عبد الله إبراهيم.. في زنزانة واحدة مع بوعبيد (11)

تيل كيل عربي

بعد أحداث دجنبر بالدار البيضاء سيحكم على عبد الله إبراهيم، بمعية عدد كبير من الوطنيين، بالسجن سنتين سيقضيها بين سجني القنيطرة والدار البيضاء.

 

بعد أحداث كاريان سنترال في 7 و8 دجنبر 1952، "تم اعتقال كل أعضاء المكتب التنفيذي للاستقلال باستثناء أحمد بلافريج، الأمين العام للحزب، الذي كان في تلك الأيام بالولايات المتحدة للدفاع عن الملف المغربي بالأمم المتحدة.

كان عبد الله إبراهيم قد تزوج للتو...تم تقديمه إلى المحكمة العسكرية بعد أن تعرض للتعذيب، وحكم عليه بسنتين حبسا نافذا. ثم أرسل إلى سجن القنيطرة قبل نقله إلى السجن المدني بالدار البيضاء.

كان في زنزانة واحدة مع كل من عبد الرحيم بوعبيد، محمد اليازيدي، عمر بن عبد الجليل، الفقيه الغازي، قاسم الزهيري، محمد الفاسي، وأبوبكر القادري (وآخرين).

كانوا 11 شخصا في زنزانة بمرحاض واحد(...) وفي زنزانة أخرى كان القادة النقابيون، ومن بينهم على الخصوص المحجوب بن الصديق، محمد عبد الرزاق، الطيب بن بوعزة، الأمين العام لـ"الاتحاد العام للنقابات المتحدة المغربية" (UGSCM).

حظرت السلطات الفرنسية الاستقلال وحتى الحزب الشيوعي المغربي، جرى اعتقال 1500 شخص، وتم نفي 112 منهم إلى الجنوب بينهم بن سعيد أيت يدر، الذي سيظل في المعتقل على غاية فبراير 1953، والمختار السوسي، الذي سجن لسنتين بتافيلالت. كما تم طرد 44 فرنسيا يشتبه في كونهم نقابيين او قدموا الدعم للنقابيين(...)

من زنزانته كان عبد الله إبراهيم يتابع الأحداث الجارية، ويراسل زوجته التي تزوره بين الفينة والأخرى رفقة خالها لحلو، والبشير بلعباس، وزوجة قاسم الزهيري، المعتقل في نفس الزنزانة مع الوطني المراكشي.

وتحكي أن زوجها اندهش كثيرا من السهولة التي حصلت بها على تصريح الزيارة من شخص يسمى "جولوفو"، كان رئيس المحكمة العسكرية. و'استنطقها' لأنه كان يرفض أي معاملة تفضيلية من أي نوع. ولكن فاطمة - التي فقدت الوعي خلال الزيارة الأولى فطلبت وحصلت على تصريح جديد - أبانت عن قدرة كبيرة على تدبير أمورها.

ولم تكن تتردد في الاحتجاج عندما يفحص الحراس بملاعق متسخة الأكل الذي تأتي به إلى زوجها(...)
ويحكي أبوبكر القادري عن هذين السنتين اللتين قضى مع عبد الله إبراهيم، بالقنيطرة ثم بالدار البيضاء، ويقول إنه كان طيب المعشر وتربطه مع الآخرين علاقات أخوية رغم الاختلاف في الطباع. كان قليل الكلام، ويقضي وقته في القراءة والتأمل.

ويمزح في بعض الأحيان مع زملائه الذين يسخرون من عادته الغربية المتمثلة في تنظيف يديه بضرب كف بكف بعد الانتهاء من الطعام.

ويشدد القادري على قربه من المحجوب بن الصديق(...) الذي كان يشاركه الفسحة اليومية في ساحة السجن. كان الشاب المحجوب - وهو رئيس محطة قطار، هزيل وثوري- يتحسس السياسة. وبما أن ثقافته كانت محدودة، فقد كان منبهرا بهذا 'العالم' البالغ التواضع، والواسع الثقافة، والشديد الإنصات، والراغب في تقاسم معارفه.. منبهرا بهذا الخليط بين التكوين التقليدي والانفتاح الفكري.