قرأنا لكم كتاب.. "كرة القدم بين الشمس والظل" لإدواردو غوليانو

المصطفى أزوكاح

في كتاب " كرة القدم بين الشمش والظل"، يتتبع إدواردو غاليانو، الكاتب والصحفي، الأوروغواياني، تاريخ الساحرة المستديرة منذ كأس العالم 1938 وإلى غاية 1994، يعكس صعود وسقوط كبار الكرة، يرصد الكاتب الأوروغواياني، الذي  كيف تحولت إلى صناعة أراد أصحابها قتل اللعب، ما فتح الباب أمام الفساد والرشوة حول الكرة التي تختزل المجد والحب والبؤس والتعصب والعنفوان الوطني واليأس والوهن والوفاء والفرح. 

يعترف إدواردو غاليانو، الذي عرف بنضاله ضد الديكتاتورية ومناصرته لمناهضي العولمة: "لقد رغبت مثل جميع الأرغوايين في أن أصبح لا عب كرة قدم. وقد كنت ألعب جيدا، كنت رائعا، ولكن في الليل فقط، و في أثناء نومي: أما في النهار فأنا أسوأ قدم متخشبة شهدتها ملاعب الأحياء في بلادي. لقد مرت السنوات، ومع مرور الوقت انتهيت إلى القناعة بهويتي: فأنا مجرد متسول أطلب كرة قدم جيدة. أمضي العالم حاملا قبعتي، و أتوسل في الإستادات: لعبة جميلة حبا بالرب. وعندما أرى كرة قدم جيدة. أحمد هذه المعجزة دون أن يهمني قدر فجلة من هو النادي أو البلد الذي قدم ذلك اللعب الجيد".

في كتاب " كرة القدم بين الشمس و الظل" يتحدث الكاتب الإوروغواني الشهير، إدواردو غاليانو عن السعادة الغامرة التي تضخها كرة القدم في النفوس، يستشهد لذلك بمنجمه ألمانية سألها صحفي عن كيفية توضيحها معني السعادة لطفل، فردت  بهدوء وثقة "لا أوضح له، بل أعطيه كرة ليلعب". لاتسأل عن سر نوبة السعادة الطافحة التي تستبد بالناس الذي توحدهم الإنجازات المرتبطة بكرة القدم، فلاشي يحدث ذلك سوى الساحرة المستديرة التي يمكن أن تكون سببا لتعاسة الكثيرين الذين تجري رياحها بما لا تشتهي أنفسهم. ورغم السقوط المتوالي الذي تهوي فيه كرة القدم في بلد، والذي يزج بالناس في بئر سحيق من الشك والوهن و اليأس، إلا أنهم لا يفتأون يمحضون المستديرة الحب الذي يكون في الكثير من الأحيان من جانب واحد. فمهما مال قلبها إلى آخرين، يمني الناس في جميع أنحاء العالم النفس بأن تعود إلى رشدها و يحن قلبها.

لكن كي يحدث ذلك لا بد من عبور الصحراء طويلا و العمل بكد من أجل استحقاق التفاتة منها. التفاتة تحيي النفوس الذي أصابها اليأس. لكن ذلك يحتاج إلى الكثير من التضحية ونكران الذات حتى لا تقلب الكرة ظهر المجن على الساعي إليها. و إن كانت مثل الحياة تأخذ، في أغلب الأحيان، الاتجاه الذي لا تظنها سائرة إليه. الكرة تختزل في دورانها الحياة عندما تقبل أو تدبر. لكن لا مفر لك من أن تكون ناسكا في محرابها لاهجا بالعرفان لها حتي تستحق السعادة التي تنثرها في دورانها. وحدهم الأصوليون في عشقهم للكرة على حق بين جميع الأصوليات ذوي الخلفيات المختلفة. فهم ينشذون كرة مجرة من جشع أصحاب الملايين. يريدونها صادقة في دورانها لا تدين لنجم مصنوع من ماركة عالمية، بل من عرق و تعب و موهبة خامة، لم يلوثها تدجين النبوغ سعيا وراء نتيجة لا اعتبار فيها للهزيمة. فهم يحرصون على النصر وإن جاء ثمرة خنق الكرة وتحويل اللاعبين إلى جنود يرون في المنافسين أعداء يجب سحقهم. غير مسموح في الكرة الحديثة بالخطأ والضعف الإنساني. السوق ينتصر يفرض تسليع اللعبة. فالكل يلهث وراء المال عصب حرب لا تبقي ولا تدر

في كتاب " القدم بين الشمس والظل"، يحتفي غاليانو بكرة القدم التي لم يستطع منطق السوق تدجينها، فإدواردو غوليانو، الكاتب والمناضل، الذي لم ير يوما في كرة القدم " أفيون شعوب"، بل تعبيرا عن الانتماء والهوية، كا دين  تحول الملعب اليوم إلى استوديو تليفزيوني ضخم. فهو يلاحظ أن "اللعب يجري من أجل التلفزيون الذي يقدم لك المباراة في بيتك. والتليفزيون هو الذي يأمر. في مونديال 1986 ، احتج فالدانو ومارادونا ولا عبون آخرون لأن المباريات الرئيسية كانت تجري في منتصف النهار، تحت شمس تقلي كل ما تلمسه. ولكن الظهيرة في المكسيك هي ساعة الغروب في أوروبا، وهو التوقيت الذي يناسب التليفزيون الأوروبي. هل بيع الاستعراض أهم من نوعية اللعب؟ مهمة اللاعبين هي الركل وليس المجادلة، ووضع هافيلانج نقطة الحسم للقضية المثيرة للغضب حين أصدر حكمه: فليعبوا و ليطبقوا أفواههم".

 سأل صحفي إنجليزي، البرازيلي جوهافلانج، الذي تربع على عرش الفيفا في 1974 عما يروقه في كرة القدم أهو المجد؟ أو الجمال الفوز؟ أم الشعر؟ فأجاب: الانضباط. لقد كانت لهذا الملك العجوز الذي خبر المضاربات المالية وبيع الأسلحة والتأمين على الحياة، آراء في كرة القدم لا تمت للروح البرازيلية بصلة. أراد تحويلها إلى تجارة، حيث يعامل فيه اللاعبون "كما لو كانوا مجرد آلات تباع وتشتري وتعار". هذا ما رسخه من بعده تكنوقراطي الفيفا السويسري جوزيف بلاتر.

يلاحظ غوليانو أن اللعب تحول إلى "استعراض" ،  حيث " لا يجري تنظيمه من أجل اللعب و إنما من أجل منع اللعب. لقد راحت التكنوقراطية الرياضية الاحترافية تفرض كرة قدم تعتمد على السرعة المحضة و القوة الكبيرة وتستبعد الفرح و تستأصل المخيلة الجسارة" لكن تدجين الخيال و الموهبة ليس مضمونا تماما، فهناك انفلاتات تعيد الكرة إلى جذورها الأولي ف" من حسن الحظ إنه مازال يظهر في الملاعب، حتى و إن كان ذلك في أحيان متباعدة، وقح مستهتر يخرج على النص ويقترف حماقة القفز عن كل الفريق الخصم و عن الحكم و جمهور المنصة، لمجرد متعة الجسد المطلق إلى مغامرة الحرية المحرمة".

لكن في أوج ديانة السوق أتي كتاب " إدواردو غاليانو" الذي ظهر قبل عقد ونصف كي يحتفي بأنوار كرة القدم و يشهر بظلالها، يكرم الحالات التي تستفز المستحيل، لتخلق حالات من الجنون و الفرح والامتنان. امتنان نشعر به تجاه أيقونات استدعاها غاليانو من أجل التأكيد على أن الجمال و الارتجال و الموهبة صفات عابرة للزمن و تتحدى منطق السوق، هذا ما يتأكد عندما يستحضر ديستيفانو، الأجنتيني فخر الإسبان، وغارينشا مشغل النار، وديدي، معلم التمريرات، وياشين المارد الروسي، وبيكنباور القيصر الأنيق، وبيلي، فاتح باب الخلود، وكرويف، قائد الأركسترا البرتقالية، وروماريو، سيد الركلات الخاطفة، وباجيو حامل وصايا بوذا، وماردونا المتمرد الأكبر، ومولر، الذئب المتنكر في  بزي الجدة العجوز.

يحيط إدوادو غاليانو بعالم كرة القدم، يرصد كيف تأسر المستديرة الساحرة الألباب في دورانها، يتحدث عن الحكم، ويغوص في نفسة الجمهور، خاصة المتعصب، حيث يقول: " المتعصب هو المشجع في مشفى المجانين، فنزوة رفض ما هو جلي أغرقت العقل و كل ما يشبهه... يصل المتعصب إلى الملعب ملتحفا راية ناديه، ووجهه مطلي بألوان القميص المعبود، مسلحا بأدوات مقعقعة وحادة.و بينما هو في الطريق يكون قد بدأ في إثارة الكثير من الصخب و الشجار، وهو لا يأتي وحده مطلقا. ففي وسط السبيكة الباسلة، أم أربع و أربعين الخطرة،  يتحول الخائف إلى مخيف، والمهان إلى مهين للآخرين. القوة الكلية في يوم الأحد تخالف حياة الإذعان في بقية الأسبوع .. يكون لدى المتعصب الكثير من الثارات حين يتحرر يوما كل أسبوع.. إنه ينظر إلى المباراة وهو في حالة الصرع تلك، ولكنه لا يراها. فما يهمه هو المدرجات، لأن ميدان معركته في المدرجات . ومجرد وجود مشجع للنادي الآخر يشكل استفزازا لا يمكن للمتعصب أن يتقبله. الخير ليس عنيفا، ولكن الشر يجبره على ذلك. والعدو دائما مذنب، يستحق لوي عنقه، ولا يمكن للمتعصب أن يسهو، لأن العدو يترصد في كل مكان. فقد يكون ضمن المشاهدين الصامتين أيضا، وقد تصل به الوقاحة في أي لحظة إلى إبداء رأيه بأن فريق الخصم يلعب لعبا صحيحا، وعندئد يحصل على ما يستحقه"..