في قلب جبال الأطلس وبالفيديو.. البرد العدو الأول والحطب بأي "ثمن"

أحمد مدياني

منطقة تونفيت، التابعة لإقليم ميدلت نموذج مصغر لما يعانيه سكان مناطق عديدة في المغرب مع البرد. "تيلكيل عربي" كان هناك، لينقل للقراء صوت مغاربة يتمترسون في الجبال لمواجهة ظروف طبيعية قاسية. 

"أحمد"، شيخ ستيني من دوار يقع على سفح جبل "المعسكر"، بمنطقة تونفيت، التابعة لاقليم ميدلت،  يمسك بعكاز يساعده على النزول من درج منزله، ويداه ترتعشان من شدة البرد، وقد ترك الصقيع ندوبا واضحة عليهما، يلخص ما يعيشونه كل سنة حين يطرق البرد أبواب منطقتهم  بالقول: "مني كيطيح الثلج كيكون البرد بزاف، ولا نجد الحطب من أجل التدفئة. العثور عليه في هذه الفترة من السنة صعب جداً، وحتى الغابة التي كانت تزودنا به بدأت بالتآكل".

حسب وزارة الداخلية، يبلغ عدد الدواوير الواقعة بالإقليم، المعرضة لموجة البرد، التي زار بعضها "تيلكيل عربي"،  219 دوارا، موزعة على 24 جماعة ترابية، سخرت لها السلطات، تحسبا بتردي الأوضاع، الآليات المعدة لإزاحة الثلوج، والتدابير المتعلقة بتتبع حالة انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الهاتف، وعمليات التدخل بواسطة طائرات الهيليكوبتر، وإحصاء وتتبع أماكن الرحل وكذا عملية نقل وإيواء مرضى القصور الكلوي.

في هذه المناطق، يواجه الناس الانخفاض الكبير في درجات الحرارة بإيمان جنود يحرسون الحدود. داخل منزل أشبه بالكوخ الصغير، يتحلقون حول موقد نار لا يجب أن ينطفئ لهبيها طيلة فصلي الخريف والشتاء.  الموقد صمم ليقوم بمهمتين؛ الأولى ضمان الدفء من لسعات البرد، والثانية طهي الطعام لسد الرمق.

ولأن الموارد من الحطب قليلة وتكلفتها مرتفعة، يجب استغلال كل قطعة حطب قبل أن تتحول لرماد.

لأن الموارد من الحطب قليلة وتكلفتها مرتفعة، يجب استغلال كل قطعة حطب قبل أن تتحول لرماد.

في هذا المكان تحلق "عبد الرحيم"، رفقة أطفاله الثلاثة، وشرع يسرد تفاصيل معاناة لا تتوقف؛ "مع نزول الثلوج، يتوقف كل شيء هنا، ولايجدي نفعا أن تكون صاحب مال. لا نجد من يجلب إلينا حاجياتنا بما فيها الأكل، خاصة وأن وسائل النقل منعدمة في هذه المنطقة".
في نفس المنطقة، شاب آخر، في مقتبل العمر،  اسمه "مصطفى"، يحتمي من البرد بوزرة صفراء، يضعها عادة عمال النظافة. يرى أن البرد هو عدو سكان المنطقة الأول.

يقر "مصطفى" باستفادة دواره من مساعدات السلطات العام الماضي، والتي شملت مواد غذائية وأغطية وأفرشة، لكنه يعيب على المسؤولين ما اعتبره استمرار "سياسة الإحسان" عوض تنزيل حلول تنهي معاناتهم السنوية بصفة نهائية.

ماذا قدمت السلطات؟ 

المندوب الإقليمي لوزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، محمد المريني، تحدث خلال اجتماع لجنة اليقظة بإقليم ميدلت يوم 16 نونبر، عن جاهزية مصالح المندوبية للقيام بالأعمل الخاصة بفك العزلة عن المناطق المتضررة.

وأوضح المتحدث أن المندوبية تقوم بأعمال استباقية للموسم الشتوي من أجل تقديم المساعدة للسكان المتضررين، وذلك بتوفير اللوحات التشويرية، وإحصاء المقاطع الحساسة ونقط انقطاع الطرق، والتنسيق مع مصالح الوزارة في الأقاليم المجاورة ومع مختلف السلطات والمصالح الإقليمية في إطار لجنة اليقظة، لكن

ساكنة الدواوير التي حل بها "تيلكيل عربي"، وإن كانت تقر بحدوث  تغيير في طبيعة ونوعية وجدية تدخل السلطات، فإنها تشدد في كل حديث معها على ضرورة البحث عن حلول نهائية لما تعيشه كلما ظهرت في الأفق إرهاصات موسم البرد القارس.

 "أحمد" الستيني يتحدث عن إحدى النتائج المباشرة لوضع طبيعي لا يطاق: "أبناء المنطقة يهجرونها، لأنهم لا يجدون ما يعيلون به  أسرهم. لماذا لا يقومون ببناء سد صغير تتجمع فيه المياه الوفيرة هنا؟ نلجأ إليه كلما احتجنا ذلك. ولماذا لا تشمل المساعدات إعانتنا على حرث الأرض وحماية المحصول من الجريحة عوض انتظار المساعدات؟ نحن في حاجة أيضاً للتدفئة، هناك حلول بديلة عن الحطب يمكن أن تزود بها مساكن الدوار، خاصة بعد ربطها بشبكة الكهرباء".

"عبد الرحيم"، الذي الذي استقبل "تيلكيل عربي" داخل بيته، من جهته، ينسج على نفس منوال ساكنة الدوار والدواوير المجاورة؛ "أبناء جيلي لم يكملوا دراستهم بعد السنة السادسة ابتدائي، وأنا واحد منهم، ولا أريد أن يكون مصير أطفالي مثل مصيرنا، أيام تساقط الثلوج نخاف عليهم من طول الطريق نحو المدرسة والبرد، ونتساءل كل مرة لماذا لم تحرك الجماعة حافلات النقل المدرسي التي حصلت عليها بموجب هبة من الجهة".

واقع يؤكد عليه مولاي ادريس بوتاج، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان،  فرع "تونفيت"، حيث يعتبر أن "المناطق الجبلية تعيش كل فصلي خريف وشتاء معاناة مع قلة الموارد، خاصة الحطب والأغطية وانعدام النقل المدرسي للتلاميذ الذين يضطرون لقطع مسافة تتراوح بين 7 إلى 8 كيلومترات للوصول إلى المؤسسات التعليمية، رغم توفير حافلات منذ ثلاث سنوات لهذا الغرض".

ودعا بوتاج إلى ضرورة تشييد مستشفى ميداني في "تونفيت" بالنظر إلى وجود دواوير عديدة تنتمي إلى ترابها إداريا، داعيا المصالح الحكومية لتعبيد الطرقات التي تتضرر كلما تهاطلت الأمطار وتساقطت الثلوج في المنطقة.

رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان شدد على أنه يجب القطع مع انتظار المساعدات كل سنة، وحمل المسؤولية لكافة المصالح الحكومية بضرورة معالجة هذه الأوضاع، كما اقترح ضرورة تدخل وزارة التربية الوطنية لتوفير وسائل التدفئة داخل المؤسسات التعليمية التي لازالت تعتمد على الحطب فقط، أو على الأقل توفير هذا الأخير من ميزانية مصالح الوزارة.

مطلب تعميم التدفئة على جميع المؤسسات التعليمية في إقليم ميدلت، كان محط نقاش داخل آخر اجتماع للجنة اليقظة بالمنطقة، وجاء فيه على لسان المندوب الإقليمي للتربية والتكوين، عبد الرزاق غزاوي، أنه "يتم العمل على توفير التدفئة المركزية للأقسام الداخلية في أفق تعميمها على جميع الداخليات، وتوفير التموين الكافي القابل للتخزين، وإحداث خلايا اليقظة الدائمة بجميع المؤسسات التعليمية".

بحث عن الحطب.. و"صحة بيد الله"

 على طريق فرعية شيدت مؤخراً في المنطقة، تخترق جبال المنطقة نحو سفوح جبل "المعسكر"، تبدأ إشارة تغطية شبكة الهاتف في الاختفاء من الشاشة، وتنخفض درجات الحرارة تدريجيا لتصل يوم صعود "تيلكيل عربي" إلى الدواوير هناك 5 درجات قرابة الساعة الرابعة بعد الزوال.

يوميات من يقطنون هناك تنحصر في البحث عن الدفء والرعاية الصحية. "ضعف أو انعدام تغطية شبكة الهاتف يزيد من معاناتهم هنا، خاصة أنه أصبح ضروريا للتواصل مع الجميع أو بحثا عن شراء حاجيات أو طلب المساعدة"، يقول عبد الرحيم.
وحول تجربة شخصية عاشها يقول: "زوجتي باغتها المخاض قرابة الساعة الواحدة صباحاً، لم أجد أي وسيلة للتواصل مع من يمكن أن يقلها إلى المستشفى، يمكن أن أقول إن عملية وضعها كانت بيد الله، كحال معظم النسوة في هذه المناطق".

متوسط كلفة شراء الحطب يكلف شهريا ما بين 2400 درهماً إلى 3000 درهماً.

وللحصول على الحطب تفاصيل معاناة أخرى، عاينها "تيلكيل عربي" في جولة قام بها بسوقه في المنطقة. يتراوح سعر الحطب ما بين 80 إلى 100 درهم لـ"البهيمة" (مقياس يستعمله أهل المنطقة لقياس حمولة الحطب التي يشترونها وهي ما تستطيع الدابة حمله)، وهي حمولة تكفي بالكاد بين يوم إلى يومين حسب طريقة الاستعمال، أي أن متوسط كلفة شراء الحطب يكلف شهريا ما بين 2400 درهماً إلى 3000 درهماً.

سعر الحطب يجبر عدداً من سكان المنطقة على اللجوء إلى الغابة، ما يهدد الغطاء الغابوي بالمنطقة ويؤثر على ثروتها الحيوانية، في إيقاع رتيب وصمت يخيم على كل ركن.

جل الناس هناك يفرون إلى داخل البيوت بحثاً عن أقرب ركن من موقد النار، ومن يستطيعون قطع المسافة بين مكان سكناهم ومركز "تونفيت" يتكدسون داخل مقاه معدودة على روؤس الأصابع توفر بعض من التسلية عبر شاشة التلفاز ودفء لقاء فنجان قهوة أو كأس شاي...