"معا".. حركة سياسية جديدة تتصور "كل شيء ممكن"

المصطفى أزوكاح

"معا"، حركة سياسية قيد التأسيس يتصور مؤسسوها أن "كل شيء ممكن"، لكنها تذكر بـ"حركة لكل الديمقراطيين" التي تمخضت عن حزب الأصالة والمعاصرة، فهل ستعرف المآل ذاته وتتحول إلى حزب سياسي؟ "تيلكيل عربي" حضر لقاء الإعلان عن ميلاد الحركة.

وجوه غير مألوفة في اللقاءات الحزبية المغربية. التقوا بحي الأحباس بالدار البيضاء، بفضاء يحيل على المعمار الأندلسي العريق. جاؤوا، يوم الخميس 21 مارس، من أجل الإعلان عن حركتهم السياسية "معا"، التي يؤكدون أنها "ليست حدثا، إنها مشروع"، يحلمون بممارسة السياسة بطريقة غير تقليدية، من أجل إعادة الثقة للمواطن، الذي لم يعد يولي اهتماما للشأن العام. هذا ما يجعلها تلح على التمكين عبر مشاريع ترنو من ورائها إلى المساعدة على تأهيل المواطنين، الذين قد يطالبون في مرحلة مقبلة إلى تحويل الحركة إلى حزب سياسي.

نوايا الحركة "الطيبة"

الذين حرضهم الفضول على الحلول بتلك القاعة، كانوا يطرحون تساؤلات حول القيمة المضافة التي ستأتي بها حركة "معا كلشي ممكن" إلى حقل سياسي وحزبي يعتقدون أنه استنفذ كل إمكانيات تقديم عرض مغر للمواطنين.

في مواجهة الحضور المتسائل، أعلن أصحاب "المشروع" عن عنوان كبير: "سنمارس السياسة بطريقة أخرى".. هذه هي النية الكبرى التي تختزل كل "النوايا الطيبة" الأخرى التي تعبر عنها الحركة، التي أعلنت عن نفسها، الخميس، في أول أيام الربيع في الدار البيضاء.

المؤسسون يعلنون أنهم غاضبون ومستاؤون ومحبطون من بعض الممارسات السياسية في المملكة، ويعبرون عن أنهم عاقدون العزم على "نسج روابط الثقة بين الحاكمين والمحكومين" و"جعل المواطن في قلب القرار السياسي" وهو "هدف مستحيل ما لم تستحضر ممارسة السلطة الصالح العام وما لم تكن مبادئ الشفافية والاستقلالية والمساءلة أساس الفعل السياسي".

يؤكدون في الميثاق الذي يسترشدون به على "رفض مقايضة الحريات والديمقراطية والعدالة بالسلم الاجتماعي الجائر والأمن القهري والتنمية الاقتصادية الفئوية"، مشددين على رغبتهم في المساهمة في بناء مغرب " صامد بفضل حسن سير كل المؤسسات وقدرتها على مواجهة السيطرة، مادام اختار دون رجعة الفصل الكامل وغير الملتبس للسلط"، وهم يؤكدون على "العيش المشترك، الذي سيحصن المغربي ضد الإيديولوجيات المتطرفة والنزعات الانفصالية".

تناوبوا على تقديم العرض الذي سيتقدمون به للمواطنين الذين ولوا وجوههم عن السياسة والاستحقاقات الانتخابية، كي يقدموا أنفسهم ك"بديل ديمقراطي"، حيث تريد حركتهم إحداث "قطيعة مع الأشكال التقليدية" للعمل السياسي، وتطمح إلى أن تصبح قوة اقتراحية بناءة لا تنزلق نحو الأحكام الجاهزة والعداوات المسبقة. مقترحاتها ستركز أكثر على العدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية.

خلفيات مختلفة

هذا المشروع يحمله حوالي 12 شخصا، من بينهم المحامي المهدي المكزاري، والخبير في قطاع المال زكريا الكرتي، أحد المؤسسين السابقين لمبادرة "تيزي"، والأستاذان الجامعيان سارة السباعي وياسين عالية والطبيب سفيان موفق، وفاعلون في عالم المقاولة، مثل سليم حصار وأسامة شوباعي.

قرروا تأسيس حركة "معا"، كما يقولون، بعد التفكير والتداول، على مدى عامين، في شكل العمل الاجتماعي والسياسي، الذي يمكنهم من تحقيق الأهداف، التي أعلنوا عنها يوم الخميس بالدار البيضاء.

يؤكد زكريا الكرتي، الذي كان أحد مؤسسي مبادرة " تيزي"، أنهم جاؤوا خلفيات مهنية مختلفة، وسبق لبعضهم أن اختبر العمل الجمعوي، غير أنهم لم يجدوا في العرض السياسي الحالي بالمغرب ما يستجيب لتطلعاتهم. هم يشددون على أن حركتهم عابرة للإيديولوجيات وأنهم جاؤوا من خلفيات مختلفة.

ويشدد الكرتي على أنهم متوافقون حول القيم الأساسية التي ضمنوها في ميثاقهم، وينأون بأنفسهم عن التموقع السياسي داخل الحقل السياسي المغرب. واتفقوا على أن تكون القيادة جماعية في المرحلة المقبلة، في انتظار بروز قائد يمكن أن يمثلهم.

استماع للانتظارات

تريد الحركة اتخاذ مبادرات غير تقليدية بالمغرب، فقد كشفت عن طموحاتها عبر مشاريع ملموسة. تتجه نحو تجسيد مشروع "استماع"، الذي يسعون من ورائه إلى الاستماع لانتظارات وانشغالات المواطنين، حيث سيعمدون، في مرحلة أولى، إلى ترجمة المشروع عبر استبيان على المنصة الإلكترونية، قبل الانتقال لمرحلة اللقاءات المباشرة مع المواطنين.

وستستغرق مرحلة الاستماع سبعة أشهر، قبل الانكباب على مدى ثلاثة أشهر على تجميع وتحليل البيانات المتوفرة، التي ستصاغ في شكل برنامج عمل يعكس انتظارات الناس في مجالات الصحة والتعليم والمواطنة، كما يؤكد مؤسسو الحركة.

ولا تغفل الحركة التعليم، حيث تريد ترسيخ فكرة المدرسة التعاونية، في مشروع يقوم على تسلم المدارس العمومية المهجورة، ويكون أولياء الأمور مساهمين فيها بقدر مالي، وبمجرد حصول أبنائهم على الباكلوريا يمكنهم استرجاع ما ساهموا به.

يتصورون أنه يمكن لأولياء الآباء أن يؤدوا واجبات شهرية في حدود 200 درهم، بينما يعفى منها من لا يتوفرون على إمكانيات مالية. يؤكدون أنهم اشتغلوا على نموذج لتلك المدرسة التعاونية بالدار البيضاء، ويقولون إنه مشروع جاهز، ينتظر تأشيرة وزارة التربية الوطنية. توقيع مازال يعطل ذلك المشروع.

وتلتزم الحركة بإطلاق مشروع "التمكين"، الذي يراد من ورائه، العمل المباشر مع المواطنين، حيث ستنظم ورشات ودورات تكوينية، حول مواضيع معينه، في فضاءات عمومية. مشروع يهدف إلى تأهيل المواطن من أجل المشاركة الإيجابية في الشأن العام واتخاذ القرار الصائب، خاصة بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية.

المال.. والطموح الحزبي

بين الحاضرين كانت تساؤلات تتداول حول عصب الحرب وأهداف الحركة: أين للحركة بالمال الذي ستنفذ به مشاريعها؟ وهل يمكن أن تعيد إنتاج تجربة "حركة لكل الديمقراطيين" التي انتهت إلى حزب الأصالة والمعاصرة؟ وهل ستميل لتيار أو حزب سياسي دون آخر خلال الانتخابات التشريعية المقبلة؟

حرص مؤسسو الحركة، عند إثارة مسألة التمويل، على التأكيد على أن المال الذي بدأت به عملها، أتى من مساهمات الأعضاء، والخدمات التي قدمها أشخاص أرادوا مساعدة تلك الحركة من الأصدقاء والمتعاطفين بأسعار جد منخفضة. وهي تؤكد أنها لم تتلق تمويلا من أية جهة، لكنها لا تستبعد الانخراط في شراكات، يمكن أن توفر لها بعض التمويل مع التشديد على عدم الارتماء في أحضان أول مانح.

وتذهب الحركة إلى أنه ليس ورائها أي شخص أو جهة نافذة، كما كان الحال بالنسبة لحركة من أجل الديمراطية. أعضاؤها يؤكدون أنهم قرروا تأسيس الحركة بمحض إرادتهم، حيث أرادوا المساهمة في ممارسة السياسة بطريقة مغايرة لتلك التي درجت عليها الأحزاب السياسية التي تؤثث المجال السياسي المغربي.

لا تتخذ الحركة موقفا مسبقا مساندا لحزب سياسي أو تيار سياسي في المغرب، الذي سيعرف انتخابات تشريعية بعد عامين. مؤسسوها يؤكدون أنهم لن ينحازوا لهذا الحزب أو ذاك، خلال ذلك الاستحقاق الانتخابي، لكنهم، يشددون، مع ذلك، على أنهم سيراقبون ويرون ما إذا كانت البرامج ستوافق انتظارات الحركة.

هل ستتحول إلى حزب سياسي؟ لا يستبعدون ذلك، لكنهم يعتبرون أن القرار سيكون بيد المواطنين، الذي قد يعبرون عن رغبتهم في تحويل الحركة إلى حزب. لننتظر ونر.