عجوز تستغيث بالملك من وسط ثلوج الأطلس: أريد فقط مرحاضاً وأبوابا تسترني (فيديو)

فاطمة خوموح / تصوير: ياسين التومي
سامي جولال

هي عجوز مُطَلَّقَةٌ تعيش فقراً مُدْقِعاً، تَسْتَقِرُّ في دوار زاوية أُولْمْزِي في منطقة آيْتْ بُوكْمَّازْ نواحي أزيلال، ولا تعلم، حتَّى، كم تبلغ من العمر. بَيْتُهَا غير مُجَهَّزٍ بالكهرباء، وغُرَفُهُ بدون أبوابٍ، في منطقةٍ غطَّتْهَا الثلوج، بِالْكَامِلِ، منذُ أَيَّامٍ، ولَا تَزَالُ تتساقطُ فيهَا إلى غاية الآن. ''تيل كيل عربي'' زارهَا ليلاً في بيتهَا، ليعرِضَ عليكم، بالتفصيل، معاناةَ مسنَّةٍ تعيشُ وسط جبال الأطلس الكبير.

فاطمة، سيِّدةٌ تبلغ من العمر، بالتقدير، 58 سنةً، وأمٌّ لثلاثة أبناء، أحدهم كان عسكريا في طانطان، واخْتَلَّ عقله بعد طرده من العمل، وسجنه لمدة 5 سنوات، بسبب خطأ مهني ارتكبه، أثناء حراسته لمنطقة حدودية مغربية، أما البنتين؛ فواحدة متزوجة في الدوار نفسه، والثانية، واسمها، أيضاً، فاطمة، وتبلغ من العمر 34 سنة، فتعيش معها في المنزل نفسه.

بيت مظلمٌ

''لا أملك، الآن، أيَّ سنتيم، وبعض الجيران هم من يمنحونني أموالا أَصْرِفُ منها عَلَيَّ وعلى ابنتي''، إنه كلام العجوز فاطمة عن وضعيتها المادية. زارها ''تيل كيل عربي''بعد غروب الشمس، في بيت تكَسِّرُ عَتَمَتَهُ الْقَاتِمَة شموعٌ أشعلتها فاطمة، وظلت طوال الوقت ممسكة إِيَّاهَا بيدها اليمنى، إلى جانب وسيلة إضاءة أخرى مصدرها قنينة غازٍ، رُكِّبَ فيها أُنْبُوبٌ أُلْصِقَت في مقدمته قطعةٌ دائرية الشكل، يُسَمُّونَهَا في الدوار ''تَافْتِيلْتْ''، وهي مصدر الإضاءة.

  وحينما لا تتوفر العجوز فاطمة على الشموع أو ''الْبُوطَاغَازْ''، التي يَمْنَحُهَا إياها، أحيانا، صاحب حَانُوتٍ في الدوار مجانا، فإنها تستعمل ''فُورْنُو'' يشبه المدخنة، تستعين في إِشْعَالِ النار في داخله بـ ''إِيفْسِّي''، وهو عشب ينمو في جبال المنطقة، ويصطلح عليه، أيضا، بـ ''الشِّيحْ''.

داخل بيتها / تصوير: ياسين التومي

''بيتي لا يوجد فيه كَهْرَبَاءٌ، لأنني فقيرةٌ لا أملك مالا أدفعه من أجل ذلك''، توضح فاطمة، رافضة أن يتكلف احماد، وهو مُرْشِدُ ''تيل كيل عربي'' طيلة رحلته في آيت بوكماز، بإدخال الكهرباء إلى بيتها، مبررة ذلك بكونها لن تكون قادرةً على دفع الفواتير الشهرية للكهرباء.

أما الماء، فتستفيد منه فاطمة وابنتها مجاناً؛ بحيث يصلها إلى غاية باب بيتها، إلى جانب جميع ساكنة زاوية أولمزي، أنبوب مُرَكَّبٌ في مقدمته صنبورٌ، يصلها عَبْرَهُ الماء من عين إِيتْخْشِي الواقعة في دُوَّارِهَا؛ وهذه مبادرة نَفَذَّتْهَا جمعية محلية بشراكة مع السكان، بحيث دَفَعَ هؤلاء 500 درهم للمنزل الواحد، بينما ساهمت الجمعية بالباقي، في حين لم تدفع فاطمة هذا المبلغ.

البيت الذي تقطن فيه فاطمة وابنتها، مَنَحَهَا والدها القطعة الأرضية التي بني عليها، في حين تكلَّف ابنها، قبل أن يسجن ويصبح مُخْتَلّاً عقليا، ببنائه، لكنه سجن قبل أن يُؤَدِّيَ جميع مستحقات من قام بأشغال بنائه؛ ''مَنْ بَنَى هذا المنزل لا أزال مُدَينةً له بـ 2500 درهمٍ. وظل يُطَالِبُنِي بها مِرَاراً، ولكنه توقف عن ذلك، بعد أن علم أنني لن أستطيع تَسْدِيدَ هذا الدين''، تقول العجوز.

فاطمة خوموح رفقة ابنتها فاطمة / تصوير: ياسين التومي

صدمَةُ الطَّلاق

فاطمة، التي تزوجت في سن الـ 15، وفَرَّت من زوجها الأول بعد شهرين من زواجها منهُ، طَلَّقَهَا زوجها الثاني عبر التَّحَايُلِ عليها؛ هذا الأخير يَتَحَذَّرُ من الدوار نفسه، وَقَضَت رُفْقَتَهُ 5 سنوات في الدوار، وبعد ذلك انتقلَا للعيش في طانطان، حيث قَضَيَا 11 سنةً هناكَ، اشتغلَ فيها زوجها في أعمال البناء. وفي أحدِ الأيام، طلب مِنْهَا أن تَجْمَعَ أغراضها لِيَزُورَا عائلتيهما في زاوية أولمزي. وبعد أن وصلَا إليها، سَأَلَتْهُ ''إلى بيت والديَّ أم والديك تريد أن نذهب أوَّلاً؟''، فأجابها بأنه طلَّقها، طالباً منها أن تستقر رفقة أبنائهما في بيت أَبَوَيْهَا. وبدأ، بعد ذلك، يبعث إليها نفقة قَدْرُهَا 300 درهم شهريا، لكنه، بعد مدَّةٍ توقف عن القيام بذلك. وهو الآن متزوجٌ وأبٌ لـ 6 أطفال آخرين أَنْجَبَتْهُم الزوجة الثانية.

''والدي إِيلَا سْمَحْ لِيهْ الله، أنا مْسَامْحَة لِيهْ''، كان هذا جواب ابنة فاطمة على سؤال ''تيل كيل عربي'' حول شعورهَا تُجَاهَ والدها، مضيفة ''أنا لا أكرهه، وأترك جزائهُ لله''.أما فاطمة، فَأَفَادَت، إجابةً على السؤال نفسه، ''زوجي الله يْعَاوْنُو وْيْعَاوْنِّي. هو دَابَا وْلَّا فِيهْ الشِّيبْ وْمْكَرْفْصْ وْوْلَّا مْحْتَاجْ''.

هكذا تُحارب البرد

في شهري شتنبر وأكتوبر من كل سنة، تَتَسَلَّقُ الابنة فاطمة الجبل، وتَجْلُبُ ''إيفسي'' وتخزِّنه، إلى جانب والدتها، في بيتهمَا. ''إيفسي الذي نخزنه لا يكفينا طيلة فترة البرد والتساقطات الثلجية''، تقول الأم، مضيفة ''في كل مرةٍ يَنْفَذُ إيفسي، تصعد ابنتي، من جديدٍ، عندمَا تكونُ الثُلوج متوقفة عن التساقطِ، إلى الجبل لِجَلْبِهِ''.

في دوار زاوية أولمزي، تأتي شاحناتٌ محملة بخشب التدفئة، قبل أن تتساقط الثلوج ويصبح الجوُّ بارداً، وتبيع بضائعها للساكنة.''أنا فقيرةٌ، وإذا كان لَدَيَّ مالٌ، سَأُصْلِحُ منزلي أولا، قبل التفكير في شراءِ خشب التدفئة''، تُجِيبُ العجوز على سؤال ''تيل كيل عربي'' حول أسباب عدم شرائها بضائع هذه الشاحنات.

في الأيام العادية، يكون أكل فاطمة وابنتها عِبَارَةْ عن شاي وخبز، وأحياناً يُعِدَّانِ مَرَقَ البطاطس بدون لَحْمٍ. وعندما تَحُلُّ مناسبة عيد الأضحى، يُعْطِيهَا، أحيانا، بعض الأشخاص من سكان الدوار أضحية العيد، وأحيانا أخرى تُضَحِّي من قَطِيعِهَا، المتكون، حاليا، من 4 ''رُؤُوسِ'' غنم.

رسالةٌ إلى الملك

''أريد منهُ أن يَطَّلِعَ على حالة منزلي؛ لا أتوفر على مرحاضٍ، والغرفُ ليست لهَا أبوابٌ''، تَتَوَجَّهُ العجوز بالقول إلى الملك محمدٍ السادس، مضيفةً ''عندما أريد قَضَاءَ حَاجَتِي، أقومُ بذلك في الْخَلَاءِ. وعندمَا أجدُ أُنَاساً في هذا الأخير، أَضْطَرُّ إلى العودةِ إلى البيت، منتظرةً أن يُغَادِرُوا المكان''.

انتظار الموت

العجوز فاطمة مريضة منذُ أكثر من 15 يوماً؛ تعاني من آلام في الصدر والرأس تمنعهَا من النوم ليلاً، وهو ما يجعلها تشعر بِدُوَارٍ طيلة النهار.

بَكَتِ فاطمة وهي تتحدثُ لـ ''تيل كيل عربي'' عن مرضها، قائلة ''لم أزر الطبيب لأنني فقيرةٌ لا أملك المال''، مبينة أنها، بسبب الدُّوَارِ، لا تستطيع اسْتِقْلَالَ وسائل النقل المُزْدَوَجِ، والذهاب إلى مستشفى دوَّارِ تابانت، الذي يبعد عن منزلهَا بـ 18 كيلومتراً، مضيفةً ''عندما سأصل إلى تابانت، سَأُضْطَرُّ إلى صعودِ هَضَبَةٍ للوصولِ إلى المستشفى، وهذَا صعب بالنسبة إلي بسبب الدوار''.

''اخترتُ أن أبقَى في منزلِي، فإذا شُفِيتُ فذلك ما أريد، وإذا مُتُّ فتلك إرادةُ الله''، تقولُ فاطمة التي أفادت أنها لن تَسْتَطِيعَ تَحَمُّلَ انتظار دورها في المستشفى في حالةِ زيَارتها لهُ.