هذه استراتيجية النهضة في انتخاب الرئيس القادم بتونس

أ.ف.ب / تيلكيل

 قبيل نحو خمسة أشهر من الانتخابات العامة التونسية، يسعى حزب النهضة الإسلامي الى أن تكون له الكلمة الفصل في اختيار مرشح الى الانتخابات الرئاسية يحظى بتوافق في البلد الوحيد الناجي من تداعيات الربيع العربي المأساوية، وذلك عبر تثبيت موقعه في البرلمان.

وتجري الانتخابات البرلمانية في تونس في السادس من أكتوبر، تليها الرئاسية في 17 نوفمبر. ولم يقدم حزب "حركة النهضة" أي مرشح اليها بعد، لكنه يبقى المنافس الأبرز على السلطة وأكثر الأحزاب تماسكا رغم تراجع رصيده الانتخابي منذ 2011 الى اليوم.

ويقول رئيس تحرير صحيفة "المغرب" المتخصص في الشأن السياسي في تونس زياد كريشان لوكالة فرانس برس "هدف النهضة الأساسي هو البقاء في الحكم، وهذا يقتضي أمرين معا: وجود كتلة وازنة في البرلمان وأن يكون الرئيس في صفه وغير معارض له".

وتدخل النهضة سباق الانتخابات متقدمة على باقي القوى السياسية بمجموعة من الحوافز أهمها فوزها بنصيب كبير من مجالس البلديات في انتخابات مايو 2018، بالاضافة الى تماسك الحزب وكتلته البرلمانية عكس "نداء تونس" الذي تصدع جر اء الصراعات الداخلية على النفوذ.

ونالت حركة النهضة في الانتخابات البلدية السابقة 2139 مقعدا وترأست قرابة 40% من المجالس البلدية من مجموع 350 مجلسا، وتسعى الى الحفاظ على عدد المقاعد نفسه في البرلمان (69) في الانتخابات التشريعية المقبلة.

وتؤكد قيادات الحزب الذي بدأ يقد م نفسه منذ 2016 ك"حزب إسلامي مدني ديمقراطي"، أن الحركة لن تقف على الحياد في الانتخابات الرئاسية وسيكون لها مرشح وصفه رئيس الحركة راشد الغنوشي "بالعصفور النادر"، مشيرا الى أنه سيكون إما من قياداتها أو من خارج الحزب.

ويرجح كريشان في هذا السياق أن ينتظر الحزب "الى آخر لحظة للمراهنة على مرشح يكون الجواد الرابح ويفوز بالتأكيد".

في 2014، اختارت النهضة عدم دعم أي مرشح في الانتخابات الرئاسية وفضلت البقاء على مسافة من المرشحين البارزين آنذاك الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي المقر ب منها.

وتم انتخاب السبسي ودخل في توافق في الحكم مع "النهضة" انتهى في خريف 2018 بعد أن رفض الحزب الإسلامي برئاسة راشد الغنوشي القبول بتغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تزعزعت علاقته بالرئيس.

ويتم التداول اليوم باسم الشاهد كمرشح بارز الى الرئاسة. وقد انتخب الشاهد رسميا رئيسا لحزب "يحيا تونس" الأحد.

كما أعلن كل من رجل الاعلام القوي والمثير للجدل وصاحب قناة "نسمة" الخاصة نبيل القروي ترشحه للرئاسية بالرغم من الانتقادات الشديدة التي توجه له كونه يوظف قناته لخدمة أهدافه السياسية.

كما كشف القيادي البارز السابق في "النهضة" ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي احتمال ترشحه الى الانتخابات الرئاسية بصفة مستقلة.

ويعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن "النهضة تحاول أن تكون دائما داخل النظام... تخاف من الانفراد بالقرار".

وهو يشير الى فوز النهضة في انتخابات 2011، الأولى بعد الثورة والإطاحة بنظام زيد العابدين بن علي، عندما تسلمت الحركة الإسلامية الحكم في أو ل امتحان في السلطة، لكنها سرعان ما واجهت معارضة سياسية شديدة وأزمات حادة وصلت الى حد الاغتيالات التي طالت معارضين واتهم بتنفيذها إسلاميون متشددون في فترة كانت البلاد تشهد أولى خطوات انتقالها الديمقراطي.

ودفع كل ذلك الحزب الى الانسحاب من السلطة وتركها لحكومة تكنوقراط مطلع 2014.

ويقول الناطق الرسمي باسم "النهضة" عماد الخميري إن تلك المرحلة كانت "فترات تأسيسية صعبة على كل الأصعدة... تجربة الحكم كانت صعبة".

في الوقت نفسه في مصر، كانت تجربة أخرى للإسلاميين تبوء بالفشل. ويحكم عبد الفتاح السيسي البلاد منذ 2013 بعد أن أطاح، حين كان قائدا للجيش، بالرئيس السابق محمد مرسي المنتمي الى الإخوان المسلمين، والذي كان أول رئيس ينتخب ديموقراطيا في البلاد التي توالى عسكريون على حكمها منذ الإطاحة بالملكية في العام 1952.

ويرى الجورشي أن "النهضة تخاف من أوروبا وتخاف من أميركا وتخاف من أن المنطقة كلها تهتز. والنهضة لا تريد إعادة خطأ 2011".

وبالتالي، "ستحاول ألا تحصد الغالبية في البرلمان، لأن الغالبية البرلمانية ستفتح عليها النار من جميع الجوانب".

ويوضح أن الحركة "ستبذل مجهودا كبيرا للحصول على أقصى تقدير، على 70 أو 75 مقعدا لكي تستطيع أن تفاوض في ما بعد على ائتلاف حكومي مع "تحيا تونس" أو أن تحاول توسيعه قدر الإمكان لكي لا تتحمل المسؤولية وحدها".

ويقول الجورشي إن "النهضة أكثر قوة وتماسكا رغم أنها خسرت جزء كبيرا من قواعدها الانتخابية ما بين 2011 و2014 وصولا للبلديات، النهضة خسرت نحو مليون صوت، وهذا مفهوم لأنها لم تكن في مستوى طموحات من انتخبها".

وحصلت النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 على 1,5 مليون صوت، وحصدت في الانتخابات التشريعية في 2014 على أكثر من 940 ألف صوت، بينما جمعت في الانتخابات البلدية الأخيرة 430 ألف صوت تقريبا.

غير أن النهضة تؤكد اليوم أنها حريصة على الفوز في الانتخابات المقبلة.

ويقول عماد الخميري "النهضة راكمت تجربة مهمة خلال الثماني سنوات الأخيرة في خوض الانتخابات... ستخوض الانتخابات في كل الدوائر والنهضة حريصة على الفوز".

ويستدرك "ما يعنينا ليس ان تحكم النهضة بل ان تكون منظومة الحكم مستقرة... تحظى بالدعم السياسي الواسع".

ويضيف "لا يمكن لحزب سياسي أن يحكم بمفرده. في تونس، ستحتاج الأحزاب الكبيرة لمن تتحالف معه وتتوافق معه لإدارة الحكم".