الأحياء الفقيرة بمراكش.. الأرض الخصبة للتطرف

منزل والدي عبد الرحمن خيالي جريمة إمليل
أ.ف.ب / تيلكيل

 يبدو حي العزوزية حيث أوقف عبد الرحيم خيالي، أحد المشتبه بهم في مقتل السائحتين الاسكندينافيتين في المغرب، بعيدا كل البعد عن الأحياء الراقية في مراكش جوهرة السياحة المغربية، بمناطقه السكنية العشوائية وباعته المتجولين وشبابه العاطلين عن العمل.

فاطمة خيالي عمة عبد الرحيم، هذا السباك البالغ من العمر 33 عاما الذي أوقف الاثنين إثر الاشتباه بتور طه في جريمة قتل الطالبة الدنماركية لويزا فيسترغر يسبرسن والنروجية مارين أولاند في منطقة نائية من الأطلس الكبير (الجنوب)، تعجز عن تصديق ما حصل.

وتقول المرأة البالغة من العمر 46 عاما في تصريحات لوكالة فرانس برس والحزن جلي في عينيها "هذه فاجعة لنا وللمغرب. لا أحد يتقبلها".

يقع هذا الحي في الضاحية الشمالية الغربية لمراكش العاصمة السياحية للمغرب ويفصله شارع رئيسي معبد عن منطقة بنيت فيها فيلات محاطة بأشجار النخيل. وفي الجهة المقابلة للشارع تتشعب أزقة ضيقة ملتوية وسط بيوت من طوب اسمنتي عار من أي طلاء تؤدي إلى ساحة صغيرة يتوسطها مسجد.

عبد الرحيم خيالي هو أول الموقوفين في هذه الجريمة التي أكدت السلطات على "طابعها الإرهابي" وقد ظهر الخميس في تسجيل مصور إلى جانب ثلاثة مشتبه بهم آخرين أوقفوا بعد ثلاثة أيام، وهم يبايعون جميعهم تنظيم الدولة الإسلامية.

وبحسب السلطات، هم سجلوا هذا الفيديو "الأسبوع الماضي قبل تنفيذهم الأفعال الجرمية" في موقع يبعد عشرات الكيلومترات عن العزوزية يستقطب هواة رياضة المشي. وقد قطع رأس إحدى الجثتين، بحسب مصدر مطلع على التحقيق.

ويوضح الباحث محمد مصباح المتخصص في الحركات الإسلامية في تصريحات لوكالة فرانس برس أن المشتبه بهم الأربعة "هم شباب تتراوح أعمارهم بين 25 و33 عاما يعانون من التهميش الاجتماعي ومعارفهم محدودة في مجال الدين".

وبحسب أقربائه، اعتنق عبد الرحيم خيالي منذ ثلاث سنوات الفكر السلفي الذي يزداد انتشارا في الأحياء الشعبية في المملكة المعروفة بتوج هها الديني المعتدل.

وتخبر فاطمة خيالي إنه "كان يعمل سباكا في فندق لكنه قرر فجأة ترك هذا العمل بحجة أن الفندق يقدم الخمر".

وتردف عتيقة الشابة التي ترعرعت معه في الحي أنه "بات يرفض إلقاء التحية على النساء والاختلاط معهن في الأعراس".

على بعد خمسين مترا، كان يونس أوزياد (27 عاما)، الموقوف هو الآخر للاشتباه بضلوعه في هذه الجريمة، يعيش في منزل والديه ويعمل نجارا. وهو كان شابا لا يثير المتاعب "ولم نلحظ أي مؤشرات تنذر بارتكابه فعل كهذا"، بحسب ما يقال عبد العاطي بائع الخضر في الحي .

ويذكر جيران يونس أنه أطلق لحيته وبات يلبس على الطريقة السلفية منذ سنة أو أكثر قليلا. وقبل ذلك "كان يدخن ويشرب"، على حد قول جاره نور الدين. ويخبر الأخير "بدأ ينصحنا بالصلاة لكن بكل لطف".

أما والد يونس، فهو رفض التحدث مع وسائل الإعلام مكتفيا بالقول "أنا رجل منهار".

لم يلحظ سكان الحي أي تواجد جلي للدعاة السلفيين في منطقتهم.

لكن، بحسب حسن خيالي قريب عبد الرحيم الذي ينشط في المجال الاجتماعي، استحالت المنطقة قنبلة موقوتة "قابلة للانفجار بسبب تفشي آفة المخدرات والفقر والبطالة والدعارة. كل أسباب الانحراف متوفرة هنا".

وهذه هي أيضا حال قرية حربيل على بعد حوالى عشرين كيلومترا من مراكش حيث كان يقيم مشتبه بهما آخران هما رشيد أفاط (33 عاما) وعبد الصمد الجود (25 عاما). وكلاهما بائعان متجولان.

يعمل أبناء حربيل في الفلاحة وقد يخيل للمرء أن القرية خالية من المارة ويرفض سكانها الإدلاء بتصريحات للصحافة. ويقول أحدهم مفضلا عدم الكشف عن اسمه "الناس هنا خائفون، لقد تملكهم الرعب جراء بشاعة الجريمة وضغط الصحافة".

وبالإضافة إلى المشتبه بهم الأربعة الرئيسيين، أوقفت السلطات المغربية الخميس والجمعة تسعة أشخاص آخرين للاشتباه بصلاتهم بمقتل السائحتين الاسكندينافيتين في جنوب البلاد.

وهز ت هذه الجريمة المملكة التي بقيت بمنأى عن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية. فقد شدد المغرب إجراءاته الأمنية وترسانته التشريعية، معززا تعاونه الدولي في مجال مكافحة الارهاب، إثر الاعتداء الانتحاري في الدار البيضاء (33 قتيلا) في 2003 وفي مراكش (17 قتيلا) سنة 2011.

غير أن جريمة القتل هذه "حتى وإن كانت حادثة منعزلة قد تمه د الطريق لخلايا إرهابية أخرى، خصوصا في المناطقة المحرومة"، بحسب محمد مصباح.