أوريد: ليس هناك أسمى من أن يخدم المرء بلده وليس هناك أسوأ من أن يحال إلى تحفة2/2

تيل كيل عربي

في الجزء الثاني من هذا الحوار مع حسن أوريد، الذي كان ناطقا رسميا باسم القصر الملكي ومؤرخا للمملكة وواليا ليتحول إلى روائي وكاتب غزير الإنتاج، يتم التطرق إلى السلطة وعلاقتها بالمثقف وهمومها، وحول علاقته الشخصية بها، وإن كان يشعر بحنين إليها، في إطار بوحه حول طموحه في السلطة، خيبته، أمله الباقي وعلاقته بالكتابة وقصة الحب المتوارية...

 حاورته سعيدة الكامل

كانت شخصية المتنبي ولازالت تثير الجدل عن العلاقة بين الشاعر والسلطة، وقد نعمم لنقول العلاقة بين المثقف والسلطة. هل وجدت شخصية المتنبي تعبر عن دواخلك كمثقف وكإنسان كان في قلب السلطة وله طموح بالسلطة وتبدو علاقته بها وبالمتنبي  كعلاقة حب فيها محنة؟

نعم هناك علاقة عشق. أكيد.  المتنبي، كما يقال، كان يعبر عن خواطر الناس. نفذ إلى طبيعة النفس البشرية. المتنبي أدرك مسألة الكرامة الإنسانية، كما في بيته التالي:

فلا عبرت بي ساعة لا تعزني    ولا صحبتني مقلة تقبل الظلما

اقرأ أيضا: أوريد: السلطة في الثقافة العربية ليست عقدا اجتماعيا بل غنيمة 2/1

هناك من يتجنون على المتنبي باعتباره شاعرا متكسبا مثلما فعل طه حسين وغيره. من ينبغي أن ننتقد المتنبي أو السياق الذي كان يعيش فيه؟

المتنبي كان يتلظى بالواقع الذي دفعه لكي يتكسب، حتى إنه أضحك ناقته التي أخذت تهزأ منه، لأنه يتنقل بين ممدوحين أشبه ما يكونون بالصنم، من دون عفة الصنم.

في الرواية وخارج الرواية، القارئ لأعمالك والعارف بمسارك سيلحظ كـأن هناك انتقالا من سلطة لسلطة، كان هناك إبعاد من سلطة ذات طبيعة سياسية وكأنك تقول الآن هناك سلطة أخرى وهي سلطة الثقافة والكتابة وكأنك امتلكت سلطة جديدة ربما في نظرك أقوى ومن خلالها تحاكم السلطة السياسية.

لا أستطيع أن أقول إن وضعي كمثقف يعطيني سلطة. أشعر بنوع من الطمأنينة لأني منسجم مع نفسي، ولأنني أشعر بأني أسعى أن أمنح حياتي معنى. هناك أشخاص يمكن أن تختزل حيواتهم في أمور مادية أو أوضاع اجتماعية، وهذا شيء مشروع ومفهوم. ولكن هناك أشخاص يعيشون بأفكار وتسكنهم الأفكار. هؤلاء إن نأوا عن  الأفكار التي تسكنهم يعيشون تمزقا.  أذكر، قبل عشر سنوات، وقعت على جملة كنت قرأتها صغيرا وهي أن مدار السعادة هو مدى  مطابقة أحلام  الإنسان التي راودته في صباه، مع منجزاته كبيرا. وبالتبعية  الإنسان يكون شقيا حينما ينأى عن الأحلام التي راودته صغيرا.

ألا تشعر بحنين؟

(صمت) هناك مخلفات خيبة.  الزمن يبسلم كل شيء. كما في علاقة حب.  السلطة هي نوع من الليبيدو، أنا أتفق، فيها إغراء. أكيد...  والإغراء تتحول أشكاله لكنه يذوي مع الزمن.

لكن يظهر أنه لم يضمر بعد؟

ما الذي يدفعك لهذا القول؟ إذا كانت السلطة من أجل السلطة فهي سيئة، إذا كانت من أجل تصور وهدف فهي جيدة. ليس هناك أسمى من أن يخدم المرء بلده، وليس هناك أسوأ من أن يحال إلى تحفة.

ليس هناك أسمى من أن يخدم المرء بلده، وليس هناك أسوأ من أن يحال إلى تحفة.

وكأنك تريد أن يتسع قلب السلطة لك بأن يحتويك بكل حريتك وأفكارك وتصوراتك؟

  إذا فُهم الأمر على هذا الشكل، فأنا لست مسؤولا عنه. الخيار الذي اخترت هو السعي للفهم.  ليس هناك تجن، ولا نصح ولا تعال. ليس هناك شيء أجدى بل أمتع من الفهم، كما يقول سبينوزا. الجميع ينظر، وقلة تبصر.  والمجتمعات الحديثة تحتاج إلى فئة ترى ما  لا يُرى، وتفك خبل ما هو مختبل. العالم الحديث بنزوعه نحو التخصص أدخل كل شيء في خانات وقوالب، وهو ما لا يتيح النظرة الشمولية.

في خاتمة الرواية، ينبني عند القراءة شعور محزن تجاه الرباط، حتى قسوة، هل قست عليك الرباط؟

أبدا أنا أحب مدينة الرباط.

لا أتحدث فقط عن الرباط المدينة، أتحدث عن الرباط قلب السلطة المركزية...

للقاريء أن يحكم .

"متى تخرجوني من هذا الرباط الذي أوثقتموني فيه من خلال تصور جاهز وتصور مسبق

الرباط هنا قد يكون الأحكام الجاهزة أو ما يسميه بعض الفلاسفة حقائق السوق.

شبهت المقيمين بالرباط بنزلاء مستشفى، وكأنك تقول إن هؤلاء النزلاء هم من يملكون ربما الحقيقة أو الأقرب إليها؟

في جنونهم يكسرون الحواجز، لأنهم لا يرتبطون بروابط قد تحد من رؤيتهم.  جنونهم يسمح لهم بأن ينظروا للحقيقة ويعبروا عنها. قلت بأن رباطا لا يصيخ السمع لمجانينه لا يستحق أن يكون مأوى. بتعبير آخر لابد أن نستمع لهؤلاء الذين قد يبدون خارج السرب. نحن نرى فيما يعتمل الآن  تصورات جاهزة لمنظومات سياسية عصف بها التاريخ، و أولئك الذين كان يُهزأ بهم أصبحوا المرجع،  والذين كانوا يصوغون النُّظم  ويضعون القواعد صاروا في مزبلة التاريخ، لذلك كي نتجنب الانكسار لابد أن نحسن الاستماع للواقع ومن يتحدثون باسمه. الغرب قام على الحرية والوظيفة النقدية. لولاهما ما كان للغرب أن يكون على ما هو عليه. وهذا ما يعوزنا في مجتمعاتنا. نعيش تحت سلطة مطلقة،  وفي ظل أحكام مطلقة، ونفورا من الاختلاف وعدم قدرة على التمييز.

نعيش تحت سلطة مطلقة،  وفي ظل أحكام مطلقة، ونفورا من الاختلاف وعدم قدرة على التمييز.

 يبدو حضور قوي للعلاقة بالسلطة وللعلاقة بالمرأة كذلك. هل هناك نوعا من التقابل بين السلطة والمرأة، يستشف أن هناك ندوبا كما خلفتها السلطة خلفتها المرأة في هذا العمل؟

المرأة هنا حاضنة للأفكار. رمز. في الرواية، تبرز شخصية المرأة حاملة للذكرى وحاضنة للفكرة.  الراوي هنا يخصب الذكرى ليصيغ منها فكرة. لا يقوم هذا الحكي من دون هذين المكونين. تجربة الحب تنبني كذلك على شيء من الأسى ومن الشعور بالهجر، وقد تكون لذته في ألمه.

إذا سمحت بسؤال مباشر أكثر.. ربما لم يحالفك الحظ بالشكل الذي حملته في طموحك مع السلطة، هل وافقك الحظ مع الحب؟

(صمت) نحن مجتمعات تننبي على الفصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة. يمكن جوابا على سؤالك أن أقول بأن هذا الكتاب، في جزء كبير منه، هو سعي للوقوف على علاقة وكذكرى لشيء جميل ومؤلم اعتمل في حياتي، دون أن أذهب أكثر لأنه لا يمس حياتي وحدها.

هناك  كثير من البوح في أعمالك الروائية، هل الرواية عندك حيلة لسيرة ذاتية مضمرة؟

هذه أحكام جاهزة. هل أنا موريسكي؟ وكتبت عن المورسيكيين. أكيد أن هناك أمورا مستقاة من تجربي، وتجربة الإنسان قد تكون مصدرا يستوحيه الكاتب. نحن لا نكتب إلا عن الأشياء التي نشعر بها،  ولا نشعر إلا بالأشياء التي عشناها وتلظينا بها ومن أجلها. هناك شخصيات مركبة في أعمالي. هناك في أعمالي من هم من  صميم الخيال، وهناك شخصيات مركبة، وأخرى حقيقية...