وريث البوتشيشيين: لايمكن احتكار الله.. والزاوية لا تخضع لأحد

غسان الكشوري

بعد رحيل الشيخ حمزة، تركت مشيخة الطريقة البوتشيشية بين يدي ابنه جمال الدين بودشيش. الأخير (75 عاما) ترك بدوره عهدة تنظيم أمور الزاوية وإشعاعها الدولي لابنه الدكتور منير. "تيلكيل عربي" التقت هذا "الوريث" المستقبلي، وحاورته حول مصير الزاوية وكيفية عملها، فضلا عن علاقته بالسياسة وبالأصالة والمعاصرة.

ما هو مصير الزاوية البوتشيشية بعد رحيل الشيخ حمزة، وهل من الممكن أن نشهدا تغييرا هيكليا أو فكريا ؟

الشيخ حمزة يعتبر مجدد الطريقة، ففي عهده عرفت الطريقة مراحل متعددة. منها مراحل التضييق والحيف، حيث كانت تعيش في حصار، في زمن السبعينات لمّا كان الشيخ مريضا، وتمت محاصرته. عمل الراحل بشكل مثابر من أجل أن تصل هذه الزاوية إلى العالمية. كما سعى إلى ترسيخ المقاصد الأخلاقية، وإلى تجنب كل الأمور التي لها صلة بالسياسة.

الطريقة في عهد "سيدي حمزة"، عرفت انتشارا واسعا. وهو من علمنا حب الأوطان، وهو الذي زرع فينا إرثا روحيا لن ينتهي. كان جدنا الشيخ العباس يقول: "لو بنيت قرية مداغ بأكملها لن تكفي لاستقبال الزوار". إذن الزاوية في طريق الانتشار ولن يتغير خطها العام وما تربينا عليه.  فنحن لا نبالي ولا نهتم بمن ينتقد.

باعتبارك مديرا للملتقى العالمي للتصوف، المقام حاليا بمقر الزاوية، كيف تتم عملية التنظيم وتدبير الميزانية لإقامة مثل هاته التظاهرات ؟

هناك أمور ومشاريع لا يمكن أن تكون فيها عقلانيا أكثر من اللازم، وإذا فعلت لن تجرأ على القيام بها. فمجهود المساهمين، سواء الفكري او العقلي او المادي، من فرنسا أو بريطانيا.. وغيرها، لإقامة مثل هذا الملتقى العالمي هو تطوعي من طرف الجميع، حتى المهندسين قدموا من خارج المغرب.

هذه الخبرات والطاقات التي تمتاز بها الزاوية، تأثي وتقدم مساهماتها في التنمية المستدامة وفي تنمية الجهة. الجانب المادي يساهم فيه الجميع، كل حسب مستطاعه. وبالمقابل نحرص أن يكون العمل راقيا وإشعاعا عالميا. والذي من خلاله تساهم الزاوية في السياحة الروحية والدينية، وفي تنمية الإقليم وهذه الجهة الشرقية.

الصوفية تدعي محبة الله، لكن في الطرف الآخر (داعش ومثيلاتها) تدعي هي الأخرى الدفاع عنه باسم محبته. في نظرك كيف تحارب الزاوية البوتششية التطرف والمغالاة؟

أولا المحاربة لا تكون بالعنف. فمشروع الإصلاح والبناء يكون بالحكمة، وبالتالي ليس للزاوية عداء لأي طرف. أما أولئك المتشددين فقد اتخذوا العنف كمنهج مخالف للإسلام الحق. الذي أراه هو أن الإنسان يحتاج إلى القيم المشتركة لإقامة جسور حضارية مع الآخر. الله ليس حكرا على المغرب، ولا يمكن أن تمتلك الدين أو الإسلام. كما لا يحق لي أن أدعي أن إسلامي أحسن ممن أسلم اليوم أو غدا.

الزاوية تقوم بعدة برامج في المدارس والجامعات، كإقامتها للجامعة الصيفية للتصوف، حيث نقوم بإلقاء دروس ومحاضرات في التصوف وفي الفكر الإسلامي لنشر قيم التسامح. وما قمنا به في بعض الأنشطة الموازية في هذا الملتقى، بالتنسيق مع جمعيات وطنية وأجنبية، يمكن اعتباره "بيداغوجية" التبليغ والتواصل مع الآخر.

الصوفية تقوم على التهذيب، لكن ماذا عن تهذيب الجانب السياسي؟ ألا ترى أن الصوفية عليها أن تنخرط في المجال السياسي وفي أمور الدولة ؟

الجانب الروحي والبعد الصوفي هو من مكونات الهوية الدينية. وكما نلبي حاجيات الجسد المادية، فهو يحتاج إلى حاجيات روحية، وإذا اختل توازن الجسد تحصل للإنسان أزمة تؤثر في حياته. وبالتالي فتهذيب الحياة السياسة بالجانب الروحي أمر ضروري. كما أن صلاح الإنسان كيفما كان سياسيا أو غير ذلك، ينبني على التواضع، وعلى عدم المن بما يقوم به.

كان اسمك مرشحا في الكواليس بأن يخلف أحمد التوفيق، في الولاية الجديدة لمنصب وزير الأوقاف. لو حصل هذا الأمر كيف ستدبر الحقل الديني بالمغرب، وعلى ماذا ستركز ؟

هذا شأن أمير المؤمنين، فهو الذي يرى الإنسان المناسب في المكان المناسب. الوزير الحالي يقوم بواجباته على أكمل وجه، وذلك بقيامه بمشاريع إصلاحية تنال رضى الملك. إننا نقدره ونحترمه، لأنه يتعامل مع كل الزوايا بالحكمة وبرؤية ثاقبة. أما احتمالية تعييني في منصبه فلا يمكنني ان أجيب عن هذا السؤال.

تاريخيا، تم استغلال مؤسسة الزوايا في المغرب، ووصل الأمر إلى ما وقع في سنة 2011 بإخراج "فقراء" الزاوية للتصويت على الدستور. ألا ترى أن الزوايا يتم استغلالها وتحييدها عن دورها ؟

نحن لا نخدم أية أجندة سياسية أو مسخرين أو ما شابه ذلك. نحن نشتغل في إطار التوابث كإمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ومسلك الجنيد. القضايا الوطنية ليست سياسية، وما قمنا به هو المساهمة في قضية دينية وطنية. الفرد أو المواطن أيا كانت صفته فهو يساهم في القضايا السياسية، وإخلاصه في ما يقوم به هو مساهمة في الناتج الوطني. الزاوية ترى أنه من الضروري المساهمة في القضايا الحساسة حفاظا على أمن البلد وعلى ثوابثه، وكذلك درءا للفتنة.

أنت وريث الشيخ ومريد الطريقة، لكن مظهرك يبدو "حداثيا" أكثر، أي بخلاف ما نعرفه عن الزاوية. هل يحمل الأمر "رسائل" مشفرة لمستقبل الزاوية ؟

الحكم على الأشخاص من أخلاقهم وليس من مظاهرهم فقط. التجمل والظهور بمظهر لائق يرضي جميع الناس، هو نوع من الإحسان. أي أن أحسن للناس من خلال مظهري وشكلي، وهو ما أعيش به داخل عائلتي وأسرتي.

اعتاد الناس على رؤية الصوفية بلحى وبجلابيب وملابس مبتذلة. الصوفية يقولون "الجسم في الحانوت والقلب في الملكوت". أرى أن الصوفي هو ابن وقته، لذا أحاول في حياتي أن أجمع بين الأصالة والمعاصرة، مع أني أخاف أن يقال أنني من حزب البام (يضحك). أحاول أن أعيش واقعي في العصر بأصالته.