القصة السرية للدستور

عائشة أقلعي تيل كيل عربي

كيف صيغ القانون المغربي الأسمى لسنة 2011؟ محرروه يكشفون أسرار صياغته لأول مرة.

كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء حين وصل المدعوون إلى إقامة محمد معتصم. مساء 9 مارس هذا، تلقى حوالي عشرين شخصا الدعوة لتناول وجبة العشاء في ضيافة المستشار الملكي، ذلك أن "شيئا مهما بصدد الإعداد". قبل الموعد بيوم، توصل الجميع بمكالمة هاتفية واردة من رقم تلفوني خاص، ما يدفع أحد الضيوف إلى التصريح بنبرة لا تخلو من استمتاع: "سأعرف لاحقا أن مثل هذه المكالمات تكون عموما اتصالات مهمة لا يجب تفويت الرد عليها". ظل معتصم، الذي هو من اتصل، علما أن جل المتصل بهم يعرفونه، بل كان زميلا في العمل للعديد منهم، متملصا في حديثه، لكنه أكد على حضور الجميع نظرا لكون مهمة أساسية تنتظرهم. المكالمة الهاتفية لم تحمل أدنى تفاصيل، والاختصاصي في القانون الدستوري المكلف بمهمة ملكية حافظ على السرية التي تعتبر خصيصة للأحداث الكبرى من طرف المخزن، ومعها التكتم المفروض من قبل الأخير.

وسط الصالون، وضعت طاولتان كبيرتان حول شاشة تلفزيون. الحاضرون ما يزالون يجهلون الأمر، لكن سبعة عشر من أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور حاضرون بمعية رئيس اللجنة عبد اللطيف المنوني. مدعو واحد تخلف عن الموعد هو محمد الطوزي الذي كانت الطائرة المقلة له من فرنسا تحط في نفس التوقيت. "عم الصمت، وأنصتنا جميعا لخطاب الملك. شعرت بتأثر عميق جراء ما حمله الخطاب من مبادرات وبفعل مضمونه... لم يكن أفق انتظاري منه أقل مما تضمنه، ولذا أعتقد أننا شعرنا بالرضا إلى حد كبير"، تحكي نادية البرنوصي، أستاذة القانون الدستوري. ذلك أن الملك أعلن، أمام أعين الحاضرين المشرعة عن آخرها، على مراجعة دستورية عميقة تستند على سبعة مرتكزات. سبعة، نفس عدد الطواجين التي قدمت للضيوف ذلك المساء! "فوجئت لأن الملك قدم الكثير من التنازلات. لحظتها، شعرت بأننا نمر، بدون مرحلة انتقالية، من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية"، يسر نجيب با محمد، نائب رئيس الجمعية المغربية للقانون الدستوري. بعد انتهاء الخطاب الملكي، أصبح مجازا للمستشار إخبار الحاضرين بأنه وقع عليهم الاختيار لعضوية اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، وبأن العاهل سيستقبلهم في الغد في القصر الملكي. "لم يكن ثمة أي إلزام بالحضور، لكنني اعتبرت الأمر مهما، خاصة أنني استبقته"، يشرح محمد الطوزي. وبالفعل، فالباحث في علم السياسة كان قد أجرى، أياما قليلة قبل الخطاب، حوارا صحفيا مع حميد برادة نشرته أسبوعية "جون أفريك"، حوارا طرح ضمنه ردود الفعل الحكيمة التي على السلطة اتخاذها حيال حركة 20 فبراير. الحركة الاحتجاجية بالمغرب هذه بدت مقلقة للطوزي وهو يتابعها من إيكس-أون-بروفانس، حيث كان مستقرا، وقد رغب في المساهمة في الحوار الوطني عن طريق هذا اللقاء الصحفي. لكنه أخطأ الحساب، إذ تم تأويل حواره على أساس كونه وسيلة وظفها المخزن لتحديد سقف التنازلات على لسانه، وهو ما ولد استياء الباحث المتشبث باستقلاليته. وإذا كان البعض قد آخذ أعضاء اللجنة بالتواطؤ مع الحكم، فإن آخرين اتهموا هذه الهيئة بكونها غير ديمقراطية. هكذا وعلى سبيل المثال، اعتبر نشطاء حركة 20 فبراير أنه كان من المفروض انتخاب مجلس تأسيسي بدل تعيين لجنة أعضاؤها غير منتخبين. لقد تعرضت لجنة المنوني، طوال مدة اضطلاعها بمهمتها، لنقد لاذع، مهمتها تلك المتسمة بالدقة، لكن الحاسمة بالنسبة للمملكة.

قواعد اللعبة

"ثمة توجه مفاده الاعتقاد بأن المجلس التأسيسي أكثر الأشكال ديمقراطية، والحال أن المشرع الحكيم صولون أجاب على سؤال: (ما هو أفضل دستور؟) قائلا: (قولوا لي أولا بالنسبة لأي شعب وفي أية حقبة)"، تبرهن نادية البرنوصي. وبالنسبة لهذه المدافعة الشرسة على الملكية البرلمانية، فانتخاب مجلس تأسيسي كان سيكون مبررا في حال قيام ثورة أو تعرض الملكية للتهديد. "لكننا كنا في حضرة نظام حكامة بحاجة إلى المساءلة والملاءمة. ورغم تعرض اللجنة للنقد، فإنني كنت أعتقد أن الشرعية كانت متوفرة لها. لم تكن اللجنة تمتلك الكلمة الأخيرة، لكنها كانت تتمتع بدور يتجاوز الجانب التقني"، تضيف البرنوصي شارحة.

في القاعة الكبرى لأكاديمية المملكة إذن، استقر صناع الدستور التسعة عشر للعمل حوالي ثلاثة أشهر. رئيس اللجنة أخطر الأعضاء: "لن نقوم بالصياغة بإملاء من أي كان"، فاستوعبوا أن رفض الإملاء ينطبق حتى على الشارع نفسه. تحت لوحات جميلة وجلة، وبعد أن أشعر عبد اللطيف المنوني منذ البداية الجميع بشروط الاشتغال، انطلقت العروض الأولى. طلب الرئيس من عبد العزيز المغاري تقديم عرض حول ديباجة النص الدستوري ومن نادية البرنوصي قراءة في خطاب 9 مارس. وفي وقت جد مبكر، انتبه أعضاء اللجنة إلى وجود التباس في خطاب الملك. "بعد تحديد الإطار المرجعي لعمل اللجنة وحدوده، قال الملك أيضا إن ذلك لا يعفيها من الاجتهاد الخلاق. لم يكن ممكنا تجاوز الثوابت التي هي الإسلام والملكية، ومع ذلك، فليس بالإمكان البناء دون تفكيك"، يفسر نجيب با محمد، ملخصا بهذه العبارات المعادلة الدقيقة التي ستواجه اللجنة طيلة أعمالها. "كان الهدف تفكيك التباسات الدستور السابق"، يلخص الطوزي، قبل أن يوضح: "اشتغلنا في الواقع على دستور جديد عبر المقارنة مع دساتير أوربية والدستور البوليفي... لم نقم في أية لحظة من اللحظات بالعودة إلى الدساتير السابقة كمراجع". لأول مرة إذن في تاريخ المملكة، سيكتب مغاربة القانون الأساسي لبلدهم.

يوميا من الساعة التاسعة صباحا إلى الثامنة مساء، وأعضاء اللجنة موزعون حول الطاولة على شكل حرف U، يترأسهم عبد اللطيف المنوني وعبد الله ساعف وعمر عزيمان ("الأفراد الموثوق بهم" وفق توصيف أحد الأعضاء)، اشتغلت الهيئة من أجل رسم ملامح "ملكية برلمانية، ديمقراطية واجتماعية" أو بهدف"الحفاظ على الثوابت، أي سلطات الملك والإسلام" حسب آخرين.

الإنصات للشعب

ما السبيل إلى إنتاج دستور يتعرف المغاربة على أنفسهم في مقتضياته؟ عن طريق الإنصات إليهم، أجابت لجنة المنوني. جميع مكونات المجتمع (الأحزاب السياسية، المنظمات غير الحكومية، الهيئات النقابية، الجمعيات الشبابية، الفنانون...) استدعيت للتعبير عن رأيها أمام اللجنة ولتقديم مذكرات. "النزاهة التي تم بواسطتها الاستماع لجميع المكونات كانت فريدة"، يشهد الطوزي. وقد تم توجيه الدعوة للكل، باستثناء العدل والإحسان. "لم يرد المنوني أن يشاركوا لأنهم مناهضون للنظام"، يشرح عضو في اللجنة. وتم كذلك استدعاء ممثلين عن حركة 20 فبراير، لكنهم رفضوا في نهاية المطاف التعبير عن رأيهم في حضرة الهيئة. "الوضع اتسم بارتباك كبير. قالوا في البداية إنهم سيجيبوننا، غير أننا لم نتوصل لاحقا برد من طرفهم. لم يكونوا جديين"، يتأسف أحد الأعضاء. حتى الفنان عبد الوهاب الدكالي وفد أمام اللجنة ببذلته الزرقاء الأنيقة وربطة عنقه ومنديله الصغير الموضوع في جيب البذلة، للحديث عن الدستور.

حضر البعض بكثافة مثلما الحال بالنسبة لحزب العدالة والتنمية. "عددت أنه تم الاستماع للعدالة والتنمية تسع مرات، وذلك ضمن تمثيلية حركة التوحيد والإصلاح، والحزب، والنقابة، والصحافة، وحركتي الشباب والنساء، والجمعية، الخ..."، يتذكر الطوزي. الجمعيات التي تناولت الكلمة أمام اللجنة كانت أكثر إبداعا في مقترحاتها، بينما لم تخلف الأحزاب، التي افتقدت أكثر من غيرها للجرأة، خاصة بالنسبة لسلط الملك، أثرا عميقا لدى أعضاء اللجنة.

بفعل الوعي بأن المرحلة عنوان لحظة جسيمة من النقاش والإنصات الوطنيين، دافع البعض عن فكرة تنظيم جلسات استماع عمومية للمجتمع المدني. "حضرتني جلسات استماع لجنة الحكماء حول قانون الجنسية في فرنسا سنة 1987. هذا الحدث جسد لحظة تآلف بين الساكنة"، يقر إدريس اليزمي. غير أن قضية إشراك المغاربة لم تدرك بنفس الطريقة من قبل بقية أعضاء اللجنة، وعلى وجه الخصوص رئيسها الذي أقصى هذا الاقتراح. "أعتقد أن شعور المغاربة بتملكهم للنص الدستوري كان سيكون مختلفا لو أنهم تابعوا جلسات الاستماع هذه. قد لا يشاهدونها جميعهم ربما، لكن أشياء مهمة قيلت أثناءها"، يعلق اليزمي متأسفا. لقد قيل وكتب كثيرا بأن هذا الدستور صيغ تحت الطلب من طرف خدام للدولة، لكنه "لو شاهد المغاربة هذا المسلسل، لكان إدراكهم له مختلفا"، يعتبر حاليا رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

تقليص السلطات الملكية ؟

عقب ساعات طويلة من الاستماع، وبعد التوصل بأكثر من 182 مذكرة، شعر أعضاء اللجنة بأنهم يحملون على عاتقهم الواجب التالي: العمل لكي "يجد كل فرد أو جماعة أو حزب نفسه ضمن هذا النص، وذلك عبر فكرة أو كلمة أو مفهوم"، يلخص نجيب با محمد. توزع الأعضاء على خمس أو ست لجن فرعية للاشتغال على قضايا الجهوية، والعدالة، والعلاقة مع الملكية والإسلام، والديمقراطية التشاركية، الخ. ما تمخض عن أعمال هذه اللجن الفرعية كان حاسما بالنسبة لبنية الدستور. وعلى سبيل المثال، فمعالجة الفصل 19 من النص الدستوري السابق الذي يمنح الملك كامل السلط، شكلت إحدى اللحظات القوية في سياق عمل اللجنة. وبالفعل، فالبعض لم يكن يريد الدنو من هذا الموضوع، على غرار عبد الرحمان ليبيك الذي صرح بجلاء بأنه لا يريد تقليص سلطات الملك. ومن جهته، دافع عمر عزيمان أيضا عن الاختصاصات الملكية. "أنا ملكي وأعتقد أن من يدافع عن الملكية هو من يخفف سلطها دستوريا، وليس من يزعم توسيع سلطها هذه قصد الحصول على موطأ قدم ضمنها بهدف الإطراء على النفس، وأساسا لخدمة مصالحه الخاصة. علينا أن نمضي، في نهاية المطاف، نحو نظام شبيه بالنظام الإنجليزي أو الإسباني، لتصبح الملكية رمزا للحداثة والتقدم ووحدة الأمة"، يقول لحسن أولحاج مدافعا عن رأيه. أعضاء آخرون ضمن اللجنة انتصروا لمواقف وسطى، مثل نادية البرنوصي التي تعترف: "كنت مناصرة لملكية قوية ولكن غير تحكمية. لم أكن أريد تجريد الملك من سلطه، بل إقرار العقلانية والديمقراطية والترشيد والمسؤولية".

في النهاية، تم التخلي عن قدسية الملك، مثلما تم تعديل وضعه بصفته سلطة دستورية، ومن ثمة فقد بُوب ضمن الدستور، علما أن "الأخير، بوصفه المعيار، يسمو فوق البناء برمته، وفوق جميع الفاعلين والمتدخلين"، يشرح نجيب با محمد. و تمت، في الأخير، مأسسة الحكومة، كما تم فصل السلطة التشريعية عن الملك لتخول بأكملها للبرلمان، مثلما لم يعد القضاة، وهم ينطقون بأحكامهم، يفعلون ذلك باسم الملك فحسب، بل أيضا طبقا للقانون، وهو تجديد يحسب ضمن إيجابيات اللجنة. "صارت الشرعية الانتخابية تفوق أية شرعية أخرى"، يقول الطوزي مبتهجا من جهة ثانية، مقرا أيضا: "بالطبع، للملك شرعيته ومجاله المحفوظ. سلطاته مهمة وقد حصل توافق لكي تكون كذلك في الحقلين الديني والعسكري".

الإسلام المعقد

"كنت متيقنة من أن لحظات التوتر ستبرز إبان التعرض لسلطات الملك، لكن الأمر لم يحصل في النهاية"، تعترف نادية البرنوصي. وإذا لم تولد الاختصاصات الملكية توترا داخل لجنة المنوني، فإن القضايا المرتبطة بالدين خلقت الانقسامات، لا سيما حرية المعتقد. إنها المرة الوحيدة التي لجأ خلالها الأعضاء للتصويت. لا أحد كان ضد المبدأ، غير أن تسعة أعضاء دافعوا عن إدماج هذه القضايا ضمن الفصل المخصص للإسلام، بينما أراد آخرون غض الطرف عليها. "جاء عبد اللطيف المنوني لرؤيتي قائلا: إنك تعوق العمل بسبب موقع هذا الفصل، بينما المهم هو تضمينه في الدستور"، يتذكر إدريس اليزمي.  أخبر الأخير محمد البردوزي بالأمر، وكان المرض قد أضعفه، هو السلطة الأخلاقية داخل اللجنة بالنسبة لقضايا حقوق الإنسان، فقبل الملاحظة. وقد تضمن النص الدستوري حرية المعتقد وفق الصيغة التي اعتمدتها لجنة المنوني. ومن جانبها، شكلت مسألة المساواة بين الرجال والنساء مجال مواجهة ضروس. لقد كان على المناصرين لها أن يأخذوا بعين الاعتبار، ضمن ممانعات أخرى، المعارضة الشرسة لامرأتين، رجاء مكاوي وزينب الطالبي. "قانون الإرث كان مناقضا لمبدأ عدم التمييز بسبب الجنس. واللواتي والذين قاموا بمراجعة النص الأولي استوعبوا الأمر جيدا، ولذا فإنهم أقدموا، في هذا الصدد، على تحييد ما اعتقدناه تطورا تاريخيا على هذا المستوى"، تسر نادية البرنوصي. فعلا، لقد تم التنصيص في النهاية على المساواة، لكن "في نطاق أحكام قوانين المملكة".

وأخيرا، فالاعتراف باللغة الأمازيغية شكل لحظة كبرى إضافية بالنسبة للجنة، ويعتبر لحسن أولحاج حامل مشعله. "الأمر مهم لأن اللغة العربية والثقافة العربية تقومان بجذبنا نحو الماضي. أما الانتماء الأمازيغي، فهو وسيلة للاعتدال في مواجهة التطرف الوافد إلينا من الشرق المتوسط. القانون الوحيد في حوض المتوسط غير المستوحى من ديانة ما هو القانون الأمازيغي"، يؤكد أولحاج. لقد تلافى الرئيس المنوني المسألة طويلا، مثلما عارضها أعضاء وازنون في صفوف اللجنة، من بينهم البردوزي وعزيمان وساعف... وذات يوم، وضع المنوني المسألة ضمن نقط جدول الأعمال، فعبر عزيمان وساعف عن رضاهما لتصبح الأمازيغية لغة رسمية. "هذا ما أسمه بالسحر الملكي"، يعلق بلهجة لا تخلو من مزاح عضو في اللجنة لا ينتابه أدنى شك حول مصدر كسر هذه المكابح.

والآن؟

يوم العاشر من يونيو، رفع عبد اللطيف المنوني الصيغة الأولى لمشروع الدستور. لقد أنهت اللجنة أشغالها، وحان دور الآلية السياسية، برئاسة محمد معتصم، لإجراء تنقيحاتها. ويبدو أن هذه الآلية قد ارتجل تشكيلها عقب تعيين أعضاء اللجنة، لامتصاص غضب الأحزاب جراء إقصائها من الإصلاح الدستوري. إذا كانت هذه هي الأطروحة التي يدافع عنها البعض، فإن الفاعلين الأساسيين لم يؤكدوها إطلاقا. لكن ثمة معطى مؤكد: التغييرات التي خضع لها النص الأولي ليست ثانوية. أما الديباجة، وهي من إنجاز البردوزي الذي كان المرض قد أنهكه لدرجة فرضت عليه الانعزال لنيل قسط من الراحة بدل الالتحاق بنظرائه لتناول وجبة الغذاء بمعيتهم، فقد تم احترامها، وهي تكرس مبدأ عدم التمييز الذي يعتبر حجر الزاوية لحقوق الإنسان والذي احتفظ به. وبالمقابل، فسمو القانون الدولي على القانون الوطني الذي تم التنصيص عليه في البدء، أصبح مشروطا باحترام "الهوية الوطنية الراسخة"، وهي صيغة تعني الإسلام. وبالطبع، فحرية المعتقد تعرضت للإقبار بفعل دق حزب العدالة والتنمية لآخر مسمار في نعشها، ومعه تعبئة المحافظين وافتتاحيات مصطفى الخلفي. فعلى صفحات "التجديد"، نشر الخلفي الرافض لحرية المعتقد وللمساواة بين الرجال والنساء على مستوى الحقوق المدنية، تهديدا صريحا مفاده أن الخروج عما حدده الخطاب الملكي للتاسع من مارس بصدد مرجعية الهوية والمعتقد يعتبر بابا مشرعا للفتنة والتشويش والفوضى، مضيفا أنه ضرب من اللعب بالنار.

"إنها معركة خاسرة، لكنه لم يتم حتى شنها"، يقول متأسفا اليزمي الذي يؤاخذ الحداثيين على جمودهم. وضمن أعضاء المحكمة الدستورية، أدمجت التعديلات التي قامت بها الآلية السياسية عالما. "حين سيحال قانون ما على المحكمة الدستورية ويكون عليها البت فيه، فالعالم سيقدم على ذلك وفق تأويله الديني. فإما نمضي في اتجاه كونية دستورية، وإما نقحم عنصر نكوص"، يتأسف نجيب با محمد. ومن وجهة نظر محرري النسخة الأولى من الدستور، فالعنصر الديني أقحم أكثر من اللازم ضمنه النص. لكن ما يغيظ أكثر من تأويل فصول الدستور أو تغييرها يتجسد في بطء إنفاذها. لقد كان من اللازم أن تعتمد القوانين التنظيمية وتدخل حيز التنفيذ قبل نهاية الولاية الحكومية السابقة، أي قبل خمس سنوات. وهو ما لم يتم احترامه. "يشعر المرء كأن هذا الدستور أكبر كثيرا من جسمنا، أو أنه يجعل دولتنا ومجتمعنا يقدمان على خطوات لا واحد منهما مستعد لها إلى حد الآن"، يقول نجيب با محمد متأسفا. وفي هذا الصدد، يسجل العديد من أعضاء اللجنة وجود مقاومات وتزايد المحافظة، ما يؤدي إلى تراجع الدستور كقيمة معيارية إلى مجرد دستور بالتسمية، أي دستور غير فعلي. "الدستور روح ومؤسسات وممارسة. الروح موجودة، والمؤسسات كذلك، لكن الممارسة غائبة"، يشخص أحد أعضاء اللجنة. وبالنسبة للحسن أولحاج، فإننا "عرفنا التحكم الدستوري في عهد الحسن الثاني، لكننا نتوجه حتما نحو نظام برلماني. ودستور 2011 ليس سوى خطوة إضافية لبلوغ هذا الهدف". حسنا! لكن، ألا يقتضي هذا أن نفترض أن مسيرة المغرب تسلك فعلا منحى التقدم؟