عبد الله إبراهيم.. الشاب المراكشي يبعثر أوراق الكلاوي (6)

تيل كيل عربي

كانت 1937 سنة فاصلة في مسار عبد الله إبراهيم، إذ سيفاجئ سلطات الاحتلال والباشا الكلاوي بحركة نضالية ستبعثر الكثير من أوراق المحتل. سيقود مظاهرات في شوارع مراكش سرعان ما ستمتد إلى مدن أخرى. كما سيشارك في صياغة وثيقة المطالبة بالاستقلال.

 

بعد أن قام رجال السلطات الفرنسية والباشا الكلاوي بكل ما يلزم لإنجاح زيارة كاتب الدولة الفرنسي المكلف بالأشغال العمومية، أفسد عليهم عبد إبراهيم كل شيء.

فقد أخرج هذا القائد الشاب من المدينة العتيقة ومن الأحياء الفقيرة الأخرى الحرفيين والفقراء والمعدمين ليفسدوا على المقيم العام نشاطه، وإظهار الوجه الحقيقي للمغرب وتقديم رسالة إلى كاتب الدولة الفرنسي "رماديي".

هذا كله أثار الغضب الشديد للكلاوي. وسيحكي عبد الله إبراهيم فيما بعد أن عدد المتظاهرين بلغ 100 ألف شخص من الفلاحين الفقراء والحرفيين المسحوقين في طاحونة الاستعمار الفرنسي، وطلبة مدرسة بن يوسف وتلامذة الثانوية الفرنسية المغربية الوحيدة في المدينة، كلهم واجهوا القوات الفرنسية وقوات الكوم والمليشيات المحلية. وقد تناقلت وكالات الأنباء القمع الوحشي الذي تلا هذه المظاهرات والتي بلغت مدنا أخرى مثل فاس، القنيطرة، الرباط، سلا(...).

تم اعتقال عبد الله إبراهيم وضربه وتعذيبه، ثم أرسل إلى تارودانت رفقة 12 مقاوما اعتبروا قادة ومحرضين وسبعة متظاهرين، لتنظيف قنوات الصرف الصحي، وتم العبث بأثاث بيته، وصودرت الكتب التي ترك له خاله وتلك التي أهداها له والده، من كتب التاريخ والموسوعات فضلا عن شجرة أنسابه، وسيترك هذا التصرف من طرف المستعمر أثر عميقا في نفسه سيحمله معه إلى آخر أيامه.

كما تم طرد أسرته من البيت، واضطرت لقضاء ليلة في العراء قبل أن يستضيفها الجيران في غرفة مخصصة للطلبة.

وبعد ذلك استقبلها الكلاوي،  وأعيدت إلى بيتها رغم أن عبد الله إبراهيم رفض طلب العفو.

وكان القمع في حق هذا الشاب وأسرته شديدا حتى أن ابنته الأولى زينب توفيت في السنة الموالية وهي في الثانية من عمرها، وكذا زوجته. ولم يسلم المختار السوسي من القمع، إذ اعتقل ووضع رهن الإقامة الجبرية في قريته بسوس.(...)

بعد خروجه من السجن صار عبد الله إبراهيم واحدا من الشخصيات السياسية الأساسية بمراكش، وأخذ ينشر في الصحف بما فيها جرائد الشرق الأوسط. كما واصل التدريس، وكانت دروسه تجمع بين السياسة والثقافة من منظور وطني واضح(...).

وفي 1943، نظم عبد الله إبراهيم، بمعية الفقيه البصري وعبد السلام الجبلي اللذين كان من تلامذته، إضرابا بمدرسة بن يوسف تضامنا مع طلبة القرويين.

ثم انتقل إلى الرباط حيث التقى الوطنيون للتباحث في شأن الخطوة المقبلة المتمثلة في وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تم تقديمها في 11 يناير 1944. ولم يكن عبد الله إبراهيم من بين الموقعين فقط، بل ساهم في تحرير نص الوثيقة.

بعد أيام من ذلك، أي في 25 يناير، تم اعتقال أحمد بلافريج، الأمين العام لحزب الاستقلال الذي تلا علنية النص وسلم شخصيا نسخة منه إلى السلطان محمد بن يوسف، رفقة حوالي عشرين من الوطنيين، وجرى نفيه إلى جزيرة كورسيكا. كما تمت متابعة عبد الله إبراهيم الذي كلف بتسليم نسخة من الوثيقة إلى الباشا الكلاوي. بعد هذا الحادث ستبدأ مرحلة أخرى مختلفة في حياة الرجل.