الداودي: هذا مآل تسقيف أرباح المحروقات.. ولن أحصل على التقاعد الوزاري

لحسن الداودي (تـ: تنيوني)
الشرقي الحرش

في هذا الحوار يتحدث لحسن الداودي، الوزير المنتدب السابق لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة عن مغادرته للحكومة، كما يتطرق لقضية تسقيف أرباح شركات المحروقات، وعلاقة حزب العدالة والتنمية بحزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار.

رغم تقديمك لاستقالتك من الحكومة، إلا أنك لم تغادرها إلا بعد اجراء تعديل حكومي. ما الذي حال دون مغادرتك للحكومة بعد استقالتك؟

لن أقدم كافة المعطيات، لأن دوري ينحصر في تقديم استقالتي، وفق القانون، ويمكن أن تقبل ويمكن أن ترفض.

عموما، أنا قدمت استقالتي من الحكومة، وحينما بدأ التحضير لإجراء تعديل حكومي قلت لهم "اعطني حريتي اطلق يديا... إنني أعطيت ما استبقيت شيئا"، وقد قلت هذا لأنني أعرف أنه لا يمكن أن تظل دوما في المسؤولية الحكومية، "صافي باراكا لاش غادي نتسنا حتى يكركبني شي واحد من الدروج، اللهم تمشي براسك مرفوع".

أنا لم آت لكي أكون في الحكومة، أو أكون وزيرا، أنا أدافع عن مشروع، والدفاع عن هذا المشروع لا يقتضي بالضرورة أن أكون وزيرا.

البعض يظن أننا نريد الوزارة من أجل المال، أقول لك "حنا خاسرين"، كما أن البعض كتب أن الداودي يريد الاستفادة من التقاعد الوزاري، أقول الداودي لن يطلب التقاعد الوزاري، فليطمئن الجميع.

هل تلقيت جوابا عند تقديم استقالتك؟

عدم الجواب هو جواب على عدم قبول الاستقالة.

هل كان التعديل الحكومي متوقعا بالنسبة لك؟

لم يكن متوقعا فقط، بل كان مطلوبا، وأعتقد أنه جاء متأخرا، وفي حدود علمي، أن رئيس الحكومة كان قد بدأ التفكير في التعديل الحكومي، لكن جاء التدخل الملكي ليعجل به.

هل فتح رئيس الحكومة موضوع التعديل مع أحزاب الأغلبية قبل التدخل الملكي؟

الحمد لله أن التعديل جاء بتدخل ملكي، وإلا وقعت مشاكل كبيرة، ولكن بما أن التعديل كان مطلبا ملكيا، فقد كان الأمر سهلا بالنسبة لرئيس الحكومة، ولم يكن مجبرا على الاستشارة في كل شيء مع الأحزاب، بل أصبح الأمر بينه وبين جلالة الملك، مما سهل المأمورية.

ألا ترى بأن التعديل الحكومي كان على حساب حزب العدالة والتنمية، الذي غادر عدد من قادته البارزين الحكومة؟

حزب العدالة والتنمية لم يأت من أجل المناصب، بل جاء لخدمة البلد، وسواء كنا نتوفر على 10 وزراء أو 5، فنحن من يقود الحكومة، ورئيس الحكومة هو من يوجه...

تقودون الحكومة، لكن الوزارات الاستراتيجية ليست بيدكم؟

ليس هذا هو المشكل، هذا منطق التحالفات، لأن الحزب الذي يشكل الحكومة هو من "يصبر"، لأنه هو من يطلب منهم التواجد معه في الحكومة، وإلا فلماذا سيكونون معه.

هذا هو الواقع "يلا درتي الحسابات يقول لك أنا ما لاعبش، وكوّن الأغلبية بوحدك، هذه هي السياسة".

 كيف تلقيت خروج حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة؟

 نتأسف لخروجهم، ولكن تلك حريتهم، وأعتقد أن الحوار معهم سيستمر.

 كيف تنظر لمستقبل هذا الحوار؟

يجب أن يستمر الحوار مع حزب التقدم والاشتراكية، ومع جميع الأحزاب، باستثناء الصنف الذي تأسس من أجل محاربة العدالة والتنمية، لكن هذا الصنف يتململ الآن، فهناك توجه داخله يدعو للاشتغال مع العدالة والتنمية، وإذا ما أخذ هذا التوجه زمام الأمور داخل حزب الأصالة والمعاصرة سيصبح حزبا عاديا.

إذن أنت مع التحالف مع "البام"؟

في تحليلي الخاص، أرى أن "البام" يضم توجهين؛ أحدهما هدفه محاربة العدالة والتنمية، وآخر يريد التعاون معنا، وإذا أصبح "البام" حزبا عاديا ويتقدم ببرنامج للمواطنين كباقي الأحزاب، فالأمر انتهى بالنسبة إلينا.

نفهم من كلامك أن "البام" لم يعد خطا أحمر بالنسبة لكم؟

الخط الأحمر بالنسبة لنا هو التوجه الذي يريد محاربتنا، أما إذا أصبح "البام" حزبا عاديا فلا مشكل في التحالف معه.

لازلتم ترون في جزء من "البام" خطا أحمر، لكن البعض يرى أن التجمع الوطني للأحرار سيكون نسخة جديدة من "البام"، هل ستعتبرونه أيضا خطا أحمر؟

إذا أصبح مثل "البام" سيصبح التحالف معه خط أحمر، لكن هم لم يصرحوا يوما أنهم يريدون محاربة العدالة والتنمية، بل يريدون التعاون، ومن حقهم أن يتنافسوا معنا، هذا شيء عادي.

دعنا ننتقل إلى الحديث عن بعض الملفات التي اشتغلتم عليها، خلال فترة تواجدكم في الحكومة، والتي من بينها قضية تسقيف أرباح المحروقات. أين وصل هذا الملف؟

رئيس الحكومة لازال يشتغل على الموضوع، لكن دعني أشرح هذا الأمر حتى يفهمه الناس. فقبل تحرير أسعار المحروقات، كان ربح الشركات يتراوح ما بين 60 و70 سنتيم في اللتر، أما عندما تم تحريره فقد عمدت بعض الشركات إلى زيادة أزيد من درهم في هامش الربح؛ ما يعني أن هامش الربح أصبح قريبا من درهمين في اللتر، وهذا الأمر لم يكن مقبولا، لكن الحكومة "ماكان عندها ما دّير لأنها مرتبطة بالقانون".

 وبناء على ذلك، بدأنا نتكلم عن التسقيف، ودخلنا في حوار مع الشركات، ونتيجة ذلك عملوا على تخفيض هامش الربح، إذ عوضا عن زيادة 1,13 درهما هناك من قام بزيادة ما بين 6 و10 سنتيم، مقارنة مع ما كان عليه الأمر سنة 2015.

حينما اتفقت مع الشركات، قدمت الاتفاق لرئيس الحكومة، فسألني: كم سيربح المواطنون إذا قمنا بالتسقيف اليوم، فأكدت له أنهم سيربحون ما بين 6 و10 سنتيمات في اللتر، فقال لي "هذا ضعيف جدا، ومن الصعب أن نعلنه للمواطنين"، كما طلب من وزير المالية دراسة إمكانية التأمين ضد مخاطر ارتفاع أسعار البترول، حتى لا يرتفع ثمنه كلما ارتفعت الأسعار في السوق الدولية، لكن هذا الأمر لم يكن ممكنا، لأن الشركات هي من تقوم بشراء البترول، مما جعل رئيس الحكومة يشتغل مجددا على التسقيف، خاصة بعدما عمدت الشركات إلى الزيادة في الأسعار بطريقة غير معقولة مرة أخرى.

 هناك من يتحدث عن وجود اتفاق مسبق بين الشركات لرفع الأسعار؟

 ما يهمنا هو تحديد هامش الربح، نحن نعرف كم يربحون.

ما صحة ربح الشركات لـ17 مليار درهم على حساب المواطنين؟

هذا كلام فارغ، صحيح أنه ربحوا، لكنهم قاموا بذلك في إطار القانون، وما ربحوه لا يمكننا استرجاعه، فـ"اللي باع باع، واللي عنده أسهم خذا فلوسو، وخلصو عليهم الضريبة".

 إن المشكل في القانون، الذي لم يكن يسمح للحكومة بالتدخل، صحيح أن ما قامت به الشركات غير معقول من الناحية الأخلاقية، لكنها لم تخرق القانون.

أليس من واجب الحكومة التدخل لحماية المواطن؟

 القانون لا يسمح.

 ما الذي منعكم من إعادة النظر في الترسانة القانونية حتى تتمكنوا من التدخل؟

 لقد تذاكرنا مع البرلمان في هذا الأمر، حتى يتم منح الحكومة امكانيات التدخل، لكن هذا الأمر قد يؤدي إلى هروب المستثمرين.

 إن أي مستثمر أجنبي يريد الاستثمار في المغرب يطرح سؤالا حول ما إذا كان سيحقق ربحا أم لا؟، وإذا وجد أنه سيحقق ربحا أكثر في دولة أخرى فسيتوجه لها دون تردد.

 إذن هناك مشكل حقيقي، لا يمكن أن تشجع الاستثمار والمنافسة وتقف ضد تحقيق الشركات للأرباح. وأؤكد لك أن بعض الشركات أوقفت استثماراتها في المغرب مباشرة بعد حديثنا عن تسقيف هامش الربح، لكننا فضلنا المواطن على الاستثمار، فعلى سبيل المثال، هناك شركة كانت تسعى لاستثمار أكثر من مليار درهم، وأوقفته بعد الحديث عن التسقيف.

في نظرك من كان وراء حملة المقاطعة؟

حملة المقاطعة حملة حقيقية، لكن من قام بها؟ الله أعلم، لا أحد يعرف.

أليست شكلا احتجاجيا جديدا وصرخة ضد الجشع؟

هذه الأشكال من الاحتجاجات كانت دوما، والآن أخذت تتسع بفضل الاعلام الجديد، كما أن طموح المجتمع أصبح يفوق الامكانيات.

 يتحدث البعض على أن المغرب غني، والحقيقة ليست كذلك، فالمغرب ينتج سنويا 1100 مليار درهم، وإذا قمنا بتقسيمها على 35 مليون مغربي، فإن الدخل الشهري لن يتجاوز 2619 درهما، أما في قطر، فالأمر يصل إلى 10 ملايين شهريا، فيما يصل في إسبانيا إلى 3 مليون، وقس على ذلك، إذن هل سنصنف المغرب ضمن الدول الغنية؟

المغرب فقير، لكنه يقوم بأشياء تتجاوز دولا أغنى منه، فالمغرب هو الأول على مستوى الموانئ في افريقيا والطرق السيارة وخطوط السكك الحديدية، رغم الموارد الضعيفة، والفساد.. إذن، لا يجب أن نقارن المغرب بأوروبا، لكن هذا لا يعني أن يكون هذا طموح المغاربة.

كيف تنظر لتحركات حزب التجمع الوطني للأحرار والتي لا تخلو من انتقادكم؟

 من الأفضل أن نجد أمامنا منافسين أقوياء، أنا ليس لدي أي مشكل في أن يكون التجمع قويا، وإلا مع من سنتنافس؟ هل سنبقى نتحرك لوحدنا؟، "المشكل في اللي ماتيتحركش".

 نريد أن تتحمل جميع الأحزاب مسؤوليتها في تأطير المواطنين، وإلا فإن الأحزاب ستكون في واد والشارع في واد آخر.

هل ما زلتم تطمحون لتصدر الانتخابات؟

 "وشكون غادي يجي اللول"؟

 منافسوكم يزعمون ذلك، خاصة التجمع الوطني للأحرار الذي يسعى لأن يحتل المرتبة الأولى. كيف ترون ذلك؟

من الصعب أن تجعل محركا يسير بسرعة 40 كلم في الساعة بسرعة 200 كلم في الساعة، "مع الأسف ما كاينش موطور صحيح، حنا بغينا الأحزاب تكون قوية باش تستوعب المواطنين".

كيف تنظرون للنقاش الدائر حول الحريات الفردية؟

لا يهمني ما يقال، نحن ديمقراطيون، وعلى من يريد تغيير القانون أن يترشح للانتخابات ويحصل على الأغلبية، أو نذهب لاستفتاء.

 هؤلاء الذين يتحدثون عن الحريات الفردية ماذا يمثلون في المجتمع؟ عليهم أن يترشحوا للانتخابات حتى يحوزوا على شرعية المجتمع، وآنذاك سأحترمهم "ونقول ليهم الغالب الله".

هناك مؤسسات رسمية تدعم هذا التوجه، المجلس الوطني لحقوق الإنسان على سبيل المثال...

 سواء كانت رسمية أو غير رسمية، ماذا تمثل في المجتمع؟ المؤسسات الرسمية تضم أفرادا، وهؤلاء الأفراد ماذا يمثلون في الشارع؟ إنهم لا يمثلون شيئا، وإذا اعتقدوا أن لهم وزنا، فما عليهم سوى أن يترشحوا في الانتخابات.

 إن القوانين تعد للمجتمعات، وحينما يقبل المجتمع تغيير هذه القوانين سأقبل أنا أيضا.

 الديمقراطية ليست فرض إرادة الأغلبية فقط، وإنما ضمان حقوق الأقلية أيضا، أليس كذلك؟

 ضمان حقوق الأقلية في ما لا يتعارض مع توجه المجتمع، أما إذا تعارضوا مع المجتمع، فما عليهم سوى تغييره.

هناك أفراد من حزبكم يدعمون هذا التوجه. ما رأيكم؟

عليهم أن يترشحوا بدون غطاء حزب العدالة والتنمية، من له رأي خارج سياق الحزب يمكنه الذهاب لإطار آخر.

 ما هي الأشياء التي كنت تريد تحقيقها قبل مغادرة الحكومة ولم تستطع؟

 تسقيف أرباح شركات المحروقات، ودعم استعمال الطاقة الشمسية في استخراج مياه الآبار، لكي يتسنى لنا رفع الدعم عن الغاز.

 قلتم إنكم لا تنوون الحصول على التقاعد الوزاري، فماذا عن تعويض نهاية الخدمة؟

يجب أن تعرف أولا أن أجرة الوزير هي 25 ألف درهم، أما الباقي فهو تعويضات، ومن تم فإن الوزراء الذين غادروا الحكومة حصلوا على أجرة 10 أشهر؛ أي 25 ألف درهم، لكن لماذا يحصل الوزراء على هذا التعويض؟

هناك تبرير منطقي لهذا الأمر، وهو أنك إذا بدأت العمل لحسابك الخاص فور مغادرتك للمنصب الحكومي، هناك من سيعتقد أنك مازلت وزيرا، وقد تستغل صفتك السابقة، إذن يجب أن تنتظر بعض الوقت حتى يتعود الناس أنك لم تعد وزيرا.