة الموقعة بين المغرب وفرنسا تنص على انتداب لمدة لأربع سنوات لكل إمام، يمكن تجدديها مرة واحدة".

سياق مضطرب

فضلا عن حجة عدم الإلمام باللغة الفرنسية، تحدث الرئيس الفرنسي عن وجود "انحرافات" لتبرير قراره بوضع حد لنظام الأئمة المنتدبين، دون أن يوضح طبيعتها. ويرى صفاقسي في هذا الأمر مجرد حملة تواصلية لأن "الأئمة المنتدبين من بين الشرائح الخاضعة أكثر من غيرها للمراقبة سواء فيما يتعلق ببطاقة الإقامة أو سيرهم أو برامجهم...". من جهته، يعتبر كبيبش كلام ماكرون "رمزيا" لأن الأئمة يخضعون لانتقاء "قاس وصارم" دينيا وأمنيا، ولم يتم رصد أي انحراف منذ بدء العمل بهذه الآلية. ويضيف أن الوعاظ يخضعون لعقدين: واحد مبرم مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، والثاني مع الجمعية أو المسجد الذي يستقبله في فرنسا.

والواقع أن كلام الرئيس الفرنسي يعكس صعود اليمين المتطرف بالبلاد. ويتذكر أنور كبيبش أنه في 2008 لم يتلق "تجمع مسلمي فرنسا" أي تحفظ من طرف السلطات الفرنسية خلال استقدام مجموعة من الأئمة، بل "كان ينظر إليهم بعين الرضا لأن المغرب يتبنى إسلاما منفتحا ومعتدلا".

ولكن بعد مرور عشر سنوات، تدهور الوضع وأخذ القلق يساور الأئمة لأن هناك "موجة من اليمين المتطرف والشعبوية تخترق المجتمع الفرنسي منذ الهجمات الإرهابية، وخاصة هجمات 2015".

ويرى الباحث أحمد صفاقسي أن تقديم دليل أبوبكر- عمدة"مسجد باريس" طيلة 28 عاما- في 11 يناير الماضي لاستقالته من الرئاسة المؤقتة لـ"المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية" (التي كان يتولاها منذ يوليوز 2009)، "أعاد توزيع أوراق إسلام فرنسا". فقد عرفت هاتان الهيأتان تحولا كبيرا في ظرف أسبوعين فقط، مع وصول شرف الدين حافظ إلى عمودية المسجد الكبير للعاصمة الفرنسية، ومحمد موساوي إلى رئاسة "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية".

كما يثير الباحث ذاته عاملا أخر يتمثل في كون "جزء من أئمة فرنسا يرفضون جمعهم مع الأئمة الرسميين لمسجد باريس أو 'المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية'، بل ويرفضون أن يكون لهم أي رابط مع بلدانهم الأصلية"، مشيرا إلى أنه لاحظ أن بعض الأئمة الفرنسيين يشعرون بـ"العداء" اتجاه نظرائهم المنتدبين.

ولكن هذا الأمر يظل هامشيا جدا لأن فرنسا تشكو من نقص كبير في الأئمة، حسب تقدير محمد المهدي كرابش، وهو فقيه بالمستشفى الجامعي لمونبوليي وإمام تكون في كنف الجمعيات الدينية بمدينة تمارة، ويشتغل حاليا في جنوب فرنسا. بل إن هذا الواعظ ذا التكوين القانوني يلمس نوعا من التضامن مع الأئمة المنتدبين، ويعبر عن امتنانه لأولئك الذين "قاموا بسد الخصاص، خاصة خلال شهر رمضان".

ويرى أن المشكل يكمن في جهة أخرى، ويعتبر أن المسؤولين عن تدبير أماكن العبادة -وبالخصوص "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية"، وهو مؤسسة "إدارية صرفة" - أخفقوا في إعادة هيكلة الدين الإسلامي بفرنسا، بتهميش الأئمة.

عن "تيل كيل" بتصرف