أي جدوى للخط المباشر الخاص بالتبليغ عن الرشوة؟

رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي (تصوير رشيد تنيويني)
الشرقي الحرش

منذ إعطاء انطلاقته في 14 ماي 2018 إلى حدود اليوم أسقط الخط المباشر 053771888 الخاص بالتبليغ عن الفساد والرشوة 101 مسؤولا في قبضة العدالة، كان آخرهم قاض بأكادير ضبط في حالة تلبس بتسلم مبلغ مالي قيمته مليوني سنتيم.

هذه المعلومات التي كشفت عنها مصادر مطلعة  لـ"تيلكيل عربي"، تشير إلى أنه رغم الدعاية التي رافقت اطلاق الخط المباشر، فإن حصيلته تظل ضئيلة، خاصة أن أغلب المتابعين حكم عليهم بعقوبات لا تتجاوز أربعة أشهر، فضلا عن هزالة مبالغ الرشوة المبلغ عنها.

آلية غير كافية

يشير تقرير النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية برسم سنة 2018 أنه أطيح بـ63 شخصا في حالة تلبس بشأن طلبات رشاوى مختلفة تتراوح ما بين 200 درهم و30 مليون سنتيم.

وبحسب تقرير النيابة العامة، فإن قضاء الحكم لا يقتنع دائما بأدلة النيابة العامة رغم وجود حالة التلبس؛ إذ أن 8 متهمين حصلوا على البراءة.

 ويعتبر تقرير النيابة العامة أن هذه الآلية وحدها غير كافية لاجتثاث مظاهر الفساد والقضاء على الرشوة، مشيرا إلى أن عدد الحالات التي تم ضبطها، وقيمة مبالغ الرشوة المبلغ عنها ليس مهما في حد ذاته، بل المهم هو توفير الإحساس بالردع العام، بحيث يعلم الجميع أن يد العدالة قادرة على الوصول إلى المرتشين.

هذا الطرح يؤيده عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي القضاة، الذي اعتبر، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن الخط المباشر ليس سوى وسيلة من بين وسائل وليس الوسيلة الوحيدة لمحاربة الفساد والرشوة.

 ويضيف الشنتوف أن "الخط المباشر يمكن تطويره، إذا تبين أنه لم يحقق أهدافه، لكن بالمقابل هناك آليات أخرى لمحاربة الرشوة، بما في ذلك التشكي المباشر، كما أن عددا من مؤسسات الدولة تمكن المرتفقين من التشكي، وهو ما يؤدي أحيانا إلى ضبط المرتشين".

 ويرى الشنتوف أن الحكم على "الخط المباشر" يحتاج إلى دراسة معمقة لمعرفة أسباب عدم الإقبال الكبير عليه من طرف المواطنين، وما إذا كان المرتشون قد طوروا من أساليبهم واحتياطاتهم.

 أما بخصوص حصول بعض المتابعين على أحكام بالبراءة، فاعتبر الشنتوف أن المحكمة قد تظهر لها معطيات أخرى، خاصة أن بعض الشكايات تكون بهدف الإيقاع ببعض المسؤولين، وقد يكون الأمر لا علاقة بالرشوة، وإنما بوجود تعاملات مالية بين الأشخاص.

مسألة وعي

 من جهته، اعتبر المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن الخط المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة آلية ايجابية، لكنها تظل محدودة أمام الانتشار المهول للرشوة.

 وأوضح الغلوسي أنه رغم محدودية الخط المباشر، إلى أنه ساهم في تنامي الوعي لدى المواطنين بضرورة التبليغ عما يتعرضون له من ابتزاز، مشيرا إلى أن التبليغ عن المرتشين كان إلى وقت قريب يعتبر من "الطابوهات".

 ويرى الغلوسي أن الحاجة ماسة اليوم لتوعية المواطنين بأهمية "الخط المباشر"، معتبرا أن انتشار الوعي وسط المواطنين بأهميته مازال ضعيفا.

 واعتبر المتحدث أن محاربة الفساد والرشوة تقتضي وجود إرادة سياسية حقيقية، وتوفير ضمانات حقيقية للمبلغين والضحايا، داعيا إلى ضرورة مراجعة الترسانة القانونية المتعلقة بمحاربة الفساد والرشوة.

الحيتان الكبار

ويتصور أحمد البرنوصي، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن "الخط الأخضر لا يعالج الرشوة الكبيرة التي تمارسها 'الحيتان الكبيرة'، معتبرا أنه  خط يفضي إلى الوصول إلى حالات الرشوة البسيطة، مثل موظف في مستشفى أو مقاطعة قد يطلب مقابلا لخدمة عمومية أو للتوسط من أجل خدمة معينة، لكنه "لا يحيط بالرشوة الكبيرة بالمغرب".

ويذهب، في حوار سابق مع "تيلكيل عربي"، إلى أن الرشوة الكبيرة  تقدر بما بين 40 و50 مليار درهم في العام الواحد، أي تقريبا ميزانية وزارة التعليم بجميع أسلاكه، وزاد قائلا: "إذا كنا نريد محاربة الرشوة فعلا، فإنه يجب السعي للحيلولة دون ضياع ذلك المبلغ، الذي يمكن أن يساعد على توفير من الخدمات الاجتماعية".