جبرون: الكثير من مؤيدي "البيجيدي" غيروا رأيهم على خلفية القانون الإطار حول التعليم

أحمد مدياني

امحمد جبرون، باحث مغربي، عارف بحزب العدالة والتنمية، الذي انتمى إليه منذ شبابه وإلى حدود سنة 2017.

جبرون حاصل على الدكتوراه في التاريخ، ويعمل حاليا أستاذا في المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمدينة طنجة، له مجموعة من الأبحاث والدراسات، من بينها الفكر السياسي بالمغرب والأندلس في القرن الخامس الهجري؛ فصول من تاريخ المغرب والأندلس؛ المقاصد في الفكر الإصلاحي الإسلامي؛ إمكان النهوض الإسلامي.

وكان جبرون قد استقال يوم 06 نونبر 2017 من حزب العدالة والتنمية، لخلافه مع الأمين العام للحزب حينئذ (ورئيس الحكومة السابق) عبد الإله بنكيران ليتحرر من "الانتماء" الذي قال إنه جعله "في كثير من الأحيان" يتخلى عن موقعه "كمثقف عمومي"، و"يتورط في الاصطفاف"، على حد تعبيره في رسالة استقالته.

في هذا الحوار يعود جبرون إلى الخلاف الذي "يقسم" حزب العدالة والتنمية حول القانون الإطار حول التعليم وتداعياته...

كيف تقرؤون الجدل الذي رافق نقاش مشروع القانون الإطار؟ ولماذا تم التركيز على لغات التدريس دون غيرها من المواد التي تضمنته؟

إن الجدل حول القوانين، ومتابعة تفاصيل النقاش السياسي حولها هو أمر صحي، وإيجابي، وينم عن يقظة سياسية لدى الرأي العام، وأتمنى لو أن هذا النقاش والجدل كان مع سائر القوانين والنصوص التي تهم حاضرنا ومستقبلنا. غير أن الواقع بخلاف ذلك، فالجدل والنقاش لم يهم القانون الإطار في عمومه، وكافة بنوده ومقتضياته، بل انحسر فقط فيما عرف بقضية التناوب اللغوي أو لغات التدريس، وهذا في نظري يعكس حساسية هوياتية مفرطة لدى المغاربة.

ومن اللافت للانتباه في هذا السياق، أن الذي أثار هذا النقاش، وعممه هو حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة، فالمشروع في البداية والنهاية هو مشروع حكومي، وكان يفترض أن تحسم خلافات الأغلبية حوله داخل بيت الحكومة قبل أن يصل إلى المعارضة، لكن الواقع أن الحكومة عجزت عن حسم الخلاف. ولهذا حصل ما حصل من تأخر، وتردد، والتباسات. وهذا النقاش وبالنظر إلى سياقه يعكس أهمية وحساسية قضايا الهوية لدى حزب العدالة والتنمية وكافة أعضائه.

قولنا إن اللغة العربية هي مكون من مكونات الهوية المغربية لا يقتضي أبدا أن تكون لغة البيت والشارع والاقتصاد والعلوم والإدارة.

هل يشمل الانفتاح على لغات اللغات الأجنبية لتدريس المواد العلمية والتقنية والاقتصادية فعلا خطرا على الهوية واللغة العربية، كما يسوق لذلك الرافضون لهذا الخيار؟

في نظري، إن المخاوف التي عبر عنها الكثيرون والتي تتعلق في جملتها بالانعكاسات السلبية لتدريس المواد العلمية باللغة الأجنبية على اللغات الوطنية، وعلى رأسها العربية، هي مخاوف مشروعة ومتفهمة، لكنها غير ذات مصداقية من الناحية التاريخية والثقافية، فمصير العربية ومستقبلها لا يتعلق أبدا بلغة تدريس المواد العلمية، بقدر ما يتعلق بأمور وشروط أخرى للأسف لا يتم التحدث عنها هذا من جهة، كما أن مفهوم الهوية هو مفهوم دينامي ومتغير، وقابل لإعادة الصياغة في ضوء المستجدات والهموم التي يحياها الإنسان المغربي، وبالتالي، فالهوية لا تقع وراءنا، كما يصورها البعض، بل توجد أمامنا، فقولنا إن اللغة العربية هي مكون من مكونات الهوية المغربية لا يقتضي أبدا أن تكون لغة البيت والشارع والاقتصاد والعلوم والإدارة. وهذا مفهوم تاريخيا وثقافيا، فهل المغاربة، قبل حتى الاحتلال، كانوا معربين في كل شيء؟ لا أبدا، واليوم الكثير من المناطق هي أمازيغية في البيت والشارع، بل حتى في مستوى معين من الاقتصاد.. ومن ثم فهذه أمور لا بد من إعادة النظر فيها والتخفف من ثقلها.

بنكيران خرج، في مناسبتين، للتعبير صراحة عن رفضه لمسألة التناوب اللغوي، بل وصل حد التشكيك في وفاء قيادات العدالة والتنمية للمرجعيات التي تأسس عليها الحزب. كيف تقرأ خرجاته في هذا السياق؟ وهل يمكن أن تقود لتفكك "البيجيدي" أو انقسامه؟

بكل احترام للأستاذ عبد الإله بنكيران، خرجاته هاته خاطئة من الناحية السياسية وفي العرف التنظيمي لحزب العدالة والتنمية ولسائر الأحزاب، فلا يقبل من شخصية من حجم بنكيران أن يكون لها هذا التدخل السافر في شأن حزبه، وهو يعلم خطورة وخطأ ما قام به، ولا يحتاج منا ولا من غيرها دروسا في هذا الباب.

ومن ناحية ثانية، ما عبر عنه من أفكار وآراء غير مسلم بها، ولا يمكن أخذها كحقائق، لا في ما يتعلق بالأخطار المتوقعة من العمل بالتناوب اللغوي أو من غيره من القضايا.

لكن ما أثارني في حديثه هو حديثه عن فرنسا الذي كان حديثا قاسيا وغير دبلوماسي وليس فيه أدنى تحفظ وهو أمر لا يليق برجل دولة، كما أن علاقات المغرب بفرنسا تجاوزت الكثير من العقد التي عبر عنها، ويجب أن يقاوم المسؤولين في البلدين أن نوع من العودة إلى ثقافة وأساليب الماضي في العلاقة بينهما.

أما عن إمكانية انشقاق الحزب على خلفية هذا النقاش، فلا أتوقع هذا، وكما قلت، أكثر من مرة، أن الرجل الوحيد القادر على شق الحزب هو بنكيران وأظنه لحد الآن لم يفعل، ولن يفعل بحسب ما يصرح به.

ألا ترون أن نقاش القانون الإطار وما رافقه أضعف التماسك الذي كان يظهر به العدالة والتنمية أمام خصومه وحلفائه؟

لا أظن ذلك، فما حصل من نقاش داخل بيت العدالة والتنمية، لم يؤثر على السير العادي لمؤسساته، بل، على العكس، لحد اللحظة المعركة كانت ومازالت في وسائط التواصل الاجتماعي، ويبدو لي من متابعتي أن الحزب استطاع احتواءها من خلال الجهد التواصلي الذي قام به، ومن خلال التذكير بثوابته الأخلاقية والتنظيمية، ولهذا فمثل هذه الأحداث صعبة، لكنها ليست بالخطورة التي يتصور البعض، على الأقل على الصعيد التنظيمي.

حزب العدالة والتنمية، من خلال النقاش والتطاحن الذي عاشه على خلفية القانون الإطار، خسر عددا من زبنائه.

كثيرون دفعوا بازدواجية الموقف في سلوك أعضاء الحزب، خاصة الذين يختارون تدريس أبنائهم في البعثات الأجنبية، ثم يرفضون تعميم التناوب اللغوي في التدريس بالمدرسة العمومية، مثلا ادريس الأزمي الذي قدم استقالته بعد المصادقة على القانون الإطار؟

للأسف هذه الظاهرة لا تخص فقط أعضاء العدالة والتنمية وقيادييه، بل تهم عموم النشطاء والعالم الافتراضي، فكلهم يهجرون المدارس العمومية، ولسبب رئيس وتدني مستوى تدريس اللغات الأجنبية وعلى رأسها الفرنسية، ولكنهم، بالمقابل، يقاتلون من أجل بقاء الوضع في المدرسة العمومية على ما هو عليه، ومن ثم فالأمر، في نهاية التحليل، يتعلق بمرض يحتاج إلى علاج أو مؤامرة على أبناء الطبقة الفقيرة تحتاج إلى كشف وفضح.

الرجل الوحيد القادر على شق الحزب هو بنكيران وأظنه لحد الآن لم يفعل، ولن يفعل بحسب ما يصرح به.

هل تتوقع أن يؤثر موقف العدالة والتنمية من قانون الإطار على قاعدة كتلته الانتخابية؟

في السياسة كل شيء بثمن. أكيد أن حزب العدالة والتنمية، من خلال النقاش والتطاحن الذي عاشه على خلفية القانون الإطار، خسر عددا من زبنائه، فالكثير من الناس يقررون العزوف عن التصويت أو تغيير التصويت استنادا إلى قضايا جزئية وبسيطة أحيانا، وأظن أن الكثير من مؤيدي العدالة والتنمية غيروا رأيهم على خلفية القانون الإطار. وربما يصعب استرجاع أصواتهم في المستقبل.