تفكيك خطاب التطرف.. في العلاقة بين "الجهاد" و"القتال" في الإسلام؟ (6)

موسى متروف

بعد أن تصدى الدكتور محمد الناصري في الدفتر الرابع من دفاتر تفكيك خطاب التطرف، ضمن سلسلة الإسلام والسياق المعاصر، للرابطة المحمدية للعلماء، لتفكيك مفهوم الحاكمية، يتوقف في الدفتر الخامس عند مفهوم القتال تحت عنوان "في حقيقة القتال في سبيل الله ونصرة المستضعفين".

بين "الجهاد" و"القتال"

في البداية توقف الباحث عند العلاقة بين مفهومي "الجهاد" والقتال"، ليؤكد ان الجهاد اسم شرعي، ورد ذكره في مواطن عديدة من القرآن الكريم، تعلقت به الأوامر والنواهي، أمر به الله نبيه من حين بعثه، حيث قال "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا"، ليستخلص أن الجهاد المقصود في الآية، جهاد النفس، وذلك بتقويمها، وكفها عن الانحراف. وهذا النوع من الجهاد يعد أعظم جهاد.

ويورد قول ابن القيم الجوزية هذا النوع من الجهاد –أي جهاد النفس- "مقدما عن جهاد العدو في الخارج، وأصلا له، فإنه لم يجاهد نفسه أولا، لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، ويحاربها في الله، يم يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، متسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج".

ويستنتج الكاتب أن كلمة "الجهاد" أوسع؛ تشمل عمل القلب بالنية والعزم، وعمل اللسان بالدعوة والبيان، وعمل العقل بالرأي والتدبير.

وبعد أن تساءل عن علاقة مفهوم الجهاد بمصطلح القتال، بادر بالإجابة بأن "القتال هو الشعبة الأخيرة من شعب الجهاد، وهو القتال بالسيف، أي استخدام السلاح في مواجهة الأعداء". ويوضح أنه رغم أهمية "القتال" في الإسلام إلا أنه لا يعبر عن حقيقة مفهوم "الجهاد" الذي يشمل الجهاد بالقلب والدعوة والبيان، وما القتال إلا الشعبة الأخيرة من شعبه وليس هو كله. ولا عبرة بالقتال شرعا إلا إذا كان في سبيل الله، وهو قتال المؤمنين.

وأوضح الباحث أن آيات القتال في القرآن الكريم جاءت مبينة السبب الذي من أجله أذن في القتال وهو يرجع إما إلى دفع الظلم، أو قطع الفتنة، أو حماية الدعوة الإسلامية، أو منع الفساد في الأرض، أو الحرص على تطبيق بنود المعاهدات السلمية ومنع نقضها. ليتساءل: فأين هذه الأهداف من القتال الهجومي؟ وشدد على أن اعتبار "الجهاد القتالي" مبادأة للناس بالقتال، وأسلوبا لفرض الإسلام بالقوة والإكراه غير صحيح البتة.

علة "القتال" في الإسلام

وبعد أن استعرض أدلة شرعية، خلص الناصري إلى أن علة "القتال" في الإسلام هي الدفاع، فالدفاع عن ديار المسلمين ومعتقداتهم وأحوالهم ودمائهم وأعراضهم هو الذي يبرر الجهاد القتالي، أما القول بتقسيم الجهاد إلى جهاد طلب "ابتدائي" و"جهاد دفع"، فإنه لا ينسجم والتصور القرآني لمجال علاقات المسلمين بغيرهم القائم على السلام والتعايش السلمي مع مختلف مكونات المجتمع الإنساني، مشددا على أن "الجهاد القتالي" في الإسلام لم يشرع ابتداء، كما لم يشرع للانتقام والتسلط والعدوان، بل شرع للدفاع ومواجهة الظلم والطاغوت ونصرة الحق والمستضعفين، فهو بهذا حق مشروع للمسلمين لاسترداد حقوقهم وكرامتهم.

وتوقف الباحث عند أخلاقيات القتال في الإسلام، بالمعنى الذي حدده، أي إذا تعين القتال سبيلا وفرض على المسلمين بأحد أسبابه المشروعة. فقد وضع الإسلام من الأحكام الشرعية في حال الاضطرار للقتال ما يؤدي إلى تجنب الإيذاء والإضرار، فكان القتال في الإسلام قاصرا على المقاتلين في الميدان، فلم يبح الإسلام قتال من لا يقاتل كالأطفال والشيوخ والنساء والرهبان والعمال والفلاحين كما نهى عن الإفساد بقتل الحيوان وقطع الأشجار والثمار وتخريب العمران.

كما حرم الإسلام التعذيب، والإسراف في القتل، ونهى عن المثلة ودعا إلى احترام جثث قتلى المشركين، في مقابل ذلك أوجب الإسلام معاملة المهزوم بالعدل والمساواة، كما أوجب حسن معاملة الأسرى، فالقتال في الإسلام ليس حربا انتقامية، وإنما يستهدف الخير للجميع وإحقاق الحق ونشر العدل وتوفير المناخ السليم –الذي هو مناخ السلم والسلام- لنشر دعوة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول المؤلف.

ويخلص الناصري إلى أن علة مشروعية القتال في الإسلام محصورة في "سبيل الله" وكلمة "سبيل الله" تسع كل القيم السامية التي لا يتأتى معها ظلم أو جور أو تعسف أو غدر أو عدوان بغير حق أو تضييع لحرية الاعتقاد، أو حرمان من الحق في الاختلاف.