إطلاق أسماء شيوخ مشارقة على أزقة بتمارة.. من يتحمل المسؤولية؟

الشرقي الحرش

نشر صور لوحات تؤكد تسمية أزقة الحي بأسماء شيوخ مشارقة في حي بمدينة تمارة، التي يترأسها حزب العدالة والتنمية في شخص موح الرجدالي للمرة الثانية، كان كافيا لكي تحظى بالانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تتلقفها المواقع الإلكترونية، وتصبح حديث الرأي العام في المدينة وخارجها.

زوال يوم الأربعاء 13 ماي الجاري، نشرت مجموعة فيسبوكية أطلق عليها صاحبها "مجموعة أولاد تمارة" صورا لعدد من لوحات أزقة حي المنصور الذهبي بتمارة وأرفقها صاحبها محمد أكوشام بالقول "هي فقط عينة من أسماء مختارة لأزقة في حي بتمارة".

ورغم أن الصور المنشورة في "مجموعة أولاد تمارة" لم تحظ بتفاعل كبير داخل المجموعة، إلا أن نشرها من طرف بعض أعضاء المجموعة على صفحاتهم الشخصية أدى إلى انتشارها كالنار في الهشيم دون معرفة مصدرها.

فور انتشار هذه الصور توالت تعليقات عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين حملوا المسؤولية لحزب العدالة والتنمية وطالبوا رئيس المجلس الجماعي بإزالة لوحات أسماء تلك الأزقة وإطلاق أسماء جديدة عليها تأخذ بعين الاعتبار ذاكرة المدينة.

من حملت الأزقة أسماءهم؟

ضمت اللائحة التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي عددا من أسماء الشيوخ المشارقة، فمن هم؟

حمد الدهلوس: وهو امام بمسجد أنس بن مالك شرق الرياض، ارتبط اسمه بإلغاء قنوت ليلة الرابع والعشرين من رمضان سنة 2016 احتجاجا على شوشرة الأطفال مما جلب عليها انتقادات عديدة داخل السعودية.

أحمد النقيب: يعتبر واحدا من شيوخ السلفية في مصر، له عدد من الفتاوى يحرم فيها الديمقراطية والمشاركة السياسية، كما هاجم حركة "حماس" واتهمها بخدمة أجندة إيران في المنطقة.

وعرف أحمد النقيب بتحريم العمل الحزبي والمظاهرات ومصافحة المرأة.

خالد بن سعود الحليبي: يعرف خالد بن سعود بن الحليبي نفسه أنه حاصل على دكتوراه في الأدب الحديث من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وعضو في هيئتها التدريسية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء، كما يقدم نفسه كمستشار في شؤون الأسرة.

 لخالد بن سعود الحليبي فيديوهات يؤيد فيها "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية في اليمن، وقسم فيها المسلمين إلى أهل السنة والجماعة والصفويين الرافضة، الذين يحاربون المسلمين.

خالد السلطان: داعية سلفي، وبرلماني كويتي سابق.

خالد الجبير: طبيب في جراحة القلب، اشتغل متطوعا في المغرب بتكليف من الأمير سلطان، وأجرى عددا من العمليات في المغرب، كما له عددا من الأشرطة على موقع "يوتيوب" يتحدث فيها عن تجربته في المغرب.

خالد الحمودي: شيخ سلفي سعودي، غير مشهور

فتح الله غولن: زعيم حركة  الخدمة المنتشرة في تركيا وعدد من الدول، اتهم رفقة أعضاء جماعته بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ضد الرئيس طيب رجب أردوغان في منتصف يوليوز سنة 2016، ويعيش في الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت تسليمه من أجل محاكمته في تركيا.

 قصة عمرها 14 عاما

الجدل الذي تفجر في مواقع التواصل الاجتماعي دفع رئيس المجلس الجماعي لمدينة تمارة موح الرجدالي إلى الخروج بتصريح مباشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أكد فيه أن الأمر يعود إلى سنة 2006، حيث صادق المجلس الجماعي بالإجماع على مقرر يقضي بتسمية عدد من شوارع وأزقة المدينة.

وشدد الرجدالي على أن جميع الفرق في المجلس الجماعي وافقت على المقرر، كما تعهد بإعادة النظر في تسميات الأزقة التي قد تكون أثارت عدم رضى المواطنين، واتهم بعض الذين نشروا صور لوحات أسماء الأزقة المذكورة بسوء النية، إلا أن الرواية التي قدمها الرئيس سرعان ما طعن فيها بعض أعضاء المجلس الجماعي خلال تلك الفترة.

من بين هؤلاء، المحامي الاتحادي عزيز رويبح، الذي اتهم في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك موح الرجدالي بالكذب، وأكد رويبح أن أعضاء المجلس صوتوا على تسمية حي المنصور الذهبي بأسماء الصحابة وليس بأسماء شيوخ الوهابية السعوديين.

 تدوينة عزيز روبيح، قادت "تيلكيل عربي" لتتبع خيوط القصة، ووضعه عددا من الفرضيات، فإما أن أسماء هذه الأزقة صادق عليها المجلس الجماعي بالإجماع كما يقول موح الرجدالي، وبالتالي يتحمل الجميع مسؤوليتها، وإما أنها تمت دون علم أعضاء المجلس، ثم هل تلك الأسماء عوضت أسماء أخرى صادق عليها المجلس؟

في هذا الصدد، حصل "تيلكيل عربي" على قرار جماعي وقعه رئيس المجلس الجماعي لتمارة موح الرجدالي سنة 2006 يقضي بتسمية عدد من أحياء وأزقة المدينة.

بعد فحص لائحة أسماء أزقة حي المنصور الذهبي، التي قرر المجلس أن تتم تسميتها بأسماء الصحابة تبين أن أسماء الأزقة التي أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي لا وجود لها، وهو ما يعني أنه ليس لتلك أسماء ليس لها وجود قانوني.

مقابل ذلك، وجد "تيلكيل عربي" أسماء عددا من الشخصيات، من غير الصحابة من قبيل المقرئ السعودي ماهر المعيقلي ومحمود الحصري، والإمام الغزالي وبن تيمية وبن سينا والأصمعي.

ومن أجل مزيد من الاستيضاح، حاول "تيلكيل عربي" الاتصال أكثر من مرة برئيس المجلس الجماعي لتمارة دون جواب، فبعث له رسالة يشرح فيها دواعي الاتصال به، لكنه رد بشكل مقتضب بالقول "موضوع الأزقة انتهى وليس لدي ما أدلي به"، ورغم ذلك أعاد "تيلكيل عربي" الاتصال به في اليوم الثاني ليتلقى الجواب ذاته.

من جهته، حمل كمال كريم الدين المستشار الجماعي عن حزب التقدم والاشتراكية المسؤولية لرئيس الجماعة موح الرجدالي، واعتبر أن الرجدالي أصدر قرارا بتسمية أزقة المدينة دون عرضها على المستشارين من أجل المصادقة عليها.

واستنكر كريم الدين تسمية أزقة المدينة بأسماء "غريبة عن هويتها وذاكرتها"، وقال "صحيح صوتنا من أجل تسمية أزقة حي المنصور الذهبي بأسماء الصحابة، لكننا لم نصوت على تسميتها بأسماء شيوخ سعوديين".

واعتبر كريم الدين أن قرار رئيس المجلس الجماعي بتسمية أزقة أحياء المدينة غير قانوني، لأن تلك الأسماء لم يتم التداول فيها، ودعا إلى استدراك الأمر وإعادة الأمور إلى نصابها وتحديد المسؤوليات.

تقاذف المسؤولية

عبد الفتاح الصبار، مستشار جماعي سابق عن حزب العدالة والتنمية قبل يستقيل منه بسبب مشاكل داخلية، كان هو من أشرف على مشروع تسمية أحياء وأزقة تمارة، حيت كان عدد من الأحياء والأزقة في تلك الفترة بدون تسمية أو مسماة بدون قرارات، مما كان يطرح عددا من الإشكالات لدى المواطنين.

"تيلكيل عربي"، اتصل بعبد الفتاح الصبار، الذي كان نائبا لرئيس المجلس في تلك الفترة ووجه له سؤالا مباشرا إن كان مشرفا على عملية تسمية الأزقة، فكان جوابه أن عمله انتهى عند تقديم عرض في الموضوع أمام أعضاء المجلس الجماعي، وهو العرض الذي لم يتضمن تلك الأسماء، وأن عملية التنزيل بعد ذلك أشرف عليها المستشار سعيد الكويسي رفقة المصلحة التقنية للجماعة والشركة التي نالت الصفقة. كما ذهب، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن ما وقع قد يكون اجتهادا من موظفي الجماعة بسبب عدم تغطية لائحة أسماء الصحابة لجميع أزقة حي المنصور الذهبي.

واعتبر الصبار أن إطلاق أسماء على الأزقة لم يتضمنها القرار الجماعي يجب أن يتم التحقيق فيه، وتحديد المسؤوليات، إلا أن المستشار الجماعي سعيد الكويسي نفى بدوره، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أي علاقة له بالأمر، وشدد على أن العملية أشرف عليها زميله عبد الفتاح الصبار، كما نفى علمه بخصوص من يتحمل مسؤولية وجود تسمية عدد من الأزقة دون التنصيص على ذلك في القرار الجماعي.

من جهته، حمل المختار باقة، المستشار الاستقلالي ونائب رئيس جماعة تمارة، خلال الفترة ما بين 2003 و2009، رئيس المجلس الجماعي المسؤولية، مؤكدا أنه لم يرجع للمجلس بشأن تلك التسميات مما يشكل خرقا قانونيا، بحسبه.

ودعا باقة رئيس المجلس البلدي إلى تغيير تلك الأسماء بأسماء وطنية أو أسماء الصحابة، كما صوت على ذلك المجلس الجماعي في تلك الفترة، واعتبر أن ما وقع يتطلب فتح تحقيق يحدد المسؤوليات.

السلطة تزيل اللوحات

بعد الجدل الذي أثير بشأنها على مواقع التواصل الاجتماعي قامت السلطات المحلية بإزالة لوحات تلك الأزقة مما أثار جدلا قانونيا بشأن أحقيتها في ذلك، إلا أن مصدرا مقربا من رئيس المجلس الجماعي، أكد في اتصال مع "تليكيل عربي"، أن العملية تمت بتنسيق بين الرئيس والسلطات المحلية، مشيرا إلى أن الخطأ الذي حدث سيتم تداركه لطي الملف.

 واعتبر المصدر أن مرور 14 سنة على هذا الموضوع صعب من مهمة معرفة من يتحمل مسؤولية تقديم تلك الأسماء لموظفي الجماعة، وهل اجتهدوا من تلقاء أنفسهم، إلا أن مصدرا آخر استبعد أن يكون موظفو الجماعة قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، مشددا على أن الأسماء المعنية ليست مشهورة حتى يعرفها الجميع.

اقتراحات جديدة

الجدل الذي أثير بشأن تسمية بعض أزقة حي يعقوب المنصور في تمارة، دفع عبد الواحد النقاز، المستشار الجماعي عن حزب العدالة والتنمية، إلى توجيه طلب لرئيس جماعة تمارة من أجل تغيير تلك الأسماء مثار الجدال، وتعويضها بأسماء ضحايا الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء.

واعتبر النقاز، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن الانتقادات التي وجهها المواطنون للمجلس الجماعي معقولة، إذ أن تلك الأسماء لا علاقة لها بثقافة المغاربة، ولم تقدم شيئا للمغرب، كما أنه كان من الواجب أن يتم تسمية جميع الأزقة بأسماء الصحابة طبقا لقرار المجلس، وإلا فإن رئيس المجلس مطالب بالعودة إلى أعضاء المجلس من أجل استصدار قرار جديد، واصفا ما حدث بغير القانوني، مما يستدعي تصحيح الوضع في أقرب وقت.