الحسن الثاني ويوحنا بولس الثاني.. حينما استقبل زعيم الضالين زعيم الكفار

المصطفى أزوكاح

استدعت زيارة البابا الأرجنتيني فرنسيس للمغرب، صورا تعود لـ33 عاما وتحديدا من الزيارة التي قام بها الحبر الأعظم البولوني يوحنا بولس الثاني للمملكة. زيارة ألح خلالها على الحوار بين المسيحيين والمسلمين، وهي رسالة ستكون حاضرة بقوة في زيارة البابا فرنسيس للمغرب.

بين 1980 و1985

استقبل الملك الحسن الثاني، في غشت 1985، بابا الفاتيكان البولوني يوحنا بولس الثاني بالدار البيضاء، فقد كانت تلك أول مرة يستقبل فيها حبر أعظم من قبل رئيس دولة إسلامية. لم يكن ذلك أول لقاء بين الرجلين، حيث كان الملك الحسن الثاني، باعتباره رئيسا للجنة القدس، حل بالفاتيكان في 1980.

فقد تولى الحسن الثاني منذ المؤتمر العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، الذي انعقد بفاس في ماي 1979 رئاسة لجنة القدس، التي أسندت لها مهمة مخاطبة العالم غير الإسلامي، وهو ما برر حلول الملك الراحل الحسن الثاني بالفاتيكان في الثاني من أبريل 1980.

وجاءت تلك الزيارة مباشرة بعد اجتماع لجنة القدس بمراكش في مارس من نفس العام، وهو الاجتماع الذي اتفق فيه على مواصلة التواصل مع البابا وقادة العالم المسيحي، من أجل تفهم مشكلة القدس وفلسطين.

تلك الزيارة انعكست إيجابا على العلاقات بين المغرب والفاتيكان،  فقد صدر بعد أربعة أعوام من زيارة الملك الحسن الثاني للفاتيكان، ظهير ملكي يشدد على حق الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، في ممارسة مهامها بحرية، خاصة  في ما يتصل بحرية العبادة والتعليم الديني وإنشاء إطار قانوني للتعايش السلمي بين المسلمين والكاثوليك.

خمسة أعوام بعد ذلك، ستأتي زيارة البابا يوحنا للمغرب، في نهاية جولة له بالقارة الإفريقية. هكذا حل البابا البولوني بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء ، وبمجرد نزوله من الطائرة قبل الأرض، في سلوك أثار انتباه الحسن الثاني، الذي يعتبر أن البابا يوحنا بولس الثاني، إنسان يتمتع بشخصية مؤثرة.

وتساءل الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك" حول ما إذا كان تقبيل الأرض صادر عن بولوني احتلت أرضه عدة مرات على مدى قرون أم أنه يريد إبراز أن الله موجود في كل مكان وبأن الأرض ملك لله.

أجرى يوحنا بولس الثاني مباحثات مع الحسن الثاني استغرقت أربعين دقيقة، قبل أن يلتقي بالمجلس العلمي الأعلى، ويقوم بإلقاء كلمة في حوالي 80 ألف شاب بملعب محمد الخامس.

في خطابه أمام الحاضرين بملعب محمد الخامس، حرص البابا يوحنا بولس الثاني على التذكير قيم الأخاء والسلم والحوار بين المسلمين والمسحيين، قائلا: "الحوار بين المسلمين والمسيحيين مهم جدا، أعتقد أن الله يدعونا إلى تغيير أفكارنا وجعلها أفكارا سلمية مبنية على الحوار".

زعيم الضالين وزعيم الكافرين

 أراد مسؤولو الفاتيكان احترام الشكليات البروتوكولية الخاصة بهم، حيث اقترحوا أن يدخل البابا إلى ملعب محمد الخامس دون مرافقة مضيفه، غير أن الحسن الثاني استطاع أن يقنعهم برأيه حول تلك المسألة.

يقول الحسن الثاني في كتاب "ذاكرة ملك": "حين قدم الأسقف المكلف بحمايته (البابا) للتحضير لهذه الزيارة طرح مشكلا، لقد قال للمسؤولين المغاربة: إن البروتوكول يقتضي أن  يدخل البابا وحده ملعب الدارالبيضاء، حيث كان سيلقي خطابا، وهذا أمر يجري به العمل في كافة البلدان التي يزورها قداسته. لقد وضعت بذلك مصالح التشريفات والأمن عندنا في وضع حرج، لذلك ردت عليه بقولها: "يتوجب علينا أن نستشير جلالة الملك في هذا الأمر".

وأضاف: "وفعلا عرضوا علي القضية. وحينما استقبلت الأسقف قلت له، لا يوجد مغاربة مسيحيون، إذن أصغوا إلي جيدا لما سأقوله لكم، فنحن نمثل بالنسبة إليكم أناسا ضالين، بينما نحن نعتبركم كفارا، فكيف تريدون أن يدعو زعيم الضالين السكان للخروج لتحية زعم الكفار؟ هذا أمر مستحيل".

ويحكي الحسن الثاني أن الأسقف سأله حول ما إذا كان يتوفر على سيارة مصفحة، فرد عليه بأنه لا يخرج على متن سيارة مصفحة، غير أنه تم التوصل إلى حل، حيث دخل كل من الملك والبابا على متن سيارتين مفتوحتي السقف.

وأشار إلى أنه بمجرد صدور بلاغ يعلن عن أن الملك سيخرج بمعية قداسة البابا وبأن الساكنة مدعوة لتخصيص الاستقبال الذي يستحقه، خرج مليونا شخص، حيث تجمعوا في الطريق المؤدية من قصر الدار البيضاء إلى ملعب محمد الخامس، حيث كان ينتظر الآلاف طلعة الحبر الأعظم.

ويقول الحسن الثاني إن الحبر الأعظم خاطبه بعد نهاية اللقاء، قائلا: "مواطنوكم يفهمون جيدا اللغة الفرنسية، فقد تتبعوا خطابي بانتباه".

هذه الملاحظة استدعت من الحسن الثاني ردا بنبرة ساخرة "وفي النهاية، تمكن زعيم الضالين من استقبال زعيم الكافرين وشرفه أعظم تشريف".

لم ينقطع حبل التواصل بين الرجلين؛ إذ يقول إنه في أحد لقاءاتهما، طلب منه أن يصلي من أجله، كلما أتيحت له الفرصة، ويحكي أن أحد المقربين من الحبر الأعظم نقل عنه هذه الرسالة: "قل له إنها الإرادة الإلهية، لأنني أفكر كل يوم في ملك المغرب وأصلي من أجله".