يستعد المغرب لبدء إجراءاته لتصدير دواجنه إلى أوروبا. لكن قبل ذلك يجب عليه أن ينتظر قرار المفوضية الأوروبية لترخص له. فبعد تقريرها الأول الذي أشار إلى أن "قطاع الدواجن بالمغرب لا تتوفر فيه بعض الشروط الصحية"، عاد هؤلاء في شهر شتنبر لإكمال بحثهم، وشمل عملهم مراقبة خدمات المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية "أونصا" (ONSSA)، الجهة المخول لها رسميا طمأنة المغاربة على صحة ما يستهلكون.
قام خبراء المفوضية بعقد عدة لقاءات مع مسؤولي المصالح الصحية في المديريات الجهوية للمكتب الوطني، وعاينوا المختبرات التحليلية المختصة بمراقبة صحة الدواجن. كما قاموا بزيارة ضيعات تربية الدواجن، والمجازر المخصصة لإنتاج اللحوم. بالإضافة إلى تفقدهم لمكاتب الطب البيطري، المشرف بشكل رسمي على هذا القطاع بالمغرب. الخبراء الأوروبيون انتهوا إلى أن "ظروف تربية الدواحن بالمغرب، لا ترقى للحصول على تراخيص صحية تخولها تصدير اللحوم إلى أوروبا"، حسب يومية ليكونوميست المغربية، وهو اتهام صريح للمكتب الوطني للسلامة الصحية .
صحة الأوروبي أولا !
ما خلصت إليه ملاحظات الخبراء، بخصوص ظروف إنتاج الدواجن بالمغرب، يثير مخاوف استهلاكها وأثرها على صحة المواطنين، بغض النظر عن قبول تصدريها من عدمه. وبهذا الخصوص يؤكد مدير حماية الرصيد الحيواني والنباتي بـ"أونصا" عبد الرحمن العبراق، أن "المفوضية الأوروبية اشترطت بعض الشروط الصحية الصارمة، بعدما تقدمت اونصا في 2014 بطلب التصدير. فتم إنجاز البعض منها، ليتم إرسال فريق خبراء آخرين مع بداية 2017 للتأكد من مراعات المغرب لمعاييرهم المعتمدة في الدول المتقدمة". ويتعلق الأمر، حسب تصريح العبراق لموقع تيلكيل عربي، "بتصدير نوع من لحوم الدواجن المعالجة حراريا، أي التي تم فحصها ولا تشكل أي خطر".
وتركز اللجنة الأوروبية في عملها على مرحليتن أساسيتين: مرحلة تربية الدجاج، بما يشمل القوانين المهيكلة لهذا القطاع والبرامج الصحية وأنظمة المراقبة. "والتي افتحصتها اللجنة عندما زارت المغرب في شهر مارس، وأبدت توصياتها لكي ينصاع لها القطاع في متم شهرين"، يقول العبراق. ثم هناك مرحلة أخرى تشمل تقييم الرواسب والمختبرات والأماكن المخصصة لكيفية المراقبة والتشخيص والتتبع. "أبدت لنا اللجنة بشكل غير رسمي رضاها عن هذه المرحلة بعد زيارة شهر شتنبر، والتي قررت بناء عليها العودة نهاية السنة لافتحاص الشركات المصدرة"، يضيف المسؤول بالمكتب.
اللحوم التي يرغب المغرب (عن طريق اونصا) في تصديرها "تشكل جزءا محددا من الإنتاج الوطني، وسيراعى فيه توصيات الأوروبيين"، حسب العبراق. لكن ماذا عن باقي الدواجن التي لا تتوفر فيها "الشروط العالمية والصحية"، ويتم استهلاكها من طرف المغاربة. هل طريقة إنتاجها (ضيعات تربية المواشي، المجازر، طريقة ذبحها..) لا تشكل خطورة على صحة المستهلك المغربي؟
المغربي يقبل دواجنه
تقول الأرقام إن نسبة كبيرة من إنتاج لحوم الدواجن لا تخضع للمراقبة، كما أن ما بين 14 إلى 15 ألف وحدة ومكان مخصص لذبح الدجاج تشتغل بشكل عشوائي وبدون ترخيص. بهذا الصدد يقول بوعزة الخراطي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق المستهلك في تصريحه لنا: "يعيش إنتاج الدواجن بالمغرب واقعا متخبطا، بسبب اللوبيات التي تعيق تطبيق القانون 49.55، القاضي بتحديد ضوابط وشروط تربية الدواجن قبل استهلاكها".
تلك الشروط قد لا ترقى لمعايير الأوروبيين، والتي من دور المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أن يسهر على احترامها، لا يمكن مراقبتها، حسب الخراطي، وذلك "لكون المكتب الوطني لم يعد يملك الإمكانيات والأطر المؤهلة لمراقبة ما يستهلكه المغاربة". هذا العائق يرجحه الخراطي للحكومة التي "لا تهتم بإحياء هيكلة (أونصا)".
وفي سياق متصل، نبه محمد أعبود رئيس الجمعية الوطنية لمربي دجاج اللحم، إلى أن "المكتب الوطني (أونصا) لم يتجاوب مع مراسلات سبق للجمعية أن نبهت إليها بشكل استباقي، وتهم ملاحظات صحية تعتري قطاع الإنتاج، وبعض المشاكل التي تمس سلامة المواطنين، "بما فيها انتشار عدوى مميتة بين الدواجن قبل سنة 2016، تسببت في نفوق أكثر من 50 بالمائة من إنتاج بعض مناطق المغرب المهمة"، يقول الجمعوي .
الرياشة خارج المراقبة
وبخصوص ما تعيشه حالة المجازر العشوائية للدواجن، أو من يسمون بـ"الرياشة" البالغ عددهم 15 ألف، يؤكد عبد الرحمان العبراق أن هؤلاء "يحملون تراخيص استغلال محلات، وليس تصريحا صحيا من طرف مكتبنا الوطني، الذي يقتصر دوره على مراقبة المشتغلين المهيكَلين، الذين يحملون ترخيص المكتب فقط". ولهذا يرى مدير حماية الرصيد الحيواني والنباتي بـ"أونصا"، أن سلامة المواطنين لا تقتصر عليهم فقط، بل "يجب إعادة النظر في الجهات التي يشملها القانون التنظيمي لكي تتحرك جميعها"، مشيرا إلى أن بعضا من هذه الجهات "تمنح التراخيص لتلك الأماكن وتساهم في انتشار العشوائية".
مع هذا الوضع، وبالنظر إلى العواقب المترتبة على عدم تتبع عملية إنتاج اللحوم، بما يشكل خطرا على الاستهلاك الوطني، يعود المهنيوين إلى التأكيد إلى أن "الأرضية القانونية والميدانية لا تسمح بتصدير الدواجن ولا باستهلاكها بهذا الشكل"، يضيف أعبود.
يعكس هذا العدد الكبير للمشتغلين بشكل عشواي خارج قانون إنتاج الدواجن، رقما كبيرا لليد العاملة التي تعتمده كمصدر دخل. ولذلك يأمل المهنيون بضرورة إدماج تلك النسبة الكبيرة في الميدان، دون إغفال "الصرامة الصحية" في عملية الإنتاج وفي تطبيق القانون كذلك.