إسبانيا تترقب اليوم أخطر موعد في تاريخها

الملك الإسباني يتوسط رئيس الحكومة المركزية والرئيس المحلي الكاتالوني المتزعم للانفصال
امحمد خيي

تتواصل بإسبانيا أزمة تهديد الكاتالونيين بالاستقلال في وقت ترفض فيه الحكومة المركزية أي مفاوضات معهم، معززة رفضها  بالتهديد، ما جعل الوضع السياسي يتعقد كثيرا، ويفتح باب المجهول أمام الجارة الشمالية للمغرب، إذ تلوح الحكومة المركزية بتطبيق الفصل 155 من الدستور المعاقب لأقاليم الحكم الذاتي المتمردة، أو إعلان حالة الاستثناء بموجب الفصل 116.

تنحبس الأنفاس بالجارة الشمالية للمغرب، طيلة اليوم (الثلاثاء)، ترقبا لأخطر موعد في تاريخها منذ عقود، ممثلا في الخطاب المقرر أن يلقيه كارلس بوتشدمون، رئيس الحكومة المحلية بكاتالونيا وزعيم انفصال الإقليم عن المملكة الإبيرية، على الساعة السادسة مساء، أمام البرلمان المحلي، والذي يفترض أن يعلن فيه استقلال كاتالونيا، بناء على نتائج استفتاء فاتح أكتوبر الجاري، الذي جرى في ظروف عنيفة جدا.

وفيما أعلن زعيم الانفصال، في مقابلة مع التلفزيون العمومي الكاتالوني، أنه سيتحدث عن "الوضعية السياسية" في الإقليم، لم يخف أنه مستعد لإعلان الاستقلال من جانب واحد، إذا لم تستجب الحكومة المركزية الإسبانية لمقترحات الوساطة الرامية إلى تهدئة الوضع، بقوله "لقد فتحنا الباب أمام الوساطة، وقلنا نعم لكل إمكانيات الحوار المقدمة لنا. تمر الأيام، وإذا لم تستجب الدولة الإسبانية بطريقة إيجابية، سنقوم بما جئنا من أجله".

ويتشبث زعيم الانفصال بموقفه الذي يصفه البعض بالمتشدد إلى درجة المغامرة، رغم أنه لا يلقى الإجماع داخل حكومته، إذ ترى سانتي فيلا، الوزيرة الجهوية للمقاولة في كاتالونيا، في عمود نشرته في الجريدة الكاتالونية "آرا"،  أن "الهدنة" مطلوبة، من أجل "منح آخر فرصة للحوار".

وعلى الطرف الآخر، جددت السلطات المركزية في مدريد، بأنها لن تتفاوض مع برشلونة طالما لم تتراجع عن التهديد بإعلان الاستقلال، وتتنازل الحكومة المحلية عن مخططاتها الانفصالية، فقال ماريانو راخوي، الوزير الأول الإسباني، في مقابلة مع صحيفة "إلباييس"، أول أمس (الأحد)، إن "التهديد بإعلان الاستقلال يجب أن يسحب بأقصى سرعة ممكنة".

وإذا حصل عكس ما يطالب به الوزير الأول، قال ماريانو راخوي للجريدة التي سألته عن تطبيق الفصل 155 من الدستور الإسباني، والذي يتيح إلغاء الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإ‘قليم، قائلا "لا أستبعد القيام بكل الإجراءات المتاحة"، مضيفا "ولكن سأقوم بالأمور في وقتها (...) لذلك أحب أن يتم التراجع بأقصى سرعة عن التهديد بإعلان الاستقلال".

وبالنسبة إلى رئيس الحكومة الإسبانية، "يوجد هناك وقت"، ليقوم المسيرون الكاتالونيون بالعودة إلى الوراء تفاديا لرد فعل موجع، علما أن الناخبين والأجنحة المتشددة في الحزب الشعبي اليميني، الذي يقود الحكومة، تطالب ماريانو راخوي بالتحرك ضد الكاتالونيين.

ويوصف أي تطبيق محتمل من قبل الحكومة المركزية الإسبانية للفصل 155 من الدستور، بالمسطرة الشاقة، فهو سلاح ثقيل، لم يسبق أن تم اللجوء إليه، وينص على أنه "إذا لم تحترم منطقة مستقلة الواجبات التي المفروضة عليها بموجب الدستور وباقي التشريعات، أو تصرفت على نحو يمس بالصالح العام لإسبانيا، تقوم الحكومة، بعد توجيه إنذار إلى رئيس الجهة المعنية دون أن يستجب، وبعد موافقة الأغلبية المطلقة في البرلمان، باتخاذ الإجراءات الضرورية لحملها على احترام واجباتها وحماية الصالح العام لإسبانيا".

وبقدر ما يعد الفصل 155 واضحا وصريحا، بقدر ما يعد غامضا من حيث عدم تحديده طبيعة الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة، من قبيل أنه لا يشير إلى إمكانية تعليق عمل الحكومة المحلية لإقليم أو حل البرلمان الجهوي، لكن تفعيله يظل شاقا، فالحكومة المركزية يجب أن تحيل إلى رئيس البرلمان كتابا يوضح بتفصيل الإجراءات المقترحة، والإنذار إلى رئيس إقليم كاتالونيا وجوابه عنه.

وعلى المفوضية العامة للأقاليم المستقلة الإدلاء برأيها، ومنح أجل لكارلس بوتشدمون، رئيس الحكومة الكاتالونية لتقديم أجوبته، ثم يعرض النص على التصويت من قبل البرلمان الإسباني، حيث يتوفر الحزب الشعبي اليميني على الأغلبية المطلقة، التي تضمن له تطبيقه.

وقبل استعمال الفصل 155، يمكن للحكومة، في حال اندلاع تظاهرات أو وقوع "بلوكاج"، اللجوء إلى الفصل 116 وإعلان حالة الاستثناء، وإذا كان ماريانو راخوي، لم يشر صراحة إلى تلك الإمكانية، ولكن قال إنه لن يتردد في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية المتاحة أمامه.

ويتطلب إعلان حالة الاستثناء تصويت الأغلبية المطلقة في البرلمان الإسباني بغرفتيه على خلاف الفصل 155، ما يعني أن ماريانو راخوي، لا حظ له في تطبيق الفصل 116 دون دعم الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي أعلن مسبقا رفضه تطبيق الفصل 155، لأنه "حل راديكالي جدا".

وفي الوقت الذي يطالب فيه الانفصاليون الكاتالونيون، منذ استفتاء فاتح أكتوبر بتدخل الاتحاد الأوربي، يتحفظ الأخير، ويربأ بنفسه عن التدخل أو اقتراح أي وساطة بين مدريد والانفصاليين الكاتالونيين، إذ قال  الناطق الرسمي باسم المفوضية الأوربية، الجمعة الماضي، إن "القضية شأن داخلي إسباني".

وفي المقابل، بدأت المجموعات السياسية الرئيسية في البرلمان الأوربي، سيما المحافظون في الحزب الشعبي الأوربي، والاشتراكيون الديمقراطيون، والليبراليون الديمقراطيون، بالضغط بشكل خفيف، فخلال دورة استثنائية استدعي إليها النائب الأول لرئيسة المفوضية الأوربية، تم التأكيد على أن استفتاء فاتح أكتوبر بكاتالونيا غير دستوري وغير قانوني، لكن مع نبرات مختلفة نسبيا من قبل المجموعات السياسية الثلاثة الأكثر حضورا في البرلمان الأوربي، تدعو مدريد وبرشلونة إلى الحوار.

بتصرف عن "لوموند"