تلعب المنظمات الرياضية الدولية دورا محوريا في تنظيم العلاقات بين الأطراف الرياضية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنازعات عقود اللاعبين المحترفين. وفي هذا الإطار، يبرز دور الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) والمحكمة الرياضية الدولية (CAS) كآليتين رئيسيتين لتسوية هذه النزاعات بشكل يحفظ حقوق جميع الأطراف ويضمن تطبيقا دقيقا للقوانين واللوائح الدولية.
وتظل جدوى الآليات القانونية والمؤسسية المؤطرة لتسوية المنازعات الرياضية قائمة، سواء عبر الاتحادات الرياضية المحلية، أو من خلال الهيئات الرياضية المختصة ومراكز التحكيم الرياضي المحدثة لهذه الغاية، خصوصا أمام تنامي النزاعات الرياضية وهو ما يجعل الموضوع ذا تأثير كبير يستوجب استعراض وتقييم الجوانب القانونية والإجرائية التي تحكم هذه العمليات، على المستوى الدولي.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث في القانون الرياضي، مهدي نويصري، في حديثه لمجلة "TEL SPORT"، أن المادة 22 من اللائحة الدولية لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم تنص على أنه دون المساس بحق أي لاعب أو ناد بطلب التعويض أمام المحاكم العادية في النزاعات المتعلقة بالشغل، يكون للاتحاد الدولي لكرة القدم حق الاختصاص القانوني للنظر في:
1. النزاعـات بــين اللاعبـين والأنديـة في مـا يتعلــق بالحفـاظ علـى الاسـتقرار التعاقـدي (المواد 13/18) عنــدما يكــون هنالــك طلــب شــهادة انتقــال دوليــة، وتكــون هنالــك شـكوى متعلقــة بطلــب الشــهادة مــن طــرف المعني بالأمر، خاصة في مـا يتعلــق بإصـــدار شـــهادة الانتقـــال الدوليـــة، أو العقوبـــات الرياضـــية أو التعـــويض نتيجـــة الإخلال بالعقد.
2. نزاعــات الشغل ذات الطــابع الــدولي بــين اللاعبــين والأنديــة، ما لم توجد محكمة تحكيم مستقلة على المستوى المحلي ضمن إطار منظومة الاتحاد الوطني أو اتحاد اللاعبين تضمن تقاضيا عادلا وتحترم مبدأ التمثيل المتكافئ للاعبين والأندية.
3. نزاعات الشغل ذات الطابع الدولي بين النادي أو الاتحـاد والمـدرب، مـا لـم تكـن هنالـــك محكمـــة تحكـــيم مســـتقلة تضـــمن تقاضيا عادلا علـــى المســـتوى المحلي.
4. النزاعات المتعلقة بالتعويض عن تكاليف تدريب اللاعبين وآلية التكافل بين الأندية التابعة لاتحادات وطنية مختلفة.
5. النزاعـات المتعلقـة بآليـة التضـامن والتكافل بـين الأنديـة التـي تنتمـي إلى ذات الاتحـــاد الرياضي إذا كـــان انتقـــال اللاعـــب موضـــوع النـــزاع يجــري بـــين نـــاديين ينتميـــان لاتحادين مختلفين.
6. النزاعـات بـين الأنديـة التـي تنتمـي لاتحـادات رياضية مختلفـة غيـر تلـك الـواردة بـالفقرات (1) و (4) و (5).
وأضاف نويصري أن من أجل أن يمارس الاتحاد الدولي لكرة القدم اختصاصه القضائي في تسوية المنازعات أعلاه، فقد أحدث هيئة قضائية مختصة بالنظر في هذه المنازعات وتسويتها وهي غرفة فض المنازعات.
إذ تنص المادة 23 من اللائحة الدولية لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم على أنه: "تفصـل غرفـة فـض المنازعـات فـي أيٍ مـن الحـالات الـواردة بالمـادة 22 (أ) و (ب) و(د) و(ه) باستثناء النزاعات المتعلقة بإصدار شهادة الانتقال الدولية"، كما أنها تصـدر قراراتهـا بحضـور ثلاثـة أعضـاء يكـون مـن ضـمنهم الـرئيس أو نائبه، ما لم تكن الحالة ذات طبيعة خاصة يمكن تسويتها بواسطة قاضي غرفة فض المنازعـات.
ويجوز لقاضي غرفة فض المنازعات الحكم في الحالات التالية:
1. النزاعات التي تصل قيمتها القضائية إلى 100 ألف فرنك سويسري؛
2. النزاعـات المتعلقـة باحتسـاب تعويض التـدريب فـي حـال عـدم وجـود مسـائل قانونيـة معقدة، أو في الحالات التي تقع في إطار اختصاص الغرفة؛
3. النزاعـات المتعلقــة باحتسـاب التعـويض التضــامني فــي حـال عــدم وجــود مســائل قانونية معقدة، أو في الحالات التي تقع في إطار اختصاص الغرفة.
وتابع الباحث في القانون الرياضي أنه يمكن التقاضي أمام هذه الغرفة بواسطة محام، غير أن حق التقاضي ليس مطلقا بل مقيدا بحظر زمني بحيث يسقط الحق في التقاضي أمام هذه الهيئة بمرور سنتين من تاريخ نشوء النزاع. كما أن الإجراءات أمام هذه الغرفة تكون مجانية، إذا كان النزاع دوليا وله علاقة بعقد العمل، ويجـوز الاسـتئناف ضـد قـرارات الغرفة أمام محكمة التحكيم الرياضي (CAS)، كما أن كل ناد يمتنع عن تنفيذ قرارات الغرفة قد يتعرض لعقوبات لجنة الانضباط، كما حدث لبعض الأندية المغربية هذه السنة، وبالخصوص نادي الرجاء البيضاوي حينما منعت لجنة الانضباط بـ"الفيفا" قيام نادي الرجاء بانتدابات جديدة بسبب تراكم نزاعات اللاعبين مع النادي.
وأوضح أنه بالإضافة إلى غرفة فض المنازعات يمكن للاتحاد الدولي أن يفصل في بعض النزاعات المتعلقة بالإخلال بشروط الانتقال أو الإعارة، وكذا المنازعات الناشئة عن مقابل الانتقال وطلب شهادات الانتقال الدولية عن طريق لجنة أوضاع اللاعبين، التي ينعقد لها الاختصاص في الحالات المشار إليها أعلاه، وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام محكمة التحكيم الرياضي الدولية(CAS)، غير أن ما يعاب على هذه الهيئات أنها تفضل تطبيق لوائح وقواعد الفيفا على حساب القوانين الداخلية للأطراف المتنازعة وهذا على الرغم من أن هذه اللوائح تفرض على قضاة هذه الهيئات تطبيق القوانين الداخلية لكل دولة.
محكمة التحكيم الرياضية الدولية (TAS/CAS)
يقول نويصري إن محكمة التحكيم الرياضية هي مؤسسة قضائية دولية مستقلة عن المنظمات الرياضية الدولية تختص بتسوية المنازعات الرياضية عن طريق التحكيم أو الوساطة، وتتصف أحكامها بنفس القوة التنفيذية التي تتمتع بها أحكام المحاكم العادية، وتأسست سنة 1983 بعد مصادقة اللجنة الدولية الأولمبية على نظامها الأساسي، لتدخل رسميا حيز التنفيذ في 30 يونيو 1984. وابتداءً من هذا التاريخ أصبح العالم يتوفر على محكمة تحكيم دولية واحدة متخصصة في النزاعات الرياضية، كما أن الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي ظل يرفض الاعتراف بمحكمة التحكيم الرياضية الدولية كجهة قضائية وحيدة للفصل في الخصومات المتصلة بكرة القدم، قرر في عام 2002 تعديل نظامه الأساسي، معترفا لأول مرة بالاختصاص الحصري لهذه المحكمة بالنظر في المنازعات الرياضية المتعلقة بكرة القدم.
وابتداءً من هذا التاريخ أضحت تدريجيا كل الأنظمة الأساسية للاتحادات الدولية والقارية والوطنية تنص على وجوب اللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضية للفصل في الطعون المقدمة ضد القرارات الصادرة عنها.
وأوضح النويصري، في حديثه لـ "TEL SPORT"، أن محكمة التحكيم الرياضية تتوفر على فرعين دائمين بكل من سيدني ونيويورك. ولضمان وحدة الإجراءات بين المقر وهذين الفرعين، ولتفادي كل الإشكالات القانونية المتعلقة بالاختصاص، فإن مقرها يبقى حكما بمدينة لوزان السويسرية، ويظل بذلك التحكيم الجاري أمامها خاضعا للقانون الدولي الخاص السويسري.
اختصاصات محكمة التحكيم الرياضية
كشف الباحث في القانون الرياضي أنه يناط بمحكمة التحكيم الرياضية الدولية النظر في جميع المنازعات الرياضية، ولا سيما تلك المتعلقة بعقود اللاعبين المحترفين عن طريق التحكيم والوساطة.
وباستقراء مدونة التحكيم الرياضية يمكن القول بأن المنازعات المرفوعة أمام محكمة التحكيم الرياضية من حيث طبيعتها تنقسم إلى قسمين:
1- المنازعات ذات الطبيعة المالية، وتتمثل في المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقود والمنازعات الخاصة بانتقال اللاعبين المحترفين، والمنازعات المتعلقة بأماكن الفعاليات الرياضية وأي منازعات تتعلق باللاعبين ووكلائهم والأندية الرياضية، ويدخل ضمن هذا النوع من المنازعات تلك المتعلقة بالمسؤولية المدنية كالحوادث التي يتعرض لها اللاعبون أثناء المنافسة الرياضية.
1- المنازعات الناشئة عن القرارات الصادرة بدرجة أخيرة من محاكم رياضية معينة أو لجان قضائية تعمل ضمن إطار الاتحادات الرياضية أو هيئات رياضية أخرى، عندما تنص الأنظمة الأساسية وتعليمات هذه الهيئات على اختصاص محكمة التحكيم بالطعن في قراراتها.
هيكلة محكمة التحكيم الرياضية الدولية
تتألف محكمة التحكيم الرياضية من خمسة أجهزة على النحو الآتي:
أولا: الغرف التحكيمية: وتنقسم إلى ثلاث غرف تحكيمية:
1- غرفة التحكيم العادية:
تختص بالنظر في المنازعات الرياضية المتصلة بإبرام العقود أو إتمام إبرامها أو تنفيذها، والتي تنشأ بين مختلف الفاعلين الاقتصاديين في المجال الرياضي، كما تختص الغرفة، كلما تضمن العقد شرطا تحكيميا لفائدتها، بالنظر في المنازعات المتعلقة بانتقالات اللاعبين وتلك المتعلقة بعقود الشغل سواء ما تعلق بإنهائها أو رفض تنفيذ مقتضياتها.
ب- غرفة التحكيم الاستئنافية:
تختص بالنظر في الطعون الاستئنافية في القرارات الصادرة عن الجمعيات والاتحادات الرياضية أو أي منظمة رياضية أخرى كلما نصت أنظمتها الأساسية أو اتفاق خاص على ذلك.
وتتولى كتابة ضبط المحكمة الدولية توزيع القضايا المرفوعة إليها بين الغرفتين العادية والاستئنافية حسب طبيعتها، وفقا لما ينص عليه النظام الأساسي للمحكمة وقانونها الإجرائي دون أن يكون قرارها هذا قابلا للطعن فيه.
ج- غرفة مكافحة المنشطات:
غرفة حديثة ثم تأسيسها سنة 2019 تختص بتسوية المنازعات المتعلقة بمكافحة المنشطات.
ثانيا: غرفة التحكيم الخاصة:
يقول الباحث الأكاديمي ذاته إنه بموجب الفقرة 8 من المادة S6 من مدونة التحكيم الرياضية الدولية الجاري بها العمل أمام محكمة التحكيم الرياضية، للمجلس الدولي للتحكيم الرياضي إنشاء غرف تحكيمية إقليمية أو جهوية متخصصة في التحكيم الرياضي. وهو الأمر الذي حدث سنة 1996 حيث أنشأ غرفتين تابعتين للمحكمة الرياضية الدولية بكل من نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية وسيدني الأسترالية، وفي 2021 تم إحداث مقر لمحكمة التحكيم الرياضي الدولي بمدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية.
ثالثا: المحكمون:
يبلغ عدد المحكمين بمحكمة التحكيم الرياضية الدولية أكثر من 300 محكم يتم تعيينهم من طرف المجلس الدولي للتحكيم الرياضي لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد. وتتم مراجعة لائحة المحكمين متم كل أربع سنوات، كما يخضع أعضاء هيئة التحكيم للتجريح والعزل حسب الشروط والحالات الواردة في مدونة التحكيم الرياضية الدولية.
رابعا: رؤساء الغرفتين العادية والاستئنافية:
خولت مدونة التحكيم الرياضية اختصاصات واسعة لرئيسي غرفتي التحكيم العادية والاستئنافية قبل تشكيل الهيئة التحكيمية، إذ لهما حق الإشراف على تشكيل الهيئة التحكيمية واتخاذ كل التدابير المؤقتة والتحفظية في إطار الالتزام التام بشروط الاستقلال والعدالة والإنصاف.
وأوضح نويصري في حديثة لمجلة "TELSPORT"، أن كتابة الضبط تتولى السهر على الإجراءات التحكيمية، ابتداءً من تاريخ رفع طلب التحكيم إلى غاية صدور الحكم وتبليغه إلى الأطراف المعنية. والتأكد من مدى استجابة طلب التحكيم لكافة الشروط المنصوص عليها في المادة R 38 واتخاذ كل ما يلزم لتفعيل الإجراءات التحكيمية (تبليغ الأطراف، تحرير الاستدعاءات، توزيع القضايا المحالة على الغرف المختصة...).
المسطرة أمام محكمة التحكيم الرياضية الدولية
تنظم إجراءات التقاضي أمام محكمة (CAS) وفقا لقانون التحكيم الرياضي (CAS)، حيث إن هذا القانون جرى العمل به منذ أكثر من (20) عشرين سنة، إذ ينظم التحكيم والوساطة بمحكمة التحكيم الرياضية. واللغات المعمول بها في محكمة التحكيم الرياضية الدولية هما اللغتان الفرنسية والإنجليزية، ويجوز تمثيل الأطراف أو بمساعدة من قبل أشخاص من اختيارهم، وتتم الإخطارات والاتصالات إلى الأمانة العامة للمحكمة، وبتلقيها لتلك الإخطارات من قبل الأطراف يبدأ حساب الآجال من اليوم الموالي لتلقي تلك الإخطارات.
أولا: إجراءات التحكيم العادية
تسري هذه الإجراءات أمام غرفة التحكيم العادية لمحكمة التحكيم الرياضية وفقا لنصوص المواد من 38 إلى 46 من مدونة التحكيم الرياضية الدولية التي تنظم إجراءات التحكيم العادية، وقد شرّعت هذه القواعد لحل النزاعات ذات الطبيعة التجارية. ويتعين على الطرف الذي يريد اللجوء للإجراء العادي للتحكيم إرسال عريضة إلى أمانة المحكمة، إضافة إلى طلب التحكيم، إلى جانب الوثائق الأخرى وفقا للبيانات الواردة في المادة 38 من المدونة، ويتوجب أن تتضمن العريضة وصفا موجزا للوقائع والحجج القانونية واسم وعنوان المدعى عليه، وطلبات المدعي، ونسخة من اتفاق التحكيم ومعلومات عن اختيار المحكمين وعددهم.
وبخصوص إجراءات التحكيم الابتدائي، أوضح نويصري أنها تبدأ بتقديم طلب التحكيم ودفع رسوم التسجيل لمكتب المحكمة البالغة خمسمائة (500) فرنك سويسري، وبعد تقديم المدعى عليه لجوابه على طلب التحكيم تبدأ إجراءات تشكيل الهيئة التحكيمية، ويحيل مكتب المحكمة ملف الدعوى إلى هذه الهيئة لتبت في النزاع وفقا لقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، إذا لم يتم مثل هذا الاختيار فتبت فيه وفقا للقانون السويسري، وقد يخول الأطراف الهيئة تطبيق مبادئ العدالة والإنصاف. ويدفع الأطراف في التحكيم الابتدائي، فضلا عن رسوم التسجيل، الرسوم الإدارية وأجور المحكمين لمحكمة التحكيم الرياضية.
وتعد الهيئة التحكيمية الجهاز المختص بحل النزاعات، إذ يمثل أعضاء هذا الجهاز جزءا من أعضاء الغرفة العادية للتحكيم، وتتكون الهيئة التحكيمية من محكم فرد أو عدة محكمين يتم اختيارهم من قبل الأطراف أو محكمة التحكيم الرياضي، ويمكن للأطراف تحديد المحكمين وكذا عددهم من خلال اتفاق التحكيم، إذ تنص المادة 1/40 على أن الهيئة يمكن أن تتكون من محكم واحد أو ثلاثة محكمين.
وتابع أنه قد يتفق الطرفان، كذلك، حول كيفية تعيين المحكمين عن طريق التسوية أو شرط التسوية، في هذه الحالة يتعين عليهم اختيار محكم واحد خلال أجل 15 يوما المقررة لهم بعد استلام العريضة من قبل محكمة التحكيم. ويتعين على الأطراف، في حالة اختيارهم لثلاثة محكمين، أن يختار المدعي محكما والمدعى عليه محكما، خلال الأجل المقرر من قبل المحكمة، حيث يقوم المحكمان اللذان تم اختيارهما بتعيين محكم ثالث يعد رئيس الهيئة التحكيمية. وفي حال التعدد، سواء بالنسبة للمدعين أو المدعى عليهم في طلب التحكيم، تقوم المحكمة بتعيين عدد المحكمين وكذلك هيئة التحكيم بناءً على موافقة جميع الأطراف، وإذا كان هناك ثلاثة أطراف أو أكثر لهم مصالح متباينة يتم تعيين المحكمين وفقا لاتفاق الأطراف.
وأوضح النويصري أن المادة 44 من مدونة التحكيم الرياضي تنص على كيفية سير الإجراءات أمام الغرفة العادية، حيث تتم هذه الإجراءات إما كتابة أو شفاهيا، كما يمكن للمحكمة سحب طلب التحكيم بناء على تخلف أحد الأطراف عن شرط كتابة مذكراته، كما هو معمول به في العديد من القوانين المنظمة للتحكيم.
وفي سياق التحكيم العادي، للطرفين حرية الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وفي حالة فشل مثل هذا الاتفاق، يطبق القانون السويسري. وتستهل إجراءات التحكيم بطلب التحكيم الذي نصت عليه المادة 38 وعلى الطرف الذي يريد عرض نزاعه على محكمة التحكيم تقديم طلب إلى أمانة المحكمة يتضمن البيانات الآتية:
- الاسم والعنوان الكامل للمدعى عليه؛
- بيان موجز للوقائع والحجج القانونية؛
- الطلبات؛
- نسخة من اتفاق التحكيم أو من أي وثيقة تنص على التحكيم لدى CAS ؛
- أي معلومات عن اختيار وعدد المحكم أو المحكمين؛
- وإذا نص اتفاق التحكيم على المحكمين، وجب على المدعي اختيار المحكم من قائمة محكمي محكمة (CAS) ويجب على المدعي دفع رسوم التحكيم المنصوص عليها في المادة 64 من المدونة.
ثانيا: إجراءات التحكيم بالاستئناف
كشف الباحث في القانون الرياضي أن المواد من 47 إلى 59 من مدونة الحكيم الرياضية نظمت إجراءات الاستئناف، وتسمح هذه الإجراءات للمحكمة بالنظر في النزاعات الرياضية التي صدرت فيها قرارات بالدرجة الأولى على مستوى الاتحادات أو الرابطات أو أي هيئات أخرى رياضية، داخل غرفة التحكيم بالاستئناف، ووفقا للمادة 47 والتي تنص على أنه: "يجوز تقديم استئناف ضد قرار من اتحاد أو منظمة رياضية أخرى إذا كان النظام الأساسي أو اللوائح الخاصة بهذه المنظمة الرياضية توفر ذلك أو إذا كان الطرفان قد دخلا في اتفاق تحكيم خاص"، وأن أي استئناف ضد قرار اتحادي أو رابطة أو أي هيئة رياضية أخرى، يتعين بموجبه على محكمة النظر في القوانين الأساسية أو القواعد النظامية لهذه الهيئات حول اعتمادها للتحكيم لدى المحكمة الرياضية الدولية، أو أن هناك اتفاقا مبرما بين الأطراف يقضي باللجوء إليها، حيث يجب على مقدم الاستئناف أن يستنفد جميع وسائل التسوية التي تتضمنها قوانين أو أنظمة هذه الهيئات.
يقول نويصري إنه لا استئناف يقدم لهيئة التحكيم المشكلة إما من محكم فرد أو عدة محكمين، حسب الاختيار، إذ للأطراف دور في اختيار المحكمين. وعلى المدعي الذي يريد الاستئناف إرسال تصريح بالاستئناف لدى محكمة التحكيم، إذ تنص المادتان 48 و 60 على ما يجب أن يتضمنه التصريح بالاستئناف من بيانات على النحو الآتي:
- الاسم والعنوان الكامل للمدعى عليه أو المدعى عليهم؛
- نسخة من القرار المطعون فيه؛
- طلبات المستأنف؛
- تعيين المحكم الذي يختاره مقدم الطلب على قائمة المحكمين ما لم يطلب تعيين محكم واحد؛
- إذا اقتضى الأمر، عريضة مسببة لمفعول الإيقاف؛
- نسخة من الأحكام القانونية أو التنظيمية أو اتفاق محدد ينص على جواز لاستئناف أمام المحكمة.
وتتم الإجراءات أمام التحكيم بالاستئناف إما كتابة بتبادل المذكرات أو شفاهيا عن طريق جلسات الاستماع. فطبقا لنص المادة 51 يتعين على المستأنف خلال عشرة أيام الموالية لانقضاء آجال الاستئناف تقديم مذكرة تتضمن الوقائع والحجج القانونية، مصحوبا بجميع المستندات والأدلة التي يرغب في الاعتماد عليها، حيث يتوجب عليه، وبنفس الآجال، تبليغ أمانة المحكمة كتابة أن المذكرة تعتبر تصريحا بالاستئناف، حيث تسحب الدعوى في حال لم يمتثل لهذا الموعد النهائي.
وتابع أن ما يمكن إضافته بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على مستوى كلا القسمين أن هناك قرارا صادرا في سنة 2004 عن محكمة التحكيم الرياضية الدولية، جاء فيه أنه استنادا إلى نص المادة 58 من محكمة التحكيم تُطبق على النزاع المعروض على المحكمة قواعد القانون الذي اختاره الطرفان، وفي حالة عدم وجود مثل هذا الاختيار يتم تطبيق قانون البلد أو الهيئة الرياضية التي أصدرت القرار المطعون فيه، وفي حالة عدم ملاءمتها بأي جانب من جوانب النزاع فيتم البت في النزاع وفقا للقانون السويسري.
طبيعة الأحكام الصادرة عن (CAS)
أوضح الباحث المتخصص في المنازعات الرياضية، أن الحكم الذي يصدر عن محكمة التحكيم الرياضية الدولية يكون بالأغلبية وعند تحقق الأغلبية يصدر الحكم بقرار الرئيس وحده، والحكم يجب أن يكون مكتوبا ومؤرخا وموقعا عليه، ويجب أن يكون هناك تسبيب موجز للقرار، كما أن توقيع القرار من قبل الرئيس يكون كافيا، وقبل توقيع القرار يحال إلى الأمين العام لقضاء التحكيم الرياضي الذي يمكن أن يجري تصحيحات ذات طبيعة شكلية بحتة، كما يمكن أن يلفت نظر مجلس التحكيم إلى بعض المسائل الأساسية من حيث المبدأ، حيث إن الحكم الذي يتم التبليغ به من أمانة قضاء التحكيم يكون نهائيا وملزما للطرفين، كما أن الحكم المبلغ من قضاء التحكيم الرياضي هو نهائي وملزم للطرفين وغير قابل لأي طعن أو الاستئناف ولا يجوز طلب إبطاله إلا في حالات ضيقة كحالة عدم الاختصاص، وتكون مدة الطعن 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم وتعتبر المحكمة المختصة بذلك هي المحكمة الفيدرالية السويسرية، ومتى رفض أحد الأطراف تنفيذ الحكم، فيمكن للطرف الآخر تنفيذه جبرا وفقا لاتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية.
وأشار، في هذا الإطار، إلى أن قراراتها ذات فاعلية دولية وقوة قانونية، فهي واجبة التنفيذ. إذ تخضع قرارات محكمة التحكيم الرياضي وفقا لهذه الاتفاقية إلى القواعد الداخلية في الدولة المطلوب تنفيذها. من هنا نستنتج أن محكمة التحكيم الرياضية الدولية أصبحت تقوم بتوفير الضمانات الكافية والقوة القانونية لأحكامها وقراراتها من حيث الاستقلالية والموضوعية لتكون في الأخير نهائية وملزمة.
ومن أمثلة النزاعات المعروضة عليها التي فصلت فيها بحكم ملزم أنها أصدرت حكما ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) واللجنة الأولمبية الدولية قبل أولمبياد 2008 بكين؛ إذ حكمت لصالح الأندية الأولمبية، ومن ضمنها نادي برشلونة الإسباني، في ما يتعلق بمشاركة اللاعبين فوق سن 23 مع منتخبات بلادهم باعتبار أن الأولمبياد مخصص أصلا لمشاركة اللاعبين دون 23 سنة ويجوز لكل دولة مشاركة الاستعانة بثلاثة لاعبين فوق هذا العدد. كسبت الأندية القضية وخسر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بكل سطوته وجبروته، واللجنة الأولمبية الدولية القضية والتزما بحكمها.