دراسة وطنية: خوف الآباء من فقدان بناتهم عذريتهن يدفعهم إلى تزويجهن حتى لو كن قاصرات

تيل كيل عربي

قدمت جمعية حقوق وعدالة، في لقاء صحافي، أمس الاثنين، بالدار البيضاء، نتائج دراسة وطنية حول "تزويج القاصرات بالمغرب"، شملت مختلف الجهات بعالمها القروي والحضري.

وقد تم الشروع في إنجاز هذه الدراسة، منذ أبريل 2019، حيث شمل البحث الوطني المتعلق بزواج القاصرات 627 حالة، بشكل يمثل العالم القروي ضعف العالم الحضري ب 408 حالة، مقابل 207 حالة في المجال الحضري، كما تم البحث مع 12 رجلا قاصرا متزوجا على المستوى الوطني لاستكمال العينة المعتمدة.

وكشفت الدراسة، التي أنجزت بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاستغلال الجنسي، الذي يصادف رابع مارس من كل عام، أن نتائج المسح كشفت أن 10,79 في المائة من الفتيات، على الأقل على المستوى الوطني، يتزوجن ب" الفاتحة".

كما أكدت الدارسة أنه وفقا لوزارة العدل، فقد تمت الموافقة على 319 ألفا و177 طلب إذن بتزويج القاصرات ما بين سنتي 2009 و2018 ، ووصفت هذه الأرقام بالمقلقة، مما كان سببا رئيسيا في دفع جمعية حقوق وعدالة، بشراكة مع برنامج الشراكة الدنماركية العربية، إلى إطلاق هذه الدراسة، التي أظهرت، أن جهة الدار البيضاء-سطات تعد الأكثر تأثرا بتزويج القاصرات بنسبة 19,86 في المائة.

وفي الصدد، قال رئيس جمعية حقوق وعدالة مراد فوزي، في معرض تقديمه للخطوط العريضة لهذه الدراسة، إن هذه الأخيرة مكنت من التعرف عن قرب على وضعية القاصرات اللواتي يتم تزويجهن، وفهم حياتهن وبيئتهن العائلية والاجتماعية من أجل التفاعل لتحقيق هدف هذه الدراسة المتمثل في التفكير واقتراح الوسائل التي من شانها إنهاء ظاهرة تزويج الأطفال الذين لم يبلغوا سن 18.

وأضاف أن هذه الدراسة قاربت هذه الظاهرة باستحضار الأسباب والعوامل المتعددة الأبعاد التي تربط بين الهشاشة/ الفقر، الجهل/ الهدر المدرسي، الضغط الاجتماعي، ... دون نسيان الإطار التشريعي الذي يسمح بزواج القاصرات (المادة 20 من قانون الأسرة). وفيما يلي أهم ما جاء في هذه الدراسة.

64,36 في المائة من القاصرات المتزوجات صرحن أنهن لم يتعرضن لأي ضغوطات

تشير الاستنتاجات، التي خلصت إليها الدراسة، إلى أن الأغلبية بنسبة 64,36 في المائة تصرح أنها لم تتعرض لأي ضغوط، في حين أكد الثلث أي بنسبة 35,64 في المائة عكس ذلك، بنسبة 22,11 للأسرة، 9,24 للأب، وأخيرا 4,29 في المائة للأم، ومع ذلك، فإن عدم التعرض لضغط مباشر لايعني عدم وجود ضغط غير مباشر.

خوف الآباء من فقدان بناتهم عذريتهن يدفعهم إلى تزويجهن حتى لو كن قاصرات

يعتبر الجنس في المغرب، حسب الدراسة، موضوعا من المحرمات، ويدافع الكثير على الحفاظ على العذرية إلى غاية الزواج ومنع ممارسة علاقات جنسية خارج الزواج. ورغم أن طقوس غطاء سرير الزواج الملطخ ببقعة من الدم التي تدل على عفة العروس في طور الاختفاء، فالأغلبية تطالب دائما بالبكارة قبل الزواج.

ويكرس القانون نفسه هذا الشرط وهذا الاحترام للعذرية، لأن القانون الجنائي يعاقب بشدة على فض البكارة، كما أن خوف الآباء من فقدان بناتهم عذريتهن،  وربما الحمل، يدفعهم إلى تزويجهن حتى لو كن قاصرات أو صغيرات جدا.

واستنتجت الدراسة أنه عندما نعرف وضعية الأطفال المولودين خارج إطار الزواج والأمهات العازبات، يمكننا أن نفهم سبب خوف الآباء من الناحية القانونية والاجتماعية، حيث يتم احتقار الطفل الطبيعي وتوصم الأمهات العازبات بالعار، أكثر من ذلك، يطرد العديد من الآباء بناتهن من منزل الأسرة إذا أصبحت حاملا وهي غير متزوجة، ويصبح الأمر وصمة عار على الأسرة. وتفسر هذه العوامل، حسب الدراسة، سبب استمرار زواج الفتيات القاصرات. وهذه الزيجات لا تخلو من عواقب سلبية.

التخلي عن الدراسة، العنف الزوجي ووفيات الرضع أهم نتائج زواج القاصرات

إن النتائج الضارة المترتبة عن زواج القاصرات، لا تحتاج إلى إثبات، ويدينها المدافعون عن حقوق الأطفال والنساء، حيث ترتبط الزيجات المبكرة بعواقب سلبية متعددة، ضمنها، التخلي عن الدراسة،حمل المراهقات، وكذلك العنف الزوجي ووفيات الرضع.

ليست كل الزيجات للفتيات القاصرات تؤدي بالتأكيد إلى العنف، ومع ذلك، فقد بينت الأبحاث أن ذلك يحدث، وأحيانا يمكن أن يؤذي ذلك إلى حالات حقيقية من الاتجار في البشر. فقد بين تقرير عن الاتجار في البشر صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أنه في بعض الحالات، يقترب زواج القاصرات بصفته زواجا قسريا من تعريف الاتجار بالبشر. وقد بينت المقابلات التي أجريت في هذه الدراسة نفس الشيء.

وتعمل جمعية حقوق وعدالة ، التي رأت النور سنة 2009 ، على تقديم المساعدة القانونية للأشخاص المعوزين، وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة؛ مع العمل على تعزيز سيادة القانون في المغرب من خلال تنظيم نشاطات مجتمعيه ونقاشات عامة وحلقات دراسية ودورات تكوينية،كما تشجع الجمعية ثقافة المساعدة القانونية المجانية ، علاوة على تقديم توصيات ، واقتراح إصلاحات، وإعداد تقارير حول مختلف القوانين (القانون المدني والجنائي، التجاري، العام والخاص، وحقوق الإنسان الوطنية والدولية)، وربط اتصالات مع المنظمات والمؤسسات غير الحكومية الوطنية و الدولية في سبيل تبادل المعارف والتجارب.

الحلول المقترحة.. الحل الأول: إلغاء أي استثناء لسن 18 سنة

ترى الدراسة، أن سن 18 سنة هو الحل الأول الذي يمكن وصفه بأنه جدري، وهو المقترح من طرف غالبية هيئات المجتمع المدني، كما أعرب عن ذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي في رأيه بخصوص هذه المسألة.
وأوضحت الدراسة، أن الحل بسيط للغاية، يتمثل في القيام بإلغاء المادة 20 من مدونة الأسرة فقط، وهو ما من شأنه أن ينطوي على تعديل بعض المواد، وخاصة المادة 21 التي تنص على ضرورة إبرام هذا الزواج بإذن من الممثل الشرعي، والمادة 22 التي تنص على أن القاصرين المتزوجين وفق الأشكال المنصوص عليها من خلال المدونة، يكتسبون الأهلية المدنية بالنسبة لكل مايتعلق بالحقوق والالتزامات الناشئة عن الآثار المترتبة عن الزواج.

الحل الثاني: الاحتفاظ بالاستثناء وإحاطته بـ"تدابير وقائية"

الحل الثاني هو الحفاظ –على الأقل- لبعض الوقت، على إمكانية الاستثناء مع أخذ الواقع الاجتماعي بعين الاعتبار ولكن من خلال تطويقه بشروط أشد صرامة، من خلال تحديد الحد الأدنى للسن، والترخيص بالاستئناف ضد جميع قرارات قاضي الأسرة، وإضافة شرط سن الزواج عند إصدار الإذن من طرف قاضي، ومحاربة الزواج بالفاتحة.