محمد إيعزة يقرأ لكم كتاب.. سلطانات منسيات لـ"فاطمة المرنيسي"

تيل كيل عربي
"إن وصول النساء إلى المعرفة، وإلى الجامعة والأكاديميات ، لا يزعج البتة على أساس أن لا تمتد الظاهرة إلى السياسة وتقتحمها ، إن ما يزعج هو قرار امرأة بأن توجد كإرادة حرة ، وهناك فرق كبير بين الذكاء والإرادة . إن ذكاء امرأة يمكن أن يوضع دائما في خدمة من يملكها ، أما الإرادة فلا تخضع لأحد أبدا ، الإرادة توجد أو لا توجد ، وإذا ما كانت موجودة ، فإنها تدخل حتما في منافسة مع إرادة أخرى ، وخاصة مع إرادة الشخص الذي علينا طاعته . ولذلك تطلق لفظة " ناشز " في العربية على المرأة التي تثور ضد إرادة زوجها ، ومفهوم النشوز لا ينطبق إلا على النساء ، إنه إعلان المرأة عن عدم خضوعها لإرادة زوجها . الناشز هي المرأة التي تعلن عن نفسها كفرد ، وليس ككائن يخضع لإرادة الآخرين : والنشوز هو طبعا مرادف للفتنة ". ذلك مقتطف  من كتاب الراحلة الدكتورة فاطمة المرنيسي "سلطانات منسيّات" .كتاب يروي قصص نساء حاكمات لم يلتفت لهن المؤرخون المسلمون، لماذا ؟ وكيف كانت تلقب الملكة في الاسلام ؟.
يبدأ الكتاب بتوضيح أسس الخلافة الإسلامية، ولماذا لا تعتبر المرأة مرشحة لهذا المنصب في الإسلام .. ثم تبدأ الكاتبة في شرح وجهة نظرها في أن المرأة قد تُمنَع من أن تكون "خليفة" إلا أن ذلك لا يمنع من أن "تحكم" الناس .. لتستعرض في الأخير نماذج لنساء تقلدن مناصب الحكم وكان لهن دور في الحياة السياسية الاسلامية للوصول، كشجرة الدر التي حكمت مصر 80 يوم بعد وفاة زوجها عز الدين ايبك 1250م، وعاملها الخليفة العباسي باستهتار وازدراء مرسلا رسالة للماليك "إن نفذ عندكم الرجال ارسلنا لكم رجلا يحكمكم"، والسلطانة راضية بنت شمس الدين ايلتموتش التي حكمت سلطنة دلهي 1236م، و السلطانة كوتلوغ خاتون حاكمة كرمان في بلاد فارس 1267م لمدة 26 عام، والسلطانة تاج العالم صفية الدين شاه اندرينا 1675م التي حكمت اندونسيا، والسلطانه خديجة بنت السلطان صلاح الدين البجلي التي حكمت المالديف 1437م / 1479م، أو السلطانة عائشة الحرة أميرة غرناطة وام آخر امرائها محمد بن عبد الله،كذلك تجد في الكتاب سير السلطانة اسماء واروي وغيرهن .وتكشف المرنيسي النقاب عن السر الذي يود الكثيرون إخفاءه وعدم الاقتراب منه، وهو انه قد مر عليهم زمن تحكمهن نساء، وليس هذا وحسب، وانما يدعى لهن في خطب المساجد.
والكتاب دراسة تاريخية موثقة، وليس من بنات أفكار الكاتبة التي أجهدت نفسها في البحث والتوثيق على أمل تغيير الصورة النمطية التي يحاول بها أالبعض إلصاق كل نقيصة وعيب بالنساء لإبعادهن عن المشاركة في الحياة العامة.
تعود الكاتبة فاطمة المرنيسي في كتابها «سلطانات منسيات» إلى الماضي الإسلامي لتطرح بجرأتها المعهودة أسئلة كانت ومازالت تؤرق المهموم بوضع المرأة المسلمة، لم تتوان مؤلفة «شهرزاد رحلت إلى الغرب»، عن وضع التاريخ الإسلامي على المشرحة السوسيولوجية، عبر السفر بالقارئ إلى أزمنة وأمكنة متباعدة من الاندلس والمغرب حتى تصل إلى اندونسيا لتحاول نفض الغبار عن أهم المحطات في تاريخنا الإسلامي، التي كان ينبغي دراستها والاهتمام بها عوضا عن تجاهلها.
تلح المرنيسي في بداية الكتاب على أنها تتحدث عن الإسلام السياسي، الإسلام كممارسة لسلطة المدفوعين بمصالحهم والمشبعين بالأهواء، وهو ما يختلف عن الإسلام الرسالة الإلهية، الإسلام المثالي المدون في القرآن. وتشير إلى أنها عندما تتحدث عن هذا الأخير فإنها تعبر عنه بالإسلام كرسالة أو الإسلام الروحي، لتشرح للقارئ المتعصب أنها تفصل بين الروحاني والأرضي.
تساءلت السوسيولوجية المغربية عن كيف نجحت نساء الازمنة القديمة اللواتي يفترض فيهن أنهن أقل تأهيلا منا في الوصول إلى مراكز صناعة القرار، في الوقت الذي فشلنا نحن العصريات بشكل مثير للشفقة، وهذا ما تؤكده أرقام تمثيلية النساء في المسرح السياسي في الدول الإسلامية. تستهل الكاتبة رحلة البحث عن إجابات لأسئلتها:ما هو سر الملكات السابقات كيف تنقلن في الحلبة السياسية ؟ حيث أن كل امرأة تتحرك فيها تستحق العقاب البشري والإلهي؟ هل هو الإغراء؟ أم هو ذكاؤهن وقدرتهن على الخروج من عالم الحريم إلى معترك السياسة، لو كان الجمال والإغراء لنجح الكثير من النساء من مختلف دول الغرب والبلدان العربية الأخرى اللواتي لهن طموحات سياسية وجميلات إلى أقصى حد وموهوبات بأنواع من الجمال الساحر، لكن جهلهن على المستوى السياسي جعل الإغراء سيئ التأثير مع الزمن. تشيرالمرنيسي إلى أنها لم تعرف امرأة اجتازت بواسطة الإغراء العتبة التي تجعل من محظية غير آمنة شريكة في السياسة.
صمت المصادر العربية عن وجود سلطانات حكمن ومارسن السلطة السياسية، كان من بين الدوافع التي جعلت فاطمة تحفر في الماضي لتقابل نساء لقبن بالحرات، ومن النساء الأكثر شهرة تذكر عائشة الحرة، المعروفة عند الإسبان بـ"مادري بوعبديل"، وحسبما ذكره عبد الله عنان المتخصص في دراسة سقوط غرناطة لعبت عائشة الحرة دورا بارزا في الأحداث التاريخية، رغم صمت المؤرخين العرب الذين قلما ذكروا اسمها.
تصف الوثائق الإسبانية حياة عائشة بأنها كانت صفحة من البطولة، واتخذت قرارات مهمة في الفترة المأساوية في غرناطة، فبعد سقوط زوجها محمد أبو عبد الله في فخ إغواء اسيرة الحرب الإسبانية ايزابيلا، وشعور النخبة في غرناطة بالخطر الذي مثلته هيمنة الزوجة الإسبانية، جعلها تستجيب لدعوة الزوجة العربية التي كانت أهدافها واضحة، وهي إزاحة الأب الخائن لشعبه.
إن سقوط غرناطة دفع بحرات أخريات من نساء علية القوم اللواتي كن يعشن حياة أخرى مسترخية في الحريم إلى المسرح السياسي ليخرجن بذلك من الفضاء المنزلي ويتحررن من قيد التقليد. وتفيد المصادر الإسبانية والبرتغالية بأنها كانت شريكة في اللعبة السياسية وقد كانت لعدة سنوات حاكمة تطوان والإقليم الشمالي الغربي من مراكش، وكانت رئيسة للقراصنة لا منازع لها وكان أحد حلفائها القرصان التركي بارباروس.
عقب وفاة زوجها تزوجت ملك مراكش أحمد الوطاسي، ثالث ملوك هذه الأسرة، ولكي تفهمه انها لا تنوي مطلقا التنازل عن دورها السياسي طلبت منه الانتقال من العاصمة فاس إلى تطوان لإقامة حفلة الزواج وكانت المرة الوحيدة في تاريخ المغرب التي يتزوج فيها ملك خارج عاصمته من المغرب.
تسافر بنا المرنيسي بأجنحة السوسيولوجيا إلى السعودية، التي ما زالت المرأة في عصرنا الراهن تكافح بها لأجل سياقة السيارة، لنتعرف على الغالية الوهابية الحنبلية من طربا قرب طائف، فقد قادت في العربية السعودية حركة مقاومة عسكرية، كي تدافع عن مكة بصورة خاصة في بداية القرن الثامن عشر ضد الاحتلال الأجنبي، ولقد أعطيت لقب أميرة. ويسجل المؤرخون ظهورها على راس البدو كحدث استثنائي.
 نستحضر مع السوسيولوجية المغربية علاقة يزيد الثاني تاسع خليفة أموي مع جاريته حبابة، وكيف كان يقول عندما يصل إلى أوج سروره أنه يود أن يطير وحبابة هذه هي التي كان ينبغي عليها أن تذكره بمهمته على الأرض، وبلزوم عدم الذهاب بعيدا. ولعه بأمته المغنية والشاعرة التي كانت تدخله في حالة من غير عادية وتجعله يتكلم بكلمات خرقاء، أثارت استياء المؤرخين، فإهمال يزيد لشؤون الدولة عقب وفاة حبابة وبكاءه وحزنه، الذي كان سببا في موته بعدها، جعل المؤرخين يهملون إبداعه في مجال السياسة وتشجيعه للحوار ومناقشة معارضيه.
كتاب «السلطانات المنسيات» رحلة عبر الزمن لاكتشاف تاريخ منسي لنساء تفوقن بحكمتهن. تعتمد مؤلفة «الحريم السياسي » على دراسات اليمني المعاصر عبد الله التاور، الذي يثبت بوضوح أن عهد الملكتين أروى وأسماء كان عهدا هادئا في تاريخ اليمن. «عرفت اسماء بعبقريتها وكانت متواضعة على الإطلاق، كانت تحضر مجالس الرأي بوجهها المكشوف فلا حجاب لامرأة تحب زوجها وتثق به حسب الباحث، ولا انحطاطية سيئة لامرأة عربية لديها ما تقوله».
تتساءل المرنيسي في الأخير، في الكتاب الذي ترجمته الدكتورة فاطمة الزهراء أزرويل، لماذا لم يسبق أن اختيرت فترات من تاريخنا، كان للنساء فيها حضور فاعل، كنصوص مختارة للمدارس الابتدائية والثانوية فالتاريخ الذي يدرس ما هو إلا سلسلة من الفتوحات واحتلال المدن والأراضي وسلسلة معارك مغطاة بآلاف القتلى.؟