العبودية الحديثة.. هل تحولت ألمانيا إلى "بيت دعارة أوروبا"؟

وكالات

رغم أنها محظورة في كل مكان توجد ظروف تشبه العبودية في كافة العالم، حتى في ألمانيا؛ إذ تنزلق الكثير من النساء بسبب الخداع حول الظروف الحقيقية في أعمال الدعارة، ولا يخرجن بعدها من تلك الدوامة... وقفة بمناسبة "اليوم الدولي لذكرى تجارة العبيد وإلغائها"...

تبعا لتقديرات مؤشر العبودية العام لمنظمة Walk Free Foundation الأسترالية يعيش حاليا أكثر من 40 مليون شخص في عبودية حديثة، بينهم 167.000 في ألمانيا. وهذا يمثل نحو 0.2 في المائة من سكان البلاد. وفي الوقت الذي كانت ترتكز فيه العبودية تاريخيا على ملكية شخص لآخر، فإنها تتخذ اليوم أشكالا مختلفة. ديتمار رولر، رئيس المكتب الألماني لمنظمة حقوق الإنسان International Justice Mission يقول بأن "العبودية لم تعد قانونية إلا أنها تشبه الحرباء وتعيش في الخفاء".

الوصف الأدق لذلك يتمثل حسب Walk Free Foundation في أنّ الناس "ليس بوسعهم التخلص من ظروف الاستغلال بسبب التهديد والعنف والإكراه والاحتيال أو استخدام السلطة ". فالعبودية الحديثة تصبح مفهوما لأشكال متنوعة للقهر والاستغلال تشمل أيضا تجارة البشر أو حتى الزواج القسري. فالحدود بين ما يمكن وصفه بالعبودية تظل مفتوحة. وهذا لا يطال فقط بلدانا مثل ليبيا وقطر أو جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تتصدر بانتظام -بسبب أنواع مختلفة من العبودية - عناوين الصحافة. وحتى في أوروبا تزداد تجارة البشر والعمل القسري، كما حذر في أبريل مجلس أوروبا ـ لاسيما تجارة البشر من أجل استغلال قوة العمل. وفي ألمانيا يطال هذا الأمر، حسب الشرطة الجنائية في 2017 مهاجرين في قطاع البناء والمطاعم. وحتى قطاعات مثل العمل في البيوت والزراعة أو قطاع النقل مجالات تكثر فيها أشكال العبودية. ووثقت السلطات في السنة الماضية 180 حالة هم ضحايا من أحد عشر تحقيقا مكتملا، وغالبيتهم من أوروبا الشرقية.

"ألمانيا هي دار دعارة أوروبا"

وفي ألمانيا تنتشر أكثر أشكال الاستغلال الجنسي. "ألمانيا هي دار دعارة أوروبا"، يقول ديتمار رولر، ويشمل ذلك عددا كبيرا من حالات الدعارة القسرية. وحسب الشرطة الجنائية الألمانية تم في عام 2017 إجراء 327 محاكمة وضبط 500 من الضحايا موثقين.

وفي الوقت الذي يكون فيه الرجال ضحايا العمل القسري، فإن غالبية الضحايا من النساء تكون في مجال الاستغلال الجنسي. وتفيد إحصائيات الشرطة الجنائية الألمانية أن البلدان الأصلية لهؤلاء الضحايا هي بلغاريا ورومانيا ثم ألمانيا. كما لاحظت السلطات زيادة ملحوظة في عدد الضحايا من نيجيريا.

فالكثير من النساء ينزلقن بسبب الخداع حول الظروف الحقيقية في أعمال الدعارة ـ ولا يخرجن بعدها من تلك الدوامة. والكثير من القوادين يخدعون نساء شابات ويضغطون عليهن بسبب العلاقة العاطفية لممارسة الدعارة. وغالبا ما يدعون أن لديهم ديون، وبالتالي وجب على البنت أو المرأة أن تقدم المساعدة للتخلص من هذه الديون.

"كم عدد العبيد في حوزتك؟"

في السنوات الأخيرة، حسب رولر زاد نوع آخر من الاستغلال الجنسي، وذلك عبر الإنترنيت. "زبائن ألمان بإمكانهم استئجار طفل في الفلبين لمدة ساعة يطلبون منه القيام بالحركات التي يرغبون فيها عبر الكاميرا.

هذا المثال والأصل الأجنبي لكثير من الضحايا في ألمانيا تبين أن العبودية الحديثة لا تقف أمام الحدود الوطنية، بل يتعلق الأمر بظاهرة عالمية مع فاعلين يملكون وسائل اتصال عالمي.

وقبل سنتين أثارت الباحثة في العلوم الاقتصادية، إيفي هارتمان بكتابها "كم عدد العبيد بحوزتك؟" الاهتمام. فكل ألماني يملك فقط من خلال سلوكه الاستهلاكي نحو 60 من العبيد ـ هكذا تقول النظرية.

ويشرح رولر بالقول تتحقق العبودية: "بمجرد شراء ملابس أو منتجات بها مواد أولية تأتي من مناطق نزاعات تسودها ظروف عمل تشبه العبودية في أجزاء أخرى في العالم". وهذا ينطبق أيضا على مواد التغذية مثل السمك من تايلاند، لأن العمل القسري على سفن الصيد منتشر هناك.

الأطفال دون سن الرشد في الواجهة

وعندما نتحدث عن العبودية الحديثة، فلا يحق التغاضي عن أن أطفالاً دون سن الرشد يواجهون مخاطر أن يصبحوا ضحايا حتى في ألمانيا. فمؤخرا أثارت فضيحة الاستغلال الرأي العام عندما عُرف أن زوجين كانا يستغلان جنسيا الابن البالغ اليوم من العمر عشر سنوات طوال سنتين ويعرضان عليه المال لتلبية نزعات جنسية.

وفي السنوات الأخيرة تركز اهتمام السلطات على الزواج القسري بحيث أن الشرطة تتعامل سنويا في ألمانيا مع 50 و60 حالة.

وفي جميع مجالات العبودية الحديثة ينطلق الخبراء من أعداد عالية غير معروفة، وبالتالي وجب مواجهة هذا النوع من البناء بقوة، كما يقول رولر. وتنتشر أوجه العبودية الحديثة خاصة في بلدان لا تُحترم فيها القوانين، وذلك "في الغالب من أجل كسب المال"، كما يقول رولر الذي يشدد على ضرورة "تجفيف جاذبية نماذج العمل للفاعلين".

باتفاق مع "دويتشه فيله"