قانون التعليم.. القصة الكاملة لـ"بلوكاج" لغة التدريس

الشرقي الحرش

منذ إحالة مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين، على لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، بتاريخ 12 شتنبر 2018، لم تستطع الغرفة الأولى للبرلمان الوصول إلى توافق بشأنه.

 وحرص الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، على عقد اجتماعات متتالية مع رؤساء الفرق النيابية من أجل تجاوز الخلاف حول مضامين مشروع القانون الإطار، مؤكدا أن القانون لن يتم التصويت عليه إلا بالإجماع، نظرا لأهميته.

 وقد استطاع رؤساء الفرق في اجتماعاتهم مع رئيس مجلس النواب حسم الخلاف بشأن أغلب مواد مشروع القانون الإطار باستثناء المادة 31 المتعلقة بالهندسة اللغوية، والتي نصت على "إعمال مبدأ التناوب اللغوي، من خلال تدريس بعض المواد، ولا سيما العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية".

صراع قديم يتجدد

ليست هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها نقاش لغات تدريس المواد العلمية، فقد سبق لرشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية في حكومة عبد الإله بنكيران، أن وجه مذكرة وزارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من أجل الشروع في تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية، لكن قراره ووجه بغضب شديد من قبل رئيس الحكومة آنذاك، الذي لم يتردد في تقريعه على الهواء مباشرة خلال جلسة برلمانية، داعيا إياه إلى التراجع عن مذكرته.

وقد تزامنت مذكرة بلمختار مع النقاش الذي كان يجري في أروقة المجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي يترأسه المستشار الملكي عمر عزيمان حول لغة التدريس، حيث عرف المجلس انقساما شبيها بالوضع الحالي لمجلس النواب، قبل أن يتم التوصل إلى صيغة وسطى أفضت لإعمال مبدأ التناوب اللغوي في تدريس المواد العلمية والتقنية.

وتنص الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم على تدريس بعض المضامين والمجزوءات باللغة الفرنسية في المستوى الإعدادي، مع إدخال الانجليزية في المستوى الثانوي التأهيلي، مما يساهم في إعداد التلاميذ لمتابعة دراستهم الجامعية، إلا أن مشروع القانون الإطار تجاوز ذلك إلى التنصيص على تدريس المواد العلمية والتقنية بلغة أجنبية، التي لن تكون غير الفرنسية في ظل الوضع الحالي، بحسب وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي سعيد أمزازي، مما لقي رفضا من حزب العدالة والتنمية وفعاليات أخرى جمعوية وأكاديمية في مقدمتها الائتلاف الوطني للدفاع عن اللغة العربية.

 موقف "الاستقلال"

 مر موقف حزب الاستقلال بمرحلتين: المرحلة الأولى كان يدافع فيها عن تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة العربية، إلا أن توالي المفاوضات دفعه إلى تغيير موقفه التاريخي، وقبل بتدريسها باللغة الفرنسية.

وحمل حزب الاستقلال مكونات الأغلبية الحكومة مسؤولية تأخر التصويت على مشروع القانون الإطار، كما دعا رئيس الحكومة في بلاغ صدر عقب اجتماع لجنته التنفيذية يوم الأربعاء 3 أبريل 2019، إلى تفعيل مقتضيات الفصل 103 من الدستور من خلال ربط طلب الموافقة على مشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لدى مجلس النواب بتصويت منح الثقة للحكومة حتى تواصل تحمل مسؤوليتها.

من جهته، اعتبر عادل بنحمزة، الناطق الرسمي السابق  باسم حزب الاستقلال، "أن هناك تحول درماتيكي في مواقف الحزب بخصوص قانون الإطار، سواء ما عبر عنه الأمين العام شخصيا وبلغ حد وصفه لمقتضيات القانون المتعلقة باللغة على أنها جريمة في حق المدرسة المغربية، وما عبر عنه أعضاء الفريق الاستقلالي في اجتماعات اللجنة المختصة عند دراسة القانون، وهو ما يجعل القبول بالتوافق على ما يناقض مواقف الحزب الثابتة والتاريخية يحتاج إلى تفسير وتعليل".

وقال بنحمزة، في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "أن الأمين العام للحزب وأعضاء اللجنة التنفيذية يعلمون أن البعض يعتبر حزب الاستقلال قد خرّب المدرسة المغربية منذ أزيد من ثلاثين سنة، وذلك عندما قام بتعريب المدرسة المغربية، فيما البعض يعتبر أن ما قام به حزب الاستقلال شرف كبير"، وتابع "المسافة بين الشرف والخزي دقيقة جدا، وتغيير الموقف اليوم من مسألة اللغة من قبل حزب الاستقلال يعتبر اعترافا واضحا بأنه فعلا خرّب المدرسة المغربية".

 واعتبر بنحمزة أن "تغيير الموقف من قانون الإطار بالنسبة لحزب الاستقلال كان يستدعى دعوة المجلس الوطني في دورة استثنائية كأعلى سلطة تقريرية بعد المؤتمر، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتغيير موقف ثابت للحزب في الموضوع، فلا اللجنة التنفيذية ولا الأمين العام ولا الفريقين البرلمانيين يملكان الحق في التقرير في هذا الموضوع".

أي أفق؟

 بعد فشل الاجتماعات التي عقدها رئيس مجلس النواب مع رؤساء الفرق، بادر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى عقد  اجتماع مساء الثلاثاء 2 أبريل 2019 مع قادة الأغلبية من أجل محاولة إقناعهم بضرورة التعجيل بالتصويت على مشروع القانون الإطار، حتى لو صوت الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية بالامتناع على المادة 31 التي تهم لغة التدريس.

مقترح العثماني، ووجه بالرفض من قبل عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مما أعاد الخلاف إلى نقطة الصفر، وتسبب في تأجيل التصويت على مشروع القانون الإطار، الأربعاء 3 أبريل 2019.

 وبحسب، محسن مفيدي، نائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية فإن تأجيل التصويت على مشروع القانون، الأربعاء الماضي، كان بمبادرة من الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، من أجل البحث عن التوافق.

وشدد مفيدي أن "فريق العدالة والتنمية متشبث بالهندسة اللغوية كما وردت في الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم، والتي نصت على تدريس بعض المضامين والمجزوءات باللغة الفرنسية والإنجليزية، ولم تعمل على إقصاء العربية وإزاحتها نهائيا".

مفيدي اعتبر أن فريق العدالة والتنمية لا يعارض التصويت على مشروع القانون الإطار، ولم يعد يطلب تأجيله، لكنه سيتحفظ على المادة 31 من نص المشروع لتعارضها مع المادة 2 من نفس المشروع، التي عرفت التناوب اللغوي بكونه هو تدريس بعض المضامين والمجزوءات بلغة أجنبية، وليس مواد بأكملها كما ورد في المادة 31"، مضيفا أن حزب العدالة والتنمية لن يفرض عليه أحد التصويت ضد قناعاته.

 وبحسب مفيدي، فإن باقي فرق الأغلبية أمامها خياران؛ إما التراجع عن "فرنسة" المواد العلمية والتقنية كاملة، واعتماد ما نصت عليه الرؤية الاستراتيجية، التي شاركت فيها مختلف الأطياف السياسية والفكرية، أو تمرير المشروع دون الحاجة لأصوات فريق العدالة والتنمية.

 من جهتها، اعتبرت عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، في اتصال مع "تيل كيل عربي"، أن التقاطب الحاد الذي وقع حول مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين يتم على حساب مصلحة أبناء الشعب".

وشددت  لبلق على أن "هناك دواع سياسية وراء هذا التقاطب، لا علاقة بما هو علمي، ولا تمت بصلة للإشكاليات الحقيقية التي تعيشها المدرسة العمومية".

واعتبرت لبلق أن مشروع القانون الإطار يمكن أن يمر دون تصويت حزب العدالة والتنمية بالإيجاب على المادة 31 المتعلقة بالهندسة اللغوية، معتبرة أن هذا المخرج يعتبر حلا أنسب الآن، لتفادي ضياع مزيد من الوقت.

وذهبت لبلق إلى أنه "إذا كان التقاطب السياسي بين حزب العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة مبررا خلال الولاية السابقة، بسبب اختلاف مواقعهما فإن التقاطب الحاصل اليوم داخل مكونات الأغلبية الحكومية ستكون آثاره وخيمة على ورش التعليم، وغيره من الأوراش الأخرى".