المغرب والهجرة.. "مثال نموذجي" أم "شوكة في خاصرة" أوروبا؟

وكالات

مع ازدياد أعداد المهاجرين الواصلين لأوروبا عبر إسبانيا، باتت العيون مسلطة على المغرب ودوره في مكافحة الهجرة غير النظامية. وفيما لا تزال اتفاقيات هامة محل نقاش بين الجانبين، فإن صورة المغرب في أوروبا أصبحت على المحكّ.

انتشر مقطع فيديو مؤخراً في مواقع التواصل الاجتماعي، يصوّر قارباً ينقل عشرات المهاجرين الأفارقة يرسو على شاطئ استجمام إسباني، ليقفز منه المهاجرون ويعدون باتجاه الأراضي الإسبانية وسط ذهول المستجمين.

هذا الفيديو أعاد نقاشاً إلى دائرة الضوء، ظن الاتحاد الأوروبي أنه لن يخوضه مرة أخرى، أي: فتح الممر المغربي لأوروبا على مصراعيه تقريباً أمام طالبي اللجوء والمهاجرين من الدول الإفريقية. فبعدما ظل المغرب لسنوات مثالاً تسوقه أوروبا على نجاح إدماج المهاجرين الأفارقة وتنظيم حركة الهجرة إلى إسبانيا ومنها إلى بقية الدول الأوروبية، بات الوضع اليوم مقلقاً أكثر لبروكسل.

وفي ظل إغلاق ما يُعرف بـ"طريق البلقان" بشكل شبه كامل أمام المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، فإن الانتقال إلى "طريق جبل طارق" صار يهدد بموجة جديدة من الهجرة تشبه تلك التي فاجأت أوروبا في صيف عام 2015.

تحول من إيطاليا إلى إسبانيا

بلغة الأرقام، تشير الإحصاءات إلى أن عدد القادمين إلى إيطاليا عن طريق ليبيا انخفض بمقدار الثُلث عام 2017، ولكن مقارنة بذلك، فقد ارتفع عدد الواصلين إلى إسبانيا ثلاثة أضعاف ما كان عليه العام الماضي، وهو مؤشر خطير بات الاتحاد الأوروبي عامة، وحكومة مدريد خاصة، تنتبه إليه.

هناك عدة أسباب وراء هذا التغيّر في طرق الهجرة، منه القرار الإيطالي اليائس بالتعاقد مع مليشيات خاصة لإرجاع قوارب المهاجرين في البحر المتوسط، وأيضاً التركيز على إغلاق النقطة الرئيسية لعبورهم من أفريقيا جنوب الصحراء إلى طرق ليبيا والمغرب، ألا وهي منطقة أغاديس في النيجر.

إلى ذلك يقول يوليان ليمان، خبير قضايا الهجرة ومستشار في معهد السياسات العامة في برلين، في حوار مع DW عربية إن الحكومة الإسبانية أيضاً معروفة بمواقفها الرفيقة بالمهاجرين واللاجئين، ما يشجّع الكثيرين على الهجرة إليها، إلا أن ذلك ليس السبب الوحيد، حسب رأيه.

لكن هنالك تساؤلات لدى الأوروبيين بشأن الدور الحكومي المغربي في تزايد أعداد الواصلين إلى الأراضي الإسبانية مؤخراً، سواء عبر البحر من مضيق جبل طارق، أو من خلال القفز فوق الأسوار والأسلاك الشائكة من المغرب إلى جيبي سبتة ومليلية الخاضعين لإسبانيا.

خلافات حول اتفاق شامل

يحاول الاتحاد الأوروبي منذ 15 عاماً – دون نجاح – إبرام اتفاق مع المغرب بخصوص عودة المهاجرين، إذ تبقى العقبة الرئيسية أمام إبرام هذا الاتفاق الخلاف حول مصير القادمين من دول غير المغرب – أي المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. الاتحاد الأوروبي يريد أن يستقبل المغرب هؤلاء المواطنين كما يستقبل مواطنيه، ولكن المغرب يرفض ذلك ويسوق أسباباً سياسية ومالية، أهمها أن ذلك يتعارض مع مسعى المغرب لتقوية علاقاته مع الدول الأفريقية جنوب الصحراء، وذلك للاستفادة منها اقتصادياً من خلال شراكات تجارية، وأيضاً لدعم موقف المغرب في النزاع حول الصحراء.

إلى ذلك، يشير الدكتور المهدي لحلو من المعهد المغربي للإحصاء والمتخصص في قضايا الهجرة، إلى أن المغرب لا يمتلك سجلا ناجحاً في إدماج المهاجرين الباقين على أراضيه، مؤكداً – في حوار مع DW عربية - على أن الخطاب المغربي في هذا الصدد يحمل الكثير من "التباهي غير الواقعي".

تزايد أعداد المهاجرين يؤجج نار العنصرية

كما يوضح لحلو أن ازدياد أعداد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، مقروناً بتكدسهم في المغرب وعدم إدماجهم بشكل صحيح في سوق العمل، ليضافوا إلى جحافل العاطلين عن العمل من أبناء المغرب، "زاد من العنصرية الممارسة تجاه هؤلاء اللاجئين بدافع الخوف والمنافسة والفقر". ورغم أن القانون في المغرب يعاقب على ذلك، إلا أن المهاجرين نادراً ما يتقدمون بأي دعاوى قضائية. ويشدد المهدي لحلو على أن قضية الاندماج "مسألة مادية. فلو وجد هؤلاء في مكان يتلقون فيه تأهيلاً وإعانات مالية، لم تكن العنصرية لتطفو على السطح".

لهذا السبب لا يبدو المغرب متحمساً لتوقيع اتفاق حول اللاجئين والمهاجرين شبيه بالاتفاق التركي مع الاتحاد الأوروبي، وذلك لسبب مهم، إذ يقول الباحث الألماني يوليان ليمان إنه وبرغم ما يتم ترديده في وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية والصورة القائمة هناك، إلا أن الاتفاق التركي الأوروبي غير محبوب في تركيا. ويضيف بأن المبالغ الممنوحة لتركيا – حوالي خمسة مليارات يورو – "لا تغطي سوى جزء من إجمالي تكاليف استضافة اللاجئين، ومن غير الممكن إبرام صفقة تغطي كافة التكاليف، على الرغم من أن الشعور العام هنا أننا ندفع أكثر".

بالإضافة إلى ذلك، لا تبدو الرباط مستعدة لتحمل وزر عدم قدرة أو رغبة دول أغنى وأكثر تقدماً في أوروبا في تنظيم إقامة اللاجئين والمهاجرين على أراضيها، لاسيما وأن صور المراكز الضخمة لاستقبال وإقامة طالبي اللجوء – المسماة رسمياً منصات المغادرة الإقليمية – ستسبب شرخاً في صورة المغرب على المستوى الدولي.

المغرب مثال إقليمي جيد

ولكن بالرغم من كل هذه الصعوبات ومع تزايد أعداد المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في المغرب، يرى يوليان ليمان من معهد السياسات العامة في برلين بأن "السياسة (المغربية) تجاه طالبي اللجوء واللاجئين المعترف بهم تحسنت كثيراً. قبل عدة سنوات لم يكن من الممكن التعامل مع طلبات اللجوء هذه، ولكن في الوقت الراهن بات ذلك ممكناً". كما أن المغرب، بحسب ليمان، أكثر تقدماً في ملف مكافحة الهجرة مقارنة ببقية دول شمال أفريقيا.

لكن من جهته، يعتبر الباحث المغربي الدكتور المهدي لحلو أن المشاكل الاجتماعية في المغرب، مثل التعليم والبطالة والهوة بين الغني والفقير، تؤثر على المواطنين واللاجئين على حد سواء، داعياً إلى "تغيير جذري للعلاقات فيما هو اقتصادي واجتماعي، وإعادة هيكلة النظم الصحية والتعليم" لمواكبة هذه الظاهرة.

تجدر الإشارة إلى أن مكتب منظمة هاينريش بول الألمانية، القريبة من حزب الخضر، في المغرب أصدر في عام 2017 تقريراً بعنوان "بعيد عن العين، بعيد عن القلب: اللاجئون والمهاجرون على أطراف أوروبا. التبعات" تحدث فيه عن "فقاعة هجرة" داخل المغرب بسبب الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي أقرتها الحكومة، والتي أدت إلى عودة هذا الموضوع إلى دائرة الضوء وارتفاع كبير في المبالغ الممنوحة لمشاريع إدماج اللاجئين والمهاجرين.

لكن التقرير يلاحظ أيضاً تراجعاً لعمل المنظمات الدولية في هذا المجال على حساب تحويل قضية اللجوء والهجرة في المغرب إلى "شأن سياسي داخلي" لا تعمل فيه إلا المنظمات غير الحكومية المحلية، خاصة في شمال البلاد.

ويبقى السؤال حول الحوافز التي يمكن أن تقدمها أوروبا للمغرب من أجل مكافحة الهجرة غير القانونية، فيما ما تزال الآراء متأرجحة بشأن فعالية الحلول في "دول الانطلاق" أم في "دول المنشأ". هل تنطلق أوروبا لمحاربة أسباب الهجرة: البطالة، الفقر، عدم الاستقرار السياسي والتصحر، أم تلجأ إلى حلول شبه مؤقتة في الدول التي تنطلق منها قوارب المهاجرين، مثل المغرب.

هذه الأسئلة هي ذاتها التي تحدد الوازع الأخلاقي والسياسي في هذا الملف الحساس إنسانياً، لأنه في نهاية الأمر سيحدد صورة أوروبا في أفريقيا – الحصن المنيع ذي التخوم المتقدمة الواقعة خارج نطاقه الجغرافي والقانوني، أو اليد الحانية التي تقدم المعونة حيث تكون لها الحاجة وتستثمر في حلول طويلة الأمد تعود بالنفع على الطرفين.

وفي كلتا الحالتين، فإن المغرب يبدو – في أسوأ الأحوال – أقل الخاسرين.

باتفاق مع DW عربية