طبيح: لم يعد كافيا أن تصدر الأحكام باسم الملك فقط.. بل يجب أن تكون طبقا للقانون

تيل كيل عربي

في ظل النقاش الدائر اليوم بالمغرب، حول النموذج التنموي الجديد الذي طالب الملك محمد السادس بإعداده، وتشتغل عليه لجنة إعداد هذا النموذج التي يرأسها سفير المغرب بباريس شكيب بنموسى، يقدم المحامي الشهير ، عبد الكبير طبيح، في هذه الورقة، مساهمة في كيفية جعل القضاء دعامة أساسية لهذا النموذج...

قد لا يختلف الناس حول إن المراد بالنموذج التنموي، الذي أعلن عليه في الخطاب الملكي الأخير، هو شيء آخر مختلف عن أي برنامج لأي حكومة معينة والتي هي بطبيعتها الدستورية مؤقتة، بينما النموذج التنموي له بعده المستقبلي المستدام والناقل للمجتمع من المرحلة التي هو فيها إلى مرحلة جديدة. فهو بالضرورة ليس برنامجا انتخابيا تطغى عليه العمومية من جهة، والرغبة في استجلاب المواطن من جهة أخرى.

وإذا كان من غير المنازع فيه أن صلب النموذج التنموي ونواته هو اقتصادي بالدرجة الأولى، أي منظور اليه من جانب كيفية خلقه للثروة،  فهو كذلك مجتمعي بالضرورة،  أي منظور اليه من جانب كيفية توزيع تلك الثروة توزيعا عادلا ومكافئا للعمل والعطاء والجهد و الاجتهاد.

لذا فإن مقاربة أحادية لهذا النموذج بدون استحضار أنه يجب أن يؤدي إلى تغيير يجعل المواطن يشعر بأنه انتقل من الوضع الذي يوجد عليه اليوم إلى وضع أخر، يجعله يشعر بكون فاعل ومسؤول في الحركية اليومية للمجتمع الذي يعيش فيه.

 وكمثال على المراد بالشعور بالتغيير:

- إحداث هيئة الانصاف والمصالحة التي شكلت حدثا فريدا في تاريخ المغرب عندما قبلت الدولة أن يحاسبها الجيل الذي مارست عليه كل الممارسات الماسة بأبسط حقوق الانسان.

-مدونة الاسرة التي نقلت المرأة من الوضع الذي كانت عليه منذ بداية الاستقلال بان أخرجتها من قبضة سلطة الطلاق التي كانت في يد الزوج، علما مع الأسف، أن بعض قرارات محكمة النقض ـفرغت عدة حقوق أتت بها المدونة من محتوها.

-القانون الذي أعطى الحق للمرأة في اسناد جنسيتها لمولوها.

هذه المبادرات هي التي تجعل المواطن يشعر بـنه معني بما تقوم به الدولة لـنها تهتم بحل المشاكل التي يعيشها يوميا. لذا فإن الجواب المنتظر من اللجنة التي شكلها جلالة الملك من بين خيرة أبناء وطننا أن تقديمه من المفيد أن بدور حول :

1-   كيفية إنتاج و خلق ثروة في المغرب، الذي لا ثروة طبيعية له.

2-  كيف تجعل من المواطن لبنة لخلق تلك الثروة باعتباره ثروة بشرية لا تنضب. إذا ما تم تملك استخدامها تملكا عقلانيا وأخلاقيا ومنصفا. بمعنى باحترام إنسانية ذاك المواطن واعتباره.

3-كيف سيتم إعادة توزيعها تلك الثروة توزيع عادلا و منصفا.

لانه لابد من أن نستحضر كون المغرب عرف عدة تجارب اقتصادية مند استقلاله، انطلاقا من الإعلاء من الحرية الفردية، إلى سياسة التخطيط الخماسي، تم إلى الرجوع مرة أخرى إلى الحرية الفردية بنظرة أخرى، في تدبير الشأن الاقتصادي.

وبطبيعة الحال فإن الخيارات المتاحة أمام اللجنة ستستحضر، أكيد، انخراط المغرب في النظام الاقتصادي الدولي واستحضار التزاماته مع باقي الفرقاء والفاعلين الدوليين والمؤسسات الدولية، الذين أصبحوا أكثر تأثيرا على الاختيارات الكبرى، ليس فقط على المغربـ بل على كل دول العالم.

وان كان من مثال قوي على خضوع كل الدول، كبيرها و صغيرها، للنظام الدولي الاقتصادي الحالي،هو تراجع دولة في حجم الدولة الفرنسية عن تطبيق قانون صوتت عليه الجمعية العمومية الفرنسية، أرادت ان تفرض به ضرائب على الشركات الامريكية الكبرى المشتغلة في ميدان التواصل الاجتماعي، إلا انها أوقفت تطبيقه، بعد بضع كلمات صدرت عن الرئيس الأمريكي، عندما هدد رئيس الدولة الفرنسية بعقوبات اقتصادية إن فرنسا طبقته.

و النموذج الأكثر إثارة هو اضطرار دولة الصين، صاحبة اقوى اقتصاد في العالم الى التوقيع على اتفاقية فرض فيها الرئيس الأمريكي عليها ان تشتري سلعا من أمريكا بملايير الدولارات بينما هي ليست في حاجة إليها.

فالسؤال المطروح اليوم على هذه اللجنة وهي تقوم بالمهام التي أسندت لها هو سؤال :

-  ليس أين هي الثروة، وإنما كيف ستخلق الثروة في مغرب لا يتوفر على ثروة طبيعية مثل باقي الدول الأخرى.

ثم السؤال الثاني:

-   كيف ستبدع وستخلق اللجنة الطريق الأمثل لتوزيع عادل مكافئ للعمل و الاجتهاد، لهذه الثروة على قلتها. أي كيف ستضع القواعد والاليات لتذبير الندرة. كما يقول الاقتصاديون، أي تدبير ثروة قليلة على حاجيات و انتظارات متعددة.

 فالنموذج التنموي هو سؤال يتوجه إلى السلطة التنفيذية، وبالتبع لذلك السلطة التشريعية باعتبار هذه الأخيرة هي الآلية الدستورية التي تستعملها السلطة التنفيذية لتنفيذ ما التزمت به اتجاه المواطنين الذين اختاروا الحزب الذي منه عين جلالة الملك رئيس الحكومة.

لكن، هل السلطة القضائية معنية أو غير معنية بالخطاب الملكي، وهل هي معنية أو غير معنية بالنموذج التنموي المطلوب خروجه للوجود.

إن الجواب على هذا التساؤل نجده في صلب الخطاب الملكي، الذي خص له فقرة بكاملها أتت بعدما تناول قضايا الصحة والشغل والتعليم، ليتم الانتقال الى دور القضاء بكل وضوح عندما نص على ما يلي:

" وهم (أي المواطنين) يحتاجون أيضا إلى قضاء منصف وفعال وإلى إدارة ناجعة "تكون في خدمتهم، وفي خدمة الصالح العام وتحفز على الاستثمار، وتدفع بالتنمية "بعيدا عن كل أشكال الزبونية والرشوة والفساد.

 إن قراءة هذه الفقرة وما أتى به الخطاب الملكي بخصوص دور القضاء كدعامة في إنجاح النموذج التنموي الجديد تدفع الى استحضار مقتضيين أساسيين:

  المقتضى الأول: وهو الفصل 124 من الدستور.

المقتضى الثاني: هو الرسالة الملكية التي وجهت إلى المؤتمر الدولي الأول لاستقلال السلطة القضائية الذي عقد بمراكش في 2 أبريل 2018.

وبخصوص المقتضى الأول، وهو ما ينص عليه الفصل 124 من الدستور، فإن قراءة عادية لذلك الفصل لا تسعف في سبر غور ومعرفة ما حمله من تغيير في طريقة إصدار القاضي لأحكامه بين المتقاضين المواطنين. وليس فقط في النطق به في افتتاح الجلسة وفي تضمينه صدر الأحكام.

 ذلك أنه بالرجوع إلى كل الدساتير التي عرفها المغرب من 1962 و1970 و1972 و1992 و1996 سنجدها كلها لا تلزم القاضي إلا بإصدار حكمه باسم الملك.

غير أن التحول الذي حمله الدستور 2011 لا يقتصر فقط على أهم مستجد في النظام السياسي المغربي وما حتى على الصعيد الإقليمي. المستجد الذي ينص على أن جلالة الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يختاره المغاربة ويعطونه أكثرية أصواتهم.

بل إن دستور 2011 تدخل كذلك في المجال القضائي الذي ومع رفعه للقضاء إلى مرتبة سلطة الى جانب السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية، إلا أنه بالتبع لذلك الاستقلال، ألزم على القاضي أن تنحصر مهمته في تطبيق القانون. لذلك نص الفصل 124 من الدستور لأول مرة في تاريخ كل الدساتير التي عرفها المغرب بكون الأحكام تصدر باسم الملك وطبقا للقانون.

 وأن التفسير الواضح والوحيد للفصل 124 يعني بكل بساطة أن الحكم الذي لا يطبق القانون لا يمكن أن ينسب للملك.

إن هذا التحول ليس لغويا وليس في صياغة الفصل الدستوري فقط، كما قد يظهر للبعض، بل إنه تحول في عمق كيفية إصدارالاحكام القضائية بين المتقاضين.

 فهو تغيير ينهل مما حمله الدستور 2011، الذي أكد على أن السيادة للامة تمارسها مباشرة عن طريق الاستفتاء أو بصفة مباشرة بواسطة ممثلها إذ الذين يختارهم بالاقتراع، كما ينص على ذلك الفصل 2 من الدستور.

   كما أن الفصل 6 من الدستور نجده خص الأمة كمصدر للقانون عندما اعتبرأن القانون هو اسمى تعبير عن إرادة الأمة من جهة، و جعل كل المواطنين متساوون ـمام القانون. من جهة أخرى"

    لهذا لا يعتبر حكما قضائيا، الحكم الذي يصدر بشكل غير مستند على نص من القانون، لأنه لا يطبق ما ارتضته وتوافقت عليه الأمة وبالتالي لا يصدر وفقا للفصل 124 من الدستور.

 وإذا كان المواطنون متساوون أمام القانون كما ينص على ذلك الفصل 6 من الدستور المشار اليه أعلاه، فإن نفس المواطنين يجب ـن يكونوا،  بالتبع لذلك، متساوون في الـحكام القضائية.

  وأن هذا الفهم للتحول في مجال القضاء الذي أتى به دستور2011، وإن لم يحظ بعد بما يستحق من نقاش وافرو متعدد، إلا أننا سنلاحظ تجلياته في الرسالة الملكية التي وجهت إلى كل دول العالم في المؤتمر الأول لاستقلال السلطة القضائية الذي نظم بمراكش في 2 أبريل 2018.

وهذه الرسالة ستتضمن المقتضى الثاني الذي أشرت إليه أعلاه. والذي أتى ليوضح أدوار ومهام السلطة القضائية من جهة ومفهوم استقلال السلطة القضائية من جهة أخرى. كما أرادها جلالة الملك، باعتباره كذلك، هو الضامن للاستقلال السلطة القضائية وفقا للفصل 107 من الدستور.

وبالفعل فإنه بالرجوع إلى الفقرة 12 من تلك الرسالة، سنجدها تناولت الجواب على النقاش حول الالية التي يجب على القاضي استعمالها في إصداره للأحكام إذ ورد في تلك الفقرة ما يلي:

                        حضرات السيدات والسادة:

" بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات في بناء الإطار المؤسساتي "لمنظومة العدالة، فإنه يبقى منشغلا مثل كل المجتمعات التي تولى أهمية قصوى "للموضوع  بالرهانات و التحديات التي تواجه القضاء عبر العالم.

"وياتي في مقدمة هذه التحديات ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في "الممارسة والتطبيق باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي.

"فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد وأن يجعل "من القانون وحده مرجعا لقراراته ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته

"وهو واجب على القاضي الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة والبعد عن أي "تأثير أو إغواء يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية.

 كما أن تعزيز الثقة في القضاء باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون والرافعة الأساسية للتنمية يشكل تحديا آخر يجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مختلف المجتمعات."

وهنا يتبين بكل وضوح أن وجه القضاء المستقل اليوم لا يمكن أن يشع إلا بالقانون باعتباره هو التعبير الأسمى للإرادة الأمة.

هذا هو التحول الدستور لمهام القاضي وكيفية اشتغاله الذي فسرته الرسالة الملكية المشار اليها أعلاه التي حملت توجيهات لأعلى سلطة في البلاد. وهو الورش الذي ينتظر المغاربة أن يفتح كذلك. وما ستقدمه اللجنة من وسائل عمل واليات وموارد مالية وبشرية تجعل من القاضي ذلك الملجأ الحصين الذي يلجأ إليه المغاربة بكل ثقة لرفع أي ظلم عنهم.

  من الصعب، بكل موضوعية، مسايرة من يطالب الان، بتقييم ما يقوم به المجلس الأعلى للسلطة القضائية أو ما تقوم به النيابة العامة المستقلة،  لانهما معا لا زالا في تثبيت أسس استقلالهما عن وزارة العدل التي طبعت تاريخ القضاء مند بداية الاستقلال.

  وأنه مما يدفع إلى الاطمئنان إلى هذا المشروع الفريد في العالم العربي أو حتى في بعض الدول الأخرى، هو أن جلالة الملك عين على رأس كل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة شخصان مشهود لهما بما يجب توفره في من يتقلد مثل تلك المهام الجسام.

وهذا التكليف يضع على عاتقهما معا شرط النجاح في مهامهما. بطبيعة الحال يجب على الجميع أن يدعم المجهودات التي يقومان بها من أجل ضمان نجاح هذه التحدي الوطني المغربي.

لكن، إن القبول بالتريث في وضع تقييم لتجربة المغرب هذه، لا يعني الاستكانة إلى عدم المطالبة بإخضاع أحكام القضاء للقانون والقانون وحده.  كما ذكرت بذلك الرسالة الملكية،  إذ مازلنا نرى أن بعض الاحكام لم تنخرط بعد في هذا التحول الدستوري الملزم بتطبيق القانون وحده.

 و مازلنا نرى اللجوء الى ما سمي بالسلطة التقديرية التي لم تبق تستعمل فقط في مجالها الطبيعي وهو في تحديد مدة العقوبة في المجال الجنائي و تحديد مبلغ التعويض في المجال المدني، بل أصبحت بعض الأحكام تستند اليها حتى في الفصل في جوهر الحقوق و الالتزامات، التي ينظمها القانون .

بينما الحكم يجب ـن ينص في حيثياته على الفصل القانوني الذي اعتمده فيما قضى به من إعطاء الحق لشخص أو نزعه من شخص أخر، حتى لا يتشكك المعني به في كون القاضي ظلمه بما قضى به عليه. إذ هو نفسه عندما يعود إلى القانون الذي اعتمده القاضي سيجد أن هذا الأخير كان عادلا في حكمه.

لكن أكبر كارثة حلت بالقضاء هي ما سمي بالزمن الافتراضي لكل قضية، و كأن القاضي يوجد في معمل لصنع الدمى من البلاستيك التي لا يتغير زمن صنعها. و أصبح يقاس عمل القاضي ليس بالأحكام العادلة التي أنصف فيها المتقاضين، وإنما بعدد الاحكام التي أصدر. ولا أحد اليوم يتكلم على القضاة المجتهدين في أحكامهم، لأن اجتهادهم يأخذ منهم وقتا أطول وبالتالي يوجدون في أسفل سلم الإحصائيات.

فالسرعة التي يطلب من القضاة إصدارالأحكام بها تعرف اليوم سرعة غير مسبوقة تتناقض مع أبسط متطلبات قواعد النجاعة القضائية واحترام حقوق الدفاع التي هي شرط صحة في الحكم العادل. علما ـننا عندما ننتقل إلى فرنسا مثلا نجد أن التأخير في القضايا قد يصل إلى سنة ونصف بين أول جلسة و الجلسة التي يدرج فيها الملف للمداولة، كما أن النطق بالحكم يعطى فيه للقاضي الوقت الكافي لكي يكون مسؤولا عن الحكم الذي سيصدره، و ليس بعد أسبوع أو في أخر الجلسة.

 بل يجب تمكين القضاة من الوسائل التي تشجع على استقرارالاجتهاد القضائي في جميع درجات التقاضي، وهوالاستقرار الذي لا محيد عن تطبيق نص القانون في كل ما يصدر عن القضاء،وذلك بالنص على الفصل الذي اعتمده القاضي حتى يطمئن المعني به لعدالته.

لأنه إذا نص الدستور على أن المغاربة متساوون أمام القانون، طبقا لأحكام الفصل 6 من الدستور، فإنه بالتبع لذلك يجب أن يكون المتقاضون متساوون في أحكام القضاء.

هذا لا يعني لجم فكر القاضي عن التفكير و الاجتهاد، لأن الاجتهاد القضائي الحقيقي هو عندما يتدخل القاضي ليوفق بين نصيين قانونيين،  من أجل الحفاظ على المراكز القانونية للأطراف. كما ذهبت إلى ذلك المحكمة الإدارية للرباط الرائدة في تثبيت الاجتهاد الحامي لحقوق الافراد على الإدارة.

وهذه المساواة في أحكام القضاء هي الآلية الوحيدة للاستقرار ولتحقيق الامن القضائي أو الاقتصادي او المجتمعي.

حقا، أن القضاة اليوم لا زالوا يشتغلون بقوانين هي سابقة على دستور2011، ولازالوا مطوقين باجتهادات لتفسير للقانون سابقة على دستور سنة 2011، أي لا زال تعليلهم للأحكام يتحكم فيه ما يعرف بالاجتهاد القضائي المبني على قواعد قانونية سابق عن دستور 2011.

كما أن الاجتهاد القضائي لا زال لم يعرف بعد استقرارا واضحا ومستداما يسهل عمل قضاة الدرجات الأولى ويضمن استقرار المعاملات التجارية والمدنية. ويمكن من إعطاء الفتوى القانونية التي تعفي المتقاضي من اللجوء أصلا إلى المحاكم.

 لكن إن تم حصر هذا النقص في كيفية إصدار الاحكام فقط، لن يكون ذاك عادلا، لأن جودة الاحكام هي مرتبطة بجودة النصوص القانونية التي يطلب من القاضي تطبيقها. وهي مرتبطة كذلك بالأدوار التي أسندت لمؤسسة أخرى هي مؤسسة المحاماة.

 وللمساهمة الفعالة في النموذج التنموي المتنظر لابد من أن نستحضر آليتين أساسيتين يجب عليهما معا أن ينخرطا، دون تأخير،  في تفعيل دستور 2011 وتفعيل الرسالة الملكية ألا وهما:

-الحكومة التي عليها أن تفتح ورش مراجعة للقوانين لملاءمتها مع الحقوق والالتزامات التي أتى بها دستور 2011 ، مثل الورش الذي فتح ما بين 1996 و 2007 الذي استطاع به المغرب أن يتوفر اليوم على منظومة قانونية في مجال المال و الأعمال تضاهي مثيلاتها على الصعيد الدولي.

تلك الملاءمة التي تجعل القوانين التي يطلب من القاضي تطبيقها منسجمة مع الدستور ومع الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب. في مجال الحريات الفردية و الجماعية، في مجال الحقوق و الالتزامات. وواضحة وعير ملتبسة أو متناقضة مع بعضها.

-محكمة النقض، التي أهلها القانون لوحدها في توحيد الاجتهاد القضائي وفقا لأحكام المادة 518 من قانون المسطرة الجنائية . وهي نفس المهمة التي يجدها في قانون المسطرة المدنية في الفقرة الثانية من الفصل 369 الذي تلزم محكمة الإحالة بأن يلتزم بالنقط القانونية التي بتت فيها محكمة النقض.

إن عدم تحقيق توحيد فعلي ومستمر ودائم للاجتهاد القضائي في جميع المراحل، هو الذي يشجع من لا حق له في اختبار حظه في الحصول على حكم يعطيه ما لاحق له فيه، بالاستناد على حكم أخر يسمى " اجتهادا " مع أنه قد  يكون لا علاقة له بالحق الذي يطالب به.

إن الأمن القانوني والقضائي هو واحد من أهم الركائز التي سيبنى عليها النموذج التنموي المنتظر، إذ بودنهما سنكون كمن يبني صرحا بدون إسمنت يشد الحجر للعضه.

وللحديث بقية.

عبد الكبير طبيح

06/02/2020