بالكمامات والتباعد، يؤدي الحجاج المسلمون في مكة المكرمة مناسك الحج في أول أيامه الأربعاء في ظل ظروف استثنائية وإجراءات وقائية غير مسبوقة يخيم عليها شبح فيروس كورونا المستجد المستمر في التفشي حول العالم حاصدا مئات آلاف الوفيات.
وقام الحجاج وهم يحملون مظلات ملونة تقيهم حر الشمس، بالطواف في حركة متناسقة حول الكعبة بالمسجد الحرام في بداية الشعائر مع إبقاء مسافة محددة بشعارات على الأرض البيضاء، في مشهد تاريخي غير مألوف في أقدس أماكن المسلمين.
وبدا المشهد مختلفا جدا عما كان عليه في السنوات الماضية حين كان يحتشد مئات الآلاف من الحجاج قرب الكعبة ويدورون حولها وهم يتسابقون ويتدافعون أحيانا للاقتراب من البناء المغلف بقماش أسود مطرز بالذهب ولمسه، وهو أمر ممنوع هذا العام.
وقال المصري محمد ابراهيم (43 عاما) "الحمد لله شعور لا يوصف، كأنه حلم".
وسرعان ما اكتملت مناسك الطواف والسعي في يوم التروية، على أن يتوجه الحجاج إلى منى ومنها إلى جبل عرفات على بعد عشرة كيلومترات للوقوف على صعيد عرفات الخميس، وهو ركن الحج الأعظم.
وأكد قائد القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام يحيى العقيل لقناة "الاخبارية" الحكومية "تم تطبيق عملية التباعد (...) المعتمدة من قبل وزارة الصحة"، مضيفا "بدأت عملية الطواف حتى اكتملت بوقت قياسي جدا وبكل سهولة".
وأعلنت السلطات أن ألف شخص فقط يشاركون في المناسك، لكن وسائل الإعلام المحلية ذكرت أن الأعداد قد تصل إلى نحو عشرة آلاف حاج، مقارنة بنحو 2,5 مليون مسلم شاركوا في الحج العام الماضي وقدموا من كل أنحاء العالم.
وقامت السلطات بعملية اختيار قال البعض إن معاييرها لم تكن واضحة تماما، وتم بموجبها قبول طلبات ورفض أعداد كبيرة أخرى.
والصحافة الأجنبية غير مخولة تغطية الحج هذا العام الذي يكون عادة حدثا إعلاميا عالميا ضخما، إذ تسعى الحكومة لتشديد إجراءات الوصول إلى مدينة مكة المكرمة وتضع قيودا صحية صارمة لمنع تفشي الفيروس أثناء المناسك.
وظهر الحجاج في بث تلفزيوني مباشر وهم يسيرون في صفوف منظمة داخل المسجد الحرام متجهين نحو الكعبة قبل بدء الطواف وقد وضعوا كمامات وتركوا مسافة بين الواحد الآخر، بينما كان دليل يتقدمهم. ثم داروا حول الكعبة تحت أنظار شرطيين ومسؤولين في المكان.
والحج من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم وبؤرة رئيسية محتملة لانتشار الأمراض وبينها فيروس كورونا المستجد، ويمثل تنظيمه في العادة تحديا لوجستيا كبيرا، إذ يتدفق ملايين الحجاج من دول عديدة على المواقع الدينية المزدحمة.
وأودى فيروس كورونا المستجد بحياة اكثر من 654 ألف شخص في العالم منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور المرض في نهاية دجنبر 2019، بينهم أكثر من 2700 في السعودية حيث سجلت نحو 270 ألف إصابة.
في مكة، تم تزويد الحجاج بمجموعة من الأدوات والمستلزمات بينها لباس إحرام طبي ومعقم وحصى الجمرات وكمامات وسجادة ومظلة، بحسب كتيب "رحلة الحجاج" الصادر عن السلطات، بينما ذكر حجاج أنه طلب منهم وضع سوار إلكتروني لتحديد تحركاتهم.
وخضع الحجاج لفحص للكشف عن فيروس كورونا المستجد قبل وصولهم إلى مكة، وسيتعين عليهم حجر أنفسهم بعد الحج.
وقالت وزارة الحج والعمرة إنها أقامت العديد من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة وجهزت سيارات الإسعاف لتلبية احتياجات الحجاج الذين سي طلب منهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي.
عشية بدء المناسك، شوهد عمال وهم يعقمون المنطقة المحيطة بالكعبة وسط المسجد الحرام، علما أن السلطات ستمنع الحجاج من لمس البناء المغل ف بقماش أسود مطرز بالذهب.
وقال مدير الأمن العام الفريق أول ركن خالد بن قرار الحربي لقناة "الإخبارية" التلفزيونية الحكومية "ليس لدينا أي هاجس أمني في ما يتعلق بخططنا التنظيمية".
وأضاف "الخطر الوحيد الذي نعمل على منعه هذا العام هو خطر الجائحة وكيف نؤمن سلامة الحجاج ونجعلهم يؤدون شعائرهم من دون أن يكون الوباء بينهم".
وتحددت نسبة غير السعوديين من المقيمين داخل المملكة بـ 70 بالمئة من إجمالي حجاج هذا العام، ونسبة السعوديين 30 بالمئة فقط، وهم من "الممارسين الصحيين ورجال الأمن المتعافين من فيروس كورونا المستجد".
وقد يكون فيروس كورونا المستجد مصدر تهديد فعلي للحجاج، لكن يبدو الحج هذا العام صحيا مقارنة بما كان عليه في السابق.
وغالبا ما كان يعاني الحجاج لدى عودتهم إلى ديارهم بعد نهاية الحج من أمراض تنفسية عدة بسبب الازدحام الشديد أثناء أداء المناسك وعدم وجود أي قيود للتباعد الجسدي أو إلزام بوضع الكمامات.
ويقول محللون إن الحكومة قلصت الحج لأنها قد تكون مصدرا رئيسيا لانتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن هذه الخطوة ستعمق الركود الاقتصادي في المملكة النفطية الثرية.
وينفق الحجاج عادة خلال رحلتهم آلاف الدولارات، لكن هذه السنة، أخذت الحكومة على عاتقها مصاريف كثيرة، بحسب بعض المصادر. ويعود الحج وكذلك العمرة المعلقة منذ مارس، عادة سنويا بحوالى 12 مليار دولار على المملكة.