بالفيديو.. حينما تتقاطع أماني مواطن وبوليسي وأخرق في ليلة رأس السنة في الدارالبيضاء

عبد الرحيم سموكني

قضى "تيل كيل عربي" ليلة رأس السنة مع رجال الأمن الوطني، وهم يحاولون ضمان "المرور الآمن" بين سنتي 2018 و2019 في العاصمة الاقتصادية للمملكة بكثافتها وحركيتها، وبمواكبة إعلامية مهمة، لينقل مشاهد من هذه الليلة بالنص والفيديو...

توديع الثواني الأخيرة من عام مدبر ليست أمرا هينا في جميع مدن العالم، كما أنه ليس حدثا فريدا، هي مسألة انتقال زمني واحتفال مكاني، تتقاطع فيه الأماني وتصنع الأقدار فيه أحداثا بحبكة اعتباطية. في الدارالبيضاء، تحول الاحتفال برأس السنة الجديدة إلى "مارونيي" تلتصق به الكثير من الكليشيهات...

وكما جرت العادة، التي يراها البعض محمودة، فتحت ولاية أمن الدارالبيضاء أبوابها على مصراعيه لوسائل الإعلام، وخصصت لهم سياراتها الكبيرة، لتحشد عشرات الإعلاميين ليقضوا ليلة بيضاء ويروا كيف تشتغل مصالح الأمن ليلة رأس السنة.

ففي ليلة "بوناني" تتقاطع أمنيات كثيرة لمواطنين ورجال شرطة ومجرمين أو جانحين أو حتى مخبولين أو مفرطين في الفرحة، مما يعطي "كشكولا" خاصا بمدينة مغربية متروبولية، هي عصب الاقتصاد والحركة...

محفوفون بالشرطة

كانت الدهشة كبيرة في عيون الصحافيين، وهم يتمعنون في أعدادهم الكبيرة وبالعشرات تملأ الساحة الرئيسية لولاية أمن الدارالبيضاء، مصورون صحافييون وصحافييون من مختلف المنابر الورقية والإلكترونية، حضروا ليحظوا بخفر من رجال الشرطة، في ليلة رأس العام.

تتجلى ميزة الخروج في ليلة رأس السنة، في منح المصورين أحقية التصوير بأريحية لجميع الحواجز الموجودة ولكافة العناصر الأمنية المرابطة في الأماكن الحساسة في المدينة، إضافة إلى الولوج إلى مخافر الشرطة والاطلاع على القضايا الساخنة والمجرمين المفترضين الموقوفين تلك الليلة.

حددت الساعة الثامنة ليلا كالتوقيت الصفر للانطلاق، غير أن خروج أول سيارات الشرطة المحملة بالإعلاميين، كانت بعد ساعة ونصف.

جلس عميد ممتاز في المقدمة، يشرح مسار الزيارة، التي تبدأ من محطة القطار "البيضاء الميناء" ثم تعرج على سد أمني بالقرب من مسجد الحسن الثاني، وبعده سينما "ميغاراما" ثم "موروكومول" وسد آخر في طريق أزمور.

هذا هو المسار الأولي، الذي وضعه عميد الشرطة، رجل في عقده الخامس يتمتع بلياقة بدنية وروح لبقة ومرحة في آن، غير أن ساعات الليل ستحوله إلى كائن شرس، حتى في وجه الصحافيين وتلك قصة أخرى.

لم يمنع انخفاض درجات الحرارة البيضاويين من الخروج إلى الشوارع، إذ اكتظت ساحة الأمم المتحدة بأعداد كبيرة من الراجلين، غير أن العميد ذاته يقول إن عادات الاحتفال برأس السنة تتغير من عام إلى آخر، وأن الكثيرين يفضلون قضاءها في منازلهم مع الأسرة أو الأصدقاء.

في سيارة الشرطة المجهزة بكراسي أنيقة، كان الاتفاق على عدم تصوير وجوه المشتبه بهم، بينما كان البعض يصر على زيارة مخافر الشرطة، عوض التوقف عند السدود الأمنية.

ترجل عميد الشرطة من السيارة، بمجرد الوصول إلى محطة "البيضاء الميناء"، وهو يخاطب الصحافيين: إليكم مادة دسمة، فصوروا كما تشاؤون.
كانت المادة الدسمة التي تحدث عنها العميد هي مصفحة جديدة يعلوها أنبوب مياه ضخم لتفريق الحشود الكبيرة، وأمامها يقف شرطيان بسلاحهما الناري.

ففي الوقت الذي تسابق فيه المصورون على أخذ لقطات وصور لهذه الآلية الجديدة، رفض العميد الإدلاء بأي معلومات عنها ولا عن اسمها ولا حتى عن المغزى من وضعها قرب محطة قطار، الأهم هو أن تنقل الصور مهابة الآلة، أو هكذا فكر العميد الممتاز.

مخدرات ولصوص

من نقطة إلى أخرى، كان استراق السمع إلى البرقيات الواردة عبر جهاز اللاسلكي الخاص بالعميد، أهم مصدر يرسم بشكل تقريبي ما الذي يقع في المدينة الغول قبل ساعة من حلول العام الجديد.

بين حوادث سير، وتوقيف صاحب سيارة "فورد" من فئة "فوكيس" ومعه 40 كبسولة مخدر صلب، كان الليل يعد بكثير من المتاعب.

في كورنيش عين الذئاب، كان المشهد مغايرا لوسط المدينة، الحشود غفيرة على الطرقات وفي مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية المنتشرة على الجنبات، كما أن الحضور الأمني كان أقوى وأكثر ظهورا من أماكن أخرى.

يقول أنس وهو شاب في العشرين من عمره، وقف يحملق في ثلاث عناصر أمنية بوجوه مقنعة ترابط قرب سينما "ميغاراما" حاملة بنادق متطورة، "جميل أن نشعر بالأمن، فضلت رفقة صديقة لي وابنة خالتي أن نقضي الليلة في السينما، أن نشاهد فيلما، بعدها نتناول العشاء ثم نعود أدراجنا إلى البيت".

يقول أحد رجال الأمن الذي كان برفقتنا إنه مع تقدم عقارب الساعة إلى الأمام، تبدأ أولى الحوادث والتي يكون سببها الأغلب الإفراط في الشرب، أما حالات السرقة فهي متكررة طوال العام.

كان تخمين العنصر الأمني في محله، إلى درجة أن بعض الزملاء دب الملل في صدورهم، وصاروا يطلبون من العميد الممتاز، أخذهم إلى مخافر الشرطة، لأنهم يريدون "الدم".

يرد العميد على المصور الصحافي "هل تريد أن أختلق لك حادثا؟! الأمن مستتب، ولا وجود لمشاكل حتى الآن، الحمد لله"، لم تقنع هذه الكلمات بعض المصورين، الذين بدؤوا يخططون لزيارة قسم المستعجلات، أو بعض مقرات الشرطة السياحية، وهو ما فتح نقاشا أخلاقيا بينهم لدقائق.

طابور وفوضى

في الطريق إلى شارع للا ياقوت، كان لزاما علينا المرور من زنقة محمد سميحة القريبة من ملعب "فيليب" التاريخي، وبالقرب من محطة سيارات الأجرة التي تعمل على الخط الرابط بالحي المحمدي، كان المشهد يوحي بأن عراكا حامي الوطيس يدور، سيارة إسعاف تقل إحدى الشابات المغمى عليها، وفوضى تعم المكان، فضوليون وركاب طاكسي، وبكاء أطفال، والسبب خصام حول الدور على الطابور، ليبقى مشكل التنقل في المدينة الغول جاثما على صدرها رغم حلول عام جديد، وبعيدا عن أوقات الذروة الخانقة للسير.

زاد امتعاض "أنصار الدم" في صفوف الصحافيين، بينما يحاول العميد التهدئة وبنبرة ساخرة، ليقول بأن السكارى الآن سيبدؤون في ارتكاب المخالفات، ما سيفتح لهم المجال لتصوير مشاهد قد تحقق لهم "البوز".

بعد الساعة الثانية صباحا، وردت برقية لاسلكية مفادها أن صاجب سيارة رباعية الدفع، دهس أربع سيارات وفر هاربا، مستعملا ممر "الترامواي".

مطاردة وغضب

قصدت سيارة الشرطة المحملة بالصحافيين شارع غاندي، هناك بدا حجم الخسائر فادحا، أربع سيارات تحطمت، وعاش أصحابها رعبا كبيرا، عندما دهس صاحب سيارة من نوع "هيونداي سانطافي" مجموعة من السيارات ولاذ بالفرار.

كانت نفسيات الضحايا في غاية السوء، فكيف لشخص متوقف في إشارة الضوء الأحمر، أن يتعرض لاصطدام قوي، ويرتطم بدوره بمن هو أمامه، كـ"دومينو" صغير. تسبب السائق الفار في خسائر لسيارات عديدة على طول شارع غاندي.

تجسدت أولى المعلومات في أن السيارة من نوع "هيونداي" وأن ترقيمها الأول (55أ)، وكان قد مر على وقت الاصطدام قرابة 20 دقيقة، قبل أن تقدم سيارات القطر لجر العربات المتضررة، لكن قبل ذلك، عادت السيارة الرباعية الدفع المشبوهة لتمر من أمام الجميع، خاصة وأن واجهتها الأمامية اليمنى متضررة بشكل بالغ، فهرع الجميع إلى المطاردة.

تسبب عدد الصحافيين الراغبين في القفز بسرعة إلى داخل سيارة الشرطة من أجل حضور عملية المطاردة في تأخير السائق على اللحاق بهدفه، رغم أن نصفهم بقي في الشارع، لم يسلم من تمكن من الصعود من توبيغ العميد الممتاز، الذي أرغى وأزبد، ودفعه غضبه من إفلات السائق المتهور، إلى اتهام الصحافيين بعرقلة عمل الشرطة، وكاد الصحافييون أن يتحولوا من شركاء في عملية تواصل إلى متهمين بعرقلة عمل الشرطة.

التحق دراجون بعملية المطاردة، بينما كان العميد يتابع آخر المستجدات عبر جهازه اللاسلكي، قبل أن يتلقى برقية من والي الأمن، تدعوه إلى توخي الحذر وعدم تعريض من معه إلى مخاطر الطريق والمطاردة.

وعلى امتداد شارع غاندي ومنه إلى طريق أزمور، لم يهدأ للعميد بال، وظل يوبخ الجميع على التأخر في الصعود، حتى سمع خبر توقيف "الهيونداي"، في شارع مكة في اتجاه الرباط.

انفرجت أسارير العميد، وقرر التوجه مباشرة إلى عين المكان، لمعاينة هذا السائق المجنون.

كانوا أربعة شبان، يتحدرون من البير الجديد، سائق السيارة كان "شجاعا" واعترف بأن لا ذنب لرفاقه، وأنه وحده من يتحمل المسؤولية.

(تصوير: فهد مرون)